ختامها غش … تداول أسئلة الأحياء والإحصاء للثانوية العامة على جروبات الغش    فالفيردي يوجه رسالة مؤثرة لمودريتش وفاسكيز وجماهير ريال مدريد    الرياضية: ثيو هيرنانديز يكمل الكشف الطبي مع الهلال    الخليج الإماراتية: الوصل والريان ينسحبان من صفقة وسام أبو علي    وزير الشباب والرياضة يستقبل أبطال منتخب الكرة الطائرة البارالمبي بعد التتويج ببطولة إفريقيا    «كجوك» أفضل وزير مالية بإفريقيا لعام 2025    موعد عزاء المخرج الراحل سامح عبد العزيز    الفريق أسامة ربيع يلتقى السفير اليابانى لبحث التعاون فى التدريب والتسويق    المستشار الدكتور حنفي جبالي يستقبل رئيس مجلس الدولة الصيني    باريس سان جيرمان ينهي سجل ريال مدريد المثالي في كأس العالم للأندية    وزير الخارجية يبحث مع 7 وزراء عرب جهود مصر لاستئناف وقف إطلاق النار بغزة ومستجدات    تنسيق الجامعات 2025.. إتاحة موقع التنسيق للتقدم لاختبارات القدرات السبت المقبل    مجلس كنائس الشرق الأوسط معزياً البطريرك يوحنّا العاشر:"الدماء التي سالت بكنيسة مار الياس دماؤنا جميعاً"    قراءة مبسطة فى قانون الإيجارات القديمة بعد التعديلات.. إجابات للمستأجرين والملاك    انتخاب رئيس جهاز حماية المنافسة المصري لمنصب نائب رئيس الدورة التاسعة لمؤتمر الأمم المتحدة للمنافسة    تخصيص قطع أراضي لإقامة مشروعات تنموية وخدمية في 5 محافظات    النشرة المرورية.. كثافات مرورية على الطرق الرئيسية فى القاهرة والجيزة    ضبط 339 قضية مخدرات.. 166 قطعة سلاح نارى وتنفيذ 83418 حكما قضائيا متنوعا    السجن 3 سنوات لمتهمين بإحراز سلاح وإصابة شخص فى سوهاج    رئيس الوزراء: جهود مكثفة لجهاز حماية المستهلك في يونيو.. 682 حملة رقابية و15 ألف شكوى تحت المراجعة    ضبط شخصين بأسيوط لقيامهما بالنصب والاحتيال على المواطنين من خلال توظيف الأموال فى مجال المراهنات الالكترونية    نائب رئيس الوزراء يبحث تنفيذ الشركات المصرية لمشروعات البنية التحتية بالكونغو    أهالي القنطرة شرق ينتظرون تشييع جثمان الفنان محمد عواد وسط أجواء من الحزن    بلقطات حب ورومانسية.. زوج أسماء أبو اليزيد يحتفل بعيد ميلادها    وزارة الصحة تنظم ورشة عمل بالتعاون مع مركز برشلونة لسرطان الكبد لتعزيز التشخيص والعلاج    تناول هذه الفاكهة صباحا يقلل دهون والتهابات الكبد بهذه الطريقة    السيسي يصدر قرارين جمهوريين.. تعرف عليهما    الكنيسة السريانية الأرثوذكسية تُعلن تضامنها مع "الأرمنية": انتهاك حرمة الكنائس مرفوض    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 10 يوليو 2025    السويدي للتنمية الصناعية تجذب استثمارات تركية جديدة لتعزيز صناعة النسيج في مصر    أوكرانيا تعلن خسائر روسيا منذ بدء الحرب    عضو بالبرلمان الأوروبي يقترح منح المقررة الأممية بفلسطين فرانشيسكا ألبانيز جائزة نوبل للسلام    متحدث «الصحة العالمية»: مئات الشاحنات تنتظر خارج معبر كرم أبو سالم    «المشاط» تُسلّط الضوء على الشراكة بين "التخطيط" ومعمل عبد اللطيف جميل لسياسات التنمية بجامعة ماساتشوستس للتكنولوجيا    "كوبري جديد؟!".. الأهلي يتدخل لقطع الطريق على صفقة الزمالك المنتظرة    الأحد.. انطلاق أولى حلقات الموسم الجديد من برنامج "واحد من الناس"    حاولت مساعدته.. شاهد على حادثة ديوجو جوتا يروي تفاصيل جديدة    صورة رومانسية لإمام عاشور مع زوجته    جمال شعبان يحذر من هذه العلامة: قد تشير لأزمة قلبية    متحور كورونا الجديد - عوض تاج الدين يجيب هل وصل إلى مصر؟    وفاة المطرب الشعبي محمد عواد بشكل مفاجئ    الحكومة السورية: نرفض التقسيم أو الفدرلة و نؤكد تمسكنا بمبدأ سوريا واحدة    لولا دا سيلفا ردا على رسوم ترامب الجمركية: البرازيل دولة ذات سيادة ولن نقبل الإهانة    الهيئة العليا للوفد توافق على طلب رئيس الحزب بطرح الثقة في نفسه    وفاة المخرج سامح عيد العزيز بعد تعرضه لوعكة صحية والجنازة من مسجد الشرطة    10 صور لاحتفال زيزو مع أحمد السقا بفيلمه الجديد    الوداع الأخير.. المطرب محمد عواد في عزاء أحمد عامر ثم يلحق به اليوم فجأة    ما حكم الوضوء بماء البحر وهل الصلاة بعده صحيحة؟.. أمين الفتوى يحسم (فيديو)    موعد ظهور نتيجة الثانوية العامة 2025 والرابط الرسمي للاستعلام    اليوم الخميس| آخر تقديم ل 178 فرصة عمل بالإمارات ب 24 ألف جنيه    فلكيًا.. موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر للقطاع العام والخاص والبنوك والمدارس    "لعب للصفاقسي".. من هو محمود غربال صفقة الزمالك المحتملة؟    الولايات المتحدة تشهد أسوأ تفش للحصبة منذ أكثر من 30 عاما    ما أحكام صندوق الزمالة من الناحية الشرعية؟.. أمين الفتوى يوضح    وزير الثقافة: إعفاء مهرجانات "الأوبرا" من الضريبة يُؤكد اهتمام الدولة بالفنون    عصام السباعي يكتب: الأهرام المقدسة    لرسوبه في التاريخ.. أب يعاقب ابنه بوحشية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 10-7-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنتهى الأخير سيرة الجرح العربي النازف
نشر في نقطة ضوء يوم 01 - 01 - 2010

إنما يصل إلى المنتهى عارفوه، ولا يقف بين يديه (الله) إلا أهل المقام الرابع فصاعداً .. بهذه الكلمات تنتهي رواية المنتهى الأخير لخالد محمد غازي، المليئة بالأحداث المتصلة عبر زمن سردي يمتد من آلاف السنين حتى وقتنا الحاضر، وبحكايات تقارب عالم شهرزاد الخيالي حيناً، وحيناً عالم الواقع الذي تجري فيه أحداث حقيقية، والعالم الروحاني الصوفي حيناً آخر.
بُنيت الرواية وفق خطوط سردية ثلاثة: حكايات شهرزاد، وحكايات الجد العابد المتصوف، والأحداث التي يسردها الحفيد لما عاشه وعاينه. بما يشير إلى تقنية سردية تبتغي الإبقاء على وضع التأرجح للنص بين عوالم ثلاثة: تاريخية، وواقعية معاشة، وروحية تتصل بعالم الغيب وأسراره..
في الخط السردي المتعلق بشهرزاد الثانية (ابنة شهرزاد الأولى) هناك حكايات تسردها هذه الشهرزاد على المنذر مستندةً إلى مقدمة والدتها المعروفة: بلغني أيها الملك السعيد ، إذ إن الحكاية التي سترويها ليست من حكايا الليالي الألف، وإنما هي الحكاية الحقيقية لقصة لم تُقَل بعد، ولم تُكتَب حتى الآن، ولم تُحْكَ لأحد قبل اليوم (ص 10).
ويروي الحفيد في الخط السردي الثاني، قصص جده الذي كان لزهده وورعة تقال عنه حكايات لا منطق لها، إذ كان الناس يظنون أنه يمتلك قدرات تفوق قدرات البشر: فهو يظهر فجأة في أماكن مختلفة لمساعدة الأسر المنكوبة، وقد طاف العديد من البلدان باحثاً عن أولئك الذين يحتاجون العون والمساعدة. ويكشف الحفيد عن أساس كل ما تناقله الناس حول جده: كان غارقاً في عبادته، لذا بدت تلك العبادة أمراً خارقاً لسكان البلدة (ص8 ).
ويتعرف القارئ في الخط السردي الثالث، إلى قصص الحب التي عاشها الحفيد، والتي يرويها بضمير المتكلم، وقد انتهى معظمها بالزوال بعدما تكشَّف له زيف بطلاتها، ليظل حبه الأوحد والحقيقي لشهرزاد.
ومنذ البداية، يسير النص على خط رفيع يفصل بين حافتين هما الخيال والواقع، ويظل الحفيد يمثّل نقطةَ الوصل بين عالم شهرزاد، وعالم جده.. فشهرزاد فتاة قادمة من إحدى القرى الفلسطينية، والحكاية التي ترويها هي حكاية أرض اغتُصبت ظلماً وعدوناً، وهي تتتبّع خطاً تاريخياً لتحكي للملك كيف تشكلت قريتها من مجموعات بشرية كانت ترتجي خصوبة الأرض وعذوبة مياهها، فمن مصر قدمت مجموعة أطلق عليها المصاروة إبان حكم إبراهيم باشا، وجاءت مجموعات من البدو والمغاربة. وقد شاركت القرية في العديد من الثورات ضد الاستعمار وكان سكانها يعتقدون أن الله يساندهم في معاركهم ضد اليهود، لأن هنالك ضريح لرجل صالح في قريتهم: كان أي فرد من القرية مستعداً لبيع أي شيء يملكه أو تملكه أسرته لشراء السلاح والدفاع عن القرية (ص 42).
هذا الروح الوطني عند شهرزاد هو ما جعلها تمتلك عقل الحفيد ووجدانه، رغم استحالة اللقاء بينهما. يقول الحفيد في رسالته لشهرزاد: قررت أن أرجع إليك، مقتحماً لكل شيء.. الزمان والمكان.. المطارات والتأشيرات.. لكني تراجعت، هل ينفع أن أسافر في المستحيل؟ (ص17).
وتبدو العلاقة التي تجمع أبطال الرواية أشبه بالتقاء الأرواح لا الأجساد، روح شهرزاد صاحبة الحكمة ورجاحة العقل ونبل الأخلاق، وروح الجد الولي الصالح الزاهد في ملذات الحياة والمتقرب إلى الله، وروح الحفيد الذي يتوق إلى إكمال خط سير الجد من أجل الوصول إلى كشف الحجاب عن نقطة الضوء التي تشع في داخله ليكتشف حقيقة الذات في صفائها وعالمها الملكوتي، متسلحاً بفطنة شهرزاد، وبنقاء روح جده.. فبهاتين الخصيصتين يمكنه أن يصل إلى الحقيقة و اليقين .
يتمثل الحفيد خطى جده لبلوغ المنتهى الذي بلغه هذا الجد، وهو ما يشير له الحوار الذي دار بينهما وهما في طريقهما لصلاة الفجر، إذ يسأل الحفيد جده عن معنى كلمة شيخ فيكون جواب الجد: ربما كنت تشبهني، لذا لن أقول لك ما معنى شيخ، عليك أن تدركها بنفسك وأن تبدأ من حيث انتهيت أنا (ص 9).
لكن الحفيد الذي تسحبه فتنة الدنيا إلى طريق الذنوب، يظل يستشعر ثقل المسؤولية التي حمّله إياها جده، ويكبر الحفيد ويكبر معه سؤاله الطفولي عن معنى شيخ ، وتظل الإجابة غير قارّة في وجدانه، وحتى عندما يسأل الحفيدُ الشيخَ علي أحد مريدي جده، عن كيفية مواصلة طريق جده، فإن الشيخ علي لا يجيبه أيضاً، وإن كان يقود خطاه إلى الطريق الصحيحة بالتلميح دون التصريح:
- هل كان يعلم أنني سأسلك طريقه؟
- كان يتمنى أن يكون أحد أولاده أحد السالكين، ولما عرف تيقن ويقينه صدق، أن سيكون أحدُ السالكين ولداً يولد من صلبه.
- أهو أنا يا شيخ؟
- عليك أن تجيب بنفسك عندما يزورك النور (ص 78).
كان الشيخ عوض (الجد) عالماً توافرت فيه صفات العلماء: الزهد والمعرفة والتوكل واليقين، وهي الصفات التي جمعت بين الجد وشهرزاد الابنة، التي تؤكد للملك قبيل زواجها منه: لقد وصلت إلى شيء لا يعرفه إلا الراسخون في العلم (ص 15).. من هنا تبحر الرواية في عوالم الروح التي هي وحدها من يستطيع تجسير الهوة الزمانية والمكانية، الأرواح التي تتلاقى بعيداً عن الحسابات الدنيوية الأرضية، لذا فإن الشيخ عوض يلتقي بالولي الصالح سلمة الذي يقال إنه قاتل مع النبي عليه السلام وكان يحمل راية المعركة، وبعد استشهاده دُفن في القرية الفلسطينية التي سُمِّيَت على اسمه، والتي تنحدر منها شهرزاد الابنة، وذلك أثناء تواجد الشيخ عوض في فلسطين: لقد زرت فلسطين بالأمس والتقيت هناك (سلمة) الذي استُشهد فيما بعد.. وقد حارب في معارك الفتح الإسلامي التي دارت على أرض فلسطين.
- تقصد أنك زرت مقام أو قبر سلمة الذي سُمّيت القرية باسمه؟
- أقول التقيته وجهاً لوجه وسلّمتُ عليه بشحمه ولحمه ودمه (ص 48).
لقد تبدلت حكايات شهرزاد الأولى الخيالية، لتروي ابنتها شهرزاد الثانية قصص أجدادها وشعبها الفلسطيني وما يعانيه من مجازر، كمجزرة مسجد سلمة التي استمرت إلى أن قَتل اليهود كلَّ الفلسطينيين في القرية، وقصة استشهاد الطفل محمد الدرة في حضن والده، وقصص سقوط العديد من الأطفال والنساء والرجال ضحايا الحقد الصهيوني.. وهي قصص تفوق الخيال ببشاعتها وتعطُّش مرتكبيها للدماء. وفي سطور رسالتها التي توجهها لمن تحب، تنقل شهرزاد المرأة الفلسطينية معاناة أرضها وشعبها، وتظل متسلحة بالقوة ليقينها بأن الصمود هو الحل الوحيد لتحرير أرضها، والوصول إلى المنتهى الأخير والحفاظ عليه.
ورغم سير السرد باتجاهات ثلاثة، إلى أنه يلتمّ في النهاية لينصهر في بوتقة واحدة، مشيراً إلى الجرح العربي النازف في فلسطين، من خلال حكايات شهرزاد المستمدة من واقع الحياة لأهل قريتها الفلسطينية المحتلة، ومن خلال حكايات الجد الذي زار فلسطين وعاش بين أهلها والتقى برموز الشهداء فيها، أو من خلال حكايات الحفيد الذي يضل طريقه ولا يهتدي لها إلا بعد أن يدرك أن أن ما ارتكبه من معاصٍ وما عاشه من ملذات الحب وأوجاعه، كان بداية الطريق للتوبة ولاكتشاف النور بداخله والوصول إلى منتهاه الأخير .
* كاتبة أردنية
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.