الرئيس السيسي يطمئن على أحد الأئمة الحضور بخطبة عيد الأضحى ويوجه بعلاجه | فيديو    12 عرضا في قنا مجانا.. قصور الثقافة تطلق عروضها المسرحية بجنوب الصعيد    البابا تواضروس الثاني يعيّن الأنبا ريويس أسقفًا عامًا لإيبارشية ملبورن    قرار تاريخي.. فلسطين عضو مراقب في المنظمة الدولية| أبرز حصاد «العمل»    في لفتة إنسانية.. الأوقاف: الرئيس السيسي وجه بعلاج أحد الأئمة تبين إصابته خلال صلاة عيد الأضحى    الزراعة: استمرار جهود الحفاظ على الرقعة الزراعية وإزالة 20 حالة تعد    المجمعات الاستهلاكية تواصل عملها في ثاني أيام عيد الأضحى    تعرف على أسعار الحديد مساء ثاني أيام عيد الأضحى    رئيس مياه سوهاج: تكثيف تفقد مواقع العمل وإصلاح الأعطال خلال العيد    وزارة النقل: الأتوبيس الترددى يعمل طوال أيام العيد فى هذه المواعيد.. صور    المالية: صرف المرتبات للعاملين بالدولة يوم 18 يونيو    الصناعة: حجز 1800 قطعة أرض في 20 محافظة إلكترونيا متاح حتى منتصف يونيو    «منتدى واشنطن»: انفصال ترامب وماسك سببه صراع خفي على «ناسا» والنفوذ    وزير الخارجية: نحرص على تقديم الدعم لنيجيريا في مكافحة الفكر المتطرف    المستوطنات.. مخطط إسرائيلى لإجهاض حلم الدولة الفلسطينية |تل أبيب.. توافق عام على مشروع «الاستيطان الاستراتيجى»    الحوثي: مستعدون لصفقة تبادل تشمل جميع الأسرى    زلزال جديد في اليونان منذ قليل بقوة 5.2    الأونروا: إسرائيل تحظر نقل الحقيقة من غزة    دمياط تحول مراكز الشباب إلى واحات فرح في عيد الأضحى    ريبيرو يكتب نهاية 3 لاعبين مع الأهلي ويعطي الضوء الأخضر لرحيلهم (تفاصيل)    تفاصيل جلسة اتحاد تنس الطاولة مع مدربي الأندية    رونالدو: أشعر بمودة تجاه ميسي.. شاركنا المسرح معا لمدة 15 عاما    تحرير 193 محضر تمويني وضبط لحوم مذبوحة خارج السلخانة بالمنوفية    إقبال كثيف على حدائق القناطر في ثاني أيام عيد الأضحى    نتيجة الصف السادس الابتدائي 2025 بالاسم ورقم الجلوس    الأحوال المدنية: استمرار عمل القوافل الخدمية المتنقلة بالمحافظات| صور    اندلاع حريق داخل كنيسة العذراء مريم بالأقصر.. والحماية المدنية تتدخل    شيرين تستعد لإحياء حفل في مهرجان موازين بالمغرب نهاية يونيو    بشرى تتألق بإطلالة صيفية أنيقة في أحدث جلسة تصوير لها| صور    سفير مصر الأسبق في إسرائيل: الاحتلال يدمر البنية التحتية لغزة    مها الصغير: رفضت فرصة للتمثيل أمام أحمد زكي.. وأستعد لإقامة معرض فني    رسميًا.. غلق المتحف المصري الكبير في هذا الموعد استعدادًا للافتتاح الرسمي    رئيس جامعة المنوفية: معهد الكبد القومي يخدم أهالي المحافظة والدول العربية    وكيل صحة المنوفية: التزام العاملين خلال العيد يعكس المسؤولية تجاه المرضى    متابعة للمستشفيات ضمن خطة التأمين الطبي بعيد الأضحى بشمال سيناء    البحيرة.. عيادة متنقلة أمام النادي الاجتماعي بدمنهور لتقديم خدماتها المجانية خلال العيد    عميد طب كفر الشيخ يتفقد أداء المستشفيات الجامعية خلال إجازة العيد    د.عصام الروبي يوضح معنى" الكوثر ومن هو الشانئ وما معنى الأبتر"    الزمالك يرفض معاقبة نبيل عماد دونجا بعد أحداث نهائي كأس مصر    لليوم الثانى على التوالى.. تواصل عمليات ذبح أضاحى الأوقاف بإشراف بيطرى متخصص    شهباز شريف: باكستان تسعى دائما إلى الحفاظ على السلام والأمن في المنطقة    الداخلية ترسم البهجة فى العيد.. رعاية شاملة للأيتام فى مشهد إنسانى مؤثر.. احتفالات وعروض وإنقاذ نهرى.. اشترت ملابس العيد وقدمت الهدايا للأطفال.. وتنفذ برامج المسئولية المجتمعية لتعزيز قيم الانتماء الوطنى.. صور    قاوم اللصوص فطعنه أحدهم.. تفاصيل مقتل موظف أمن في 15 مايو    الصين: تقدم كبير في مباحثات السيارات الكهربائية مع الاتحاد الأوروبي    وزير الري يتابع الموقف المائي خلال إجازة عيد الأضحى    السيسي يقود أحدث إنجازات الدولة في تطوير التعليم الجامعي    إصابة 8 أشخاص نتيجة انقلاب «ميكروباص» بطريق أسيوط- الفيوم الغربي    العيد أحلى بمراكز الشباب.. فعاليات احتفالية في ثاني أيام عيد الأضحى بالشرقية    دعاء يوم القر مستجاب للرزق والإنجاب والزواج.. ردده الآن    الطبطبة على الذات.. فن ترميم النفس بوعى    محمد الشناوي: كنا نتمنى حصد دوري أبطال إفريقيا للمرة الثالثة على التوالي    دار الإفتاء تكشف آخر موعد يجوز فيه ذبح الأضاحي    دوناروما: أداء إيطاليا لا يليق بجماهيرنا    محمد عبده يشيد ب " هاني فرحات" ويصفه ب "المايسترو المثقف "    أعمال فنية ل حلمي التوني ومقتنيات أخرى نادرة.. محمد سلماوي يستعرض كنوزه الفنية    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    بمشاركة 2000 صغير.. ختام فعاليات اليوم العالمي للطفل بإيبارشية المنيا    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رضا البهَّات يكشف حقائق الحياة ببساطة خادعة
نشر في نقطة ضوء يوم 08 - 10 - 2020

على الرغم من اقتراب القصة القصيرة في كثافتها ومجازيتها من عالم الشعر، فإنها تظلّ مشدودة إلى موضوعية السرد القصصي الذي يحاول الكاتب من خلاله تنحية الذات ومحاولة الرؤية الموضوعية للأشياء والشخصيات بحيث تبدو عينه أقرب إلى الكاميرا التي ترصد بما يشبه الحياد ما حولها. وهذا ما نلاحظه على مجموعة "حكايات شتوية " للكاتب المصري رضا البهَّات (1955) الصادرة حديثاً عن دار "بدائل" في القاهرة والفائزة بجائزة ساويرس في دورتها الماضية.
وعنوان المجموعة يحمله أحد سبعة أقسام تضمّها على النحو الآتي: "طقوس بشرية، تخوم المدينة، أسرية، يوم الزيارة، عنبر الأطفال، حكايات شتوية وعلى شاطئ البحر". ويضمّ كل قسم مجموعة من القصص تتراوح في أعدادها من قسم لآخر، فما هو المبرر الفني لمثل هذا التقسيم؟ يلاحَظ أن كل قسم يقوم على عنصر فني واحد، ف"طقوس بشرية" مثلاً يقوم على رسم نماذج بشرية متباينة. بينما يركّز "تخوم المدينة" و"على شاطئ البحر" على وحدة المكان. وقسم "أسرية" يتناول نماذج الابن والابنة والأب والجدة، ثم تتجلّى وحدة المكان في "يوم الزيارة" الذي تدور أحداث قصصه في أحد السجون. في حين يهتم قسم "حكايات شتوية" بعنصر الزمن، ما يعني أن المجموعة تقوم على التصميم وتنأى عَمَّا يسِم أغلب المجموعات القصصية من مجرد جمع نصوص متباينة. في قصة "ذاكرة القلم"، وهي القصة الثانية في المجموعة، يتناول الكاتب علاقته بالقلم الذي يصاحبه أينما سافر وبالكتابة التي تدفعه إلى يقظة الحواس وملاحظة "وجوه البشر وما فيها من أخوّة تسقط حواجز اللون والعقيدة واللغة والفارق الحضاري". فالكتابة في جوهرها، هي البحث عن كل ما هو إنساني أو البحث عن جوهر الإنسان الذي حجبه اختلاف اللون والعقيدة واللغة. لكن للكتابة ثمنها، فما كاد الكاتب يخطو من بوابة المرور في أحد المطارات "حتى انفجرت سارينة كسارينة الإسعاف وبلحظة أحاطه جنديان وضابط بأسلحة مُشهرة". وكان ذلك بسبب وجود هذا القلم المعدني معه. هذا القلم الذي أخرجه أحدهم قائلاً للكاتب: "خد بالك، هيسبّب لك المتاعب في كل حتّة تروحها".
شخصنة الهمّ العام
إن ميزة رضا البهَّات، الطبيب صاحب روايات "بشاير اليوسفي" و"ساعة رملية تعمل بالكهرباء" و"شمعة البحر"، تتمثَّل في قدرته على تحويل القضايا الكبرى إلى همّ شخصي أو ما يمكن أن نطلق عليه شخصنة الهمّ العام، في سياق جيل السبعينيات الذي يُعدُّ أحد أبرز أصواته في مصر. فقضية "جدوى الكتابة" التي شغلت تفكير النقاد، يقدمها الكاتب بهذا الأسلوب البسيط الذي هو أقرب إلى التورية في انقسام معناها إلى قريب تراوغ به وبعيد تقصده. واللافت – وهو ما يتوازى مع هذه الآلية – هو تقديمه للمقاومة الشعبية التي واجهت العدوان الثلاثي على مصر، بما لها من جلال وخطورة، من دون صوت عال بل من خلال لعب أطفال تم تحذيرهم من التقاط أي شيء مُلقى على الأرض خوفاً من أن يكون لغماً ألقته الطائرات المُغيرة، لكنهم وسط هذه الأشياء، يجدون شيئاً على هيئة "نصف قلب أحمر" وعندما يلمسونه بحذر، لا ينفجر فتزداد حماستهم في البحث عن الفلقة الأخرى، "وعن بقية الورود الزجاجية التي تحتفظ برائحة عطر شممناه جميعاً". ويبقى السؤال: لماذا اختار الكاتب شكل القلب ولماذا وصفه بالأحمر؟ وما معنى انشطاره وبحث الأطفال عن نصفه الثاني؟
هذه رموز لا تمرّ – كما عوَّدنا الكاتب – مجانياً، فهي حاملة لدلالات أعمق من ظاهرها، فقد يكون القلب هو قلب الجميع الذي انشطر بفعل العدوان الغاشم، وقد يكون قلب هؤلاء الأطفال الذين لم يسعدوا بطفولة آمنة وقد يوحي اللون الأحمر بالانتماء والتضحية. هكذا تتعدّد الدلالات من خلال هذه التيمات البسيطة. يتكرّر دال القلب في "انكسار آنية خزف" التي تتحدّث عن "كاميليا" الشابة الصغيرة المنفتحة على الحياة، وربما الخائفة منها، فهي "لا تتكلم، متكىء عودها كأميرة تشظّى وجهها بالبكاء". فهل كانت هذه الحالة هي سبب سقوط "الفازة الخزفية التي على هيئة قلب فوق البلاط" من بين يديها؟ هل هذا الحدث الاعتيادي كناية عن انكسار قلبها وتعلّقها بعاشقها الذي في علم الغيب.
لا يرغب الكاتب أبداً في تأطير دلالات النصوص. هناك دائماً شيء غامض ومفتوح على الاحتمالات كافة، فنحن مثلاً لا نعرف في قصة "الضيف ذو السن الفضية" حقيقة ذلك الضيف أو لماذا جاء إلى سرادق العزاء، ما نعرفه فقط هو ذلك التحوّل المفاجىء لصاحب العزاء، فبعدما كان يبكي ولا ينهض للقاء أحد، أصبح بعد انفراده بالضيف وحديثه معه "يدور على المعزين... ثم يلتفت كل حين ليعطي أوامره لبعض الشبان"، وأخيراً يقف ليلقي عظته، متحدثاً عن حكمة الخالق في الموت وعن ثواب الصابرين على الشدائد. كل ذلك من دون أن نعلم سرّ هذا التحوّل، إذ تتركنا القصة لتأويلاتها المختلفة. هذه المراوحة بين الحالات نجدها أيضاً على مستوى الرغبة، فتبدو الممانعة والمبالغة في الرفض أقرب إلى الرغبة الدفينة، كما يظهر في قصة "صورة" التي تحكي عن رؤية البعض لصورة فتاة شبه عارية وعلى الرغم من رفضهم الشديد لها، لم يجرؤ أحدٌ على تمزيقها، ما يعكس رغبة لا واعية في الاحتفاظ بها ورؤيتها، وهكذا "ظلّوا يتناوبون الرأي في ما ينبغي عمله"، من دون حسم للموقف على الرغم من بساطته.
توظيف الحكي الشفهي
إنّ الشخصيات التي يرسمها الكاتب ليست مسطَّحة أو أحادية بل معقّدة وتنطوي على الشيء ونقيضه، وغالباً ما يكون هذا الشيء الخفي هو الأكثر فاعلية وتوجيهاً لحركة الشخصية. كما وظّف الكاتب الحكي الشفهي الذي تتماهى معه الشخصية وكأنها تعبّر عن نفسها. ففي قصة "حدوتة للصغير"، تحكي البنت لابن أخيها حكاية الولد "الذي أحبَّ البنت وهي أحبته فهربا معاً"، ثم تتحوّل الحكاية إلى تعبير عن رغباتها المكبوتة في الحب والهروب به بعيداً من سلطة العائلة، إذ "ظلّت تحكي وتتلذّذ بطعم الكلمات". فاستدعاء هذه الحكاية ليس أمراً محايداً، فالكاتب ليس مشغولاً بالحكاية بل برسم الشخصية والكشف عن أعماقها، وآية ذلك أن البنت تستمر في الحكاية بعد فرار ابن أختها لأنها في الأساس تتحدث مع نفسها بما يشبه المونولوغ. وتحتلّ علاقة الرجال والنساء مساحة واسعة في هذه المجموعة، سواء كانت علاقة تنافر أو تجاذب.
في قصة "يوم الخبيز"، يصبح غناء النساء أثناء العمل تعبيراً عن الرغبة في الوصال، كأننا أمام طقس احتفالي يتداخل فيه الغناء ورائحة العجين وأصوات النساء الممسوسة بالفرحة، ثم يظهر الرجال قادمين، فتزداد حركة النساء نشوة مع خبطات الأكف. إنّ الإقبال على الحياة على الرغم من قسوتها تيمة متكرّرة عبَّر عنها الكاتب أيضاً في قصة "أشياء جديدة" من خلال استبدال ما هو جديد بما هو قديم، فتبدو بطلة القصة قادرة على صناعة البهجة من القليل الذي تملكه أو تحلم في امتلاكه. والغناء الذي أشرنا إليه من قبل، يفعل فعل السحر في تحويل "غضب الرجال" إلى سكينة وادعة وتحويل ضجيج الحارة إلى صفاء وهدوء لا نسمع فيه سوى أصوات إنسانية متعبة، "يهتكها السعال ويقطعها تقطيعاً. تخمش. إنما في لطف وإلف يشي براحة قلوب زايَلها الغضب". وفي قسم "تخوم المدينة"، تظهر تيمات الاغتراب والوحدة والمطاردة والأجساد المريضة. ففي قصة "نقش الخمسين"، يتجاور المرض والفرح والموت. فهناك شيء مفقود دائماً وفرحة غير مكتملة. في قصة "فانتازيا"، ينطلق الجواد خفيفاً، غير أن زلقة الحافر تظلّ مخبأة وغير متوقّعة، "زلقة واحدة لم تخطر بهذا الرأس الفتي الطائش الذي أسكرته عافيته وسحر المدينة".
إنّ سحر المدينة هنا أشبه بالندَّاهة التي أودت بالجواد، أو لنقل الإنسان إلى حتفه. هذا التجاور بين الموت والحياة نلاحظه أيضاً في قصة "يوم العيد"، فعلى الرغم من أن اليوم هو يوم فرح، فإنّ النساء ينفجرن في الصراخ بمجرد رؤية المقابر. وهي حالة تقف على النقيض من مشهد "الولد والبنت" اللذين ظلّا يلعقان السكر ويرنو أحدهما إلى الآخر بعيون صافية مبتسمة وكأننا أمام مقابلة بين الماضي الذي يمثّله الموتى، والمستقبل الذي يمثّله هذا المشهد الأخير.
وأخيراً، يمكن القول إنّ رضا البهَّات استطاع ببساطة خادعة أن يكشف لنا عن حقائق الحياة في صورها المتداخلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.