انطلاق قافلة دعوية كبرى من مسجد المرابعين بكفر الشيخ    الكشف على 3 آلاف مواطن ضمن بقافلة النقيب في الدقهلية    الكنيسة الكاثوليكية والروم الأرثوذكس تختتمان صوم العذراء    بميزانية 2.5 مليون جنيه.. افتتاح مسجد العبور بمدينة المنيا بعد تطويره    أزمة سد النهضة وحرب غزة تتصدران رسائل الرئيس السيسي الأسبوعية    محافظ أسيوط يتفقد محطة مياه البورة بعد أعمال الإحلال    محافظ الدقهلية يتفقد عمل المخابز في المنصورة وشربين    الإسماعيلية تواصل تطوير البنية التحتية للطرق لخدمة المواطنين    البورصة: ارتفاع محدود ل 4 مؤشرات و 371.2 مليار جنيه إجمالي قيمة التداول    مديرية الزراعة بسوهاج تتلقى طلبات المباني على الأرض الزراعية بدائرة المحافظة    تراجع معدل البطالة في مصر إلى 6.1% خلال الربع الثاني من 2025    السيسي يوافق على ربط موازنة هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة لعام 2025-2026    بالإنفوجراف.. طريقة التقديم على الإسكان البديل عن الإيجارات القديمة    قيادى فى حماس يعلق كلام بن غفير لمروان البرغوثى    وزير الخارجية يؤكد مواصلة تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبى    عودة أسود الأرض.. العلمين الجديدة وصلاح يزينان بوستر ليفربول بافتتاح بريميرليج    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات المفاجئة في باكستان والهند إلى أكثر من 200 قتيل    ترامب يؤيد دخول الصحفيين إلى قطاع غزة    المتحدث العسري باسم القوات المسلحة يكشف الجهود المصرية في إدخال المساعدات إلى غزة    مالي تعلن إحباط محاولة انقلاب وتوقيف متورطين بينهم مواطن فرنسي    انطلاق معسكر فيفا بمشاركة 35 محكمة    الزمالك يمنح محمد السيد مهلة أخيرة لحسم ملف تجديد تعاقده    فليك يثق في قدرة برشلونة على تسجيل صفقاته الجديدة قبل مواجهة مايوركا    ميلان يتعاقد مع نجم يونغ بويز    مصرع طفل غرقًا في ترعة بقنا    بينهم مونلي وشاكر وياسمين.. أبرز قرارات النيابة بشأن البلوجرز خلال أسبوع    بتحذير وبشرى سارة.. "الأرصاد" توضح طقس الساعات المقبلة    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالفيوم    تجاوزت ال 49 درجة ..الأقصر تسجل أعلى درجات الحرارة ومنع البالون الطائر    مهرجان القاهرة الثالث للطفل العربي يختار صلاح جاهين شخصية العام    سلاف فواخرجي تشيد ببيان فناني مصر ضد التصريحات بشأن ما يسمى إسرائيل الكبرى    قصف مكثف على غزة وخان يونس وعمليات نزوح متواصلة    الصور الاولى من كواليس فيلم سفاح التجمع ل أحمد الفيشاوي    117 مليون مشاهدة وتوب 7 على "يوتيوب"..نجاح كبير ل "ملكة جمال الكون"    رانيا فريد شوقي تحتفل بعيد ميلاد الفنانة هدى سلطان    تضم 17 مؤشرًا، الصحة تطلق منظومة متطورة لقياس الأداء وتعزيز جودة الخدمات    نائب وزير الصحة يتفقد المنشآت الطبية بمحافظة المنيا ويحدد مهلة 45 يوما لمعالجة السلبيا    الإدارية العليا: إستقبلنا 10 طعون على نتائج انتخابات مجلس الشيوخ    ضبط مخزن كتب دراسية بدون ترخيص في القاهرة    الكوكي: طوينا صفحة الطلائع.. ونحذر من الاسترخاء بعد الانتصارات    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 15 أغسطس 2025 والقنوات الناقلة.. الأهلي ضد فاركو    شريف العريان: نسير بخطوات ثابتة نحو قمة العالم استعدادًا لأولمبياد 2028    نجاح جراحة دقيقة لطفلة تعاني من العظام الزجاجية وكسر بالفخذ بسوهاج    ياسر ريان: لا بد من احتواء غضب الشناوي ويجب على ريبييرو أن لا يخسر اللاعب    8 قرارات جمهورية مهمة وتكليفات حاسمة من السيسي للحكومة وكبار رجال الدولة    فوائد البصل، يحارب العدوى والسرطان والفيروسات والشيخوخة    «الصبر والمثابرة».. مفتاح تحقيق الأحلام وتجاوز العقبات    سلطة المانجو والأفوكادو بصوص الليمون.. مزيج صيفي منعش وصحي    ضربات أمنية نوعية تسقط بؤرًا إجرامية كبرى.. مصرع عنصرين شديدي الخطورة وضبط مخدرات وأسلحة ب110 ملايين جنيه    رئيس الأوبرا: نقل فعاليات مهرجان القلعة تليفزيونيا يبرز مكانته كأحد أهم المحافل الدولية    الدكتور عبد الحليم قنديل يكتب عن : المقاومة وراء الاعتراف بدولة فلسطين    قلبى على ولدى انفطر.. القبض على شاب لاتهامه بقتل والده فى قنا    أجمل رسائل تهنئة المولد النبوي الشريف مكتوبة    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين.. «إجازه مولد النبي كام يوم؟»    نفحات يوم الجمعة.. الأفضل الأدعية المستحبة في يوم الجمعة لمغفرة الذنوب    د.حماد عبدالله يكتب: الضرب فى الميت حرام !!    ما هو حكم سماع سورة الكهف من الهاتف يوم الجمعة.. وهل له نفس أجر قراءتها؟ أمين الفتوى يجيب    بدرية طلبة تتصدر تريند جوجل بعد اعتذار علني وتحويلها للتحقيق من قِبل نقابة المهن التمثيلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رضا البهَّات يكشف حقائق الحياة ببساطة خادعة
نشر في نقطة ضوء يوم 08 - 10 - 2020

على الرغم من اقتراب القصة القصيرة في كثافتها ومجازيتها من عالم الشعر، فإنها تظلّ مشدودة إلى موضوعية السرد القصصي الذي يحاول الكاتب من خلاله تنحية الذات ومحاولة الرؤية الموضوعية للأشياء والشخصيات بحيث تبدو عينه أقرب إلى الكاميرا التي ترصد بما يشبه الحياد ما حولها. وهذا ما نلاحظه على مجموعة "حكايات شتوية " للكاتب المصري رضا البهَّات (1955) الصادرة حديثاً عن دار "بدائل" في القاهرة والفائزة بجائزة ساويرس في دورتها الماضية.
وعنوان المجموعة يحمله أحد سبعة أقسام تضمّها على النحو الآتي: "طقوس بشرية، تخوم المدينة، أسرية، يوم الزيارة، عنبر الأطفال، حكايات شتوية وعلى شاطئ البحر". ويضمّ كل قسم مجموعة من القصص تتراوح في أعدادها من قسم لآخر، فما هو المبرر الفني لمثل هذا التقسيم؟ يلاحَظ أن كل قسم يقوم على عنصر فني واحد، ف"طقوس بشرية" مثلاً يقوم على رسم نماذج بشرية متباينة. بينما يركّز "تخوم المدينة" و"على شاطئ البحر" على وحدة المكان. وقسم "أسرية" يتناول نماذج الابن والابنة والأب والجدة، ثم تتجلّى وحدة المكان في "يوم الزيارة" الذي تدور أحداث قصصه في أحد السجون. في حين يهتم قسم "حكايات شتوية" بعنصر الزمن، ما يعني أن المجموعة تقوم على التصميم وتنأى عَمَّا يسِم أغلب المجموعات القصصية من مجرد جمع نصوص متباينة. في قصة "ذاكرة القلم"، وهي القصة الثانية في المجموعة، يتناول الكاتب علاقته بالقلم الذي يصاحبه أينما سافر وبالكتابة التي تدفعه إلى يقظة الحواس وملاحظة "وجوه البشر وما فيها من أخوّة تسقط حواجز اللون والعقيدة واللغة والفارق الحضاري". فالكتابة في جوهرها، هي البحث عن كل ما هو إنساني أو البحث عن جوهر الإنسان الذي حجبه اختلاف اللون والعقيدة واللغة. لكن للكتابة ثمنها، فما كاد الكاتب يخطو من بوابة المرور في أحد المطارات "حتى انفجرت سارينة كسارينة الإسعاف وبلحظة أحاطه جنديان وضابط بأسلحة مُشهرة". وكان ذلك بسبب وجود هذا القلم المعدني معه. هذا القلم الذي أخرجه أحدهم قائلاً للكاتب: "خد بالك، هيسبّب لك المتاعب في كل حتّة تروحها".
شخصنة الهمّ العام
إن ميزة رضا البهَّات، الطبيب صاحب روايات "بشاير اليوسفي" و"ساعة رملية تعمل بالكهرباء" و"شمعة البحر"، تتمثَّل في قدرته على تحويل القضايا الكبرى إلى همّ شخصي أو ما يمكن أن نطلق عليه شخصنة الهمّ العام، في سياق جيل السبعينيات الذي يُعدُّ أحد أبرز أصواته في مصر. فقضية "جدوى الكتابة" التي شغلت تفكير النقاد، يقدمها الكاتب بهذا الأسلوب البسيط الذي هو أقرب إلى التورية في انقسام معناها إلى قريب تراوغ به وبعيد تقصده. واللافت – وهو ما يتوازى مع هذه الآلية – هو تقديمه للمقاومة الشعبية التي واجهت العدوان الثلاثي على مصر، بما لها من جلال وخطورة، من دون صوت عال بل من خلال لعب أطفال تم تحذيرهم من التقاط أي شيء مُلقى على الأرض خوفاً من أن يكون لغماً ألقته الطائرات المُغيرة، لكنهم وسط هذه الأشياء، يجدون شيئاً على هيئة "نصف قلب أحمر" وعندما يلمسونه بحذر، لا ينفجر فتزداد حماستهم في البحث عن الفلقة الأخرى، "وعن بقية الورود الزجاجية التي تحتفظ برائحة عطر شممناه جميعاً". ويبقى السؤال: لماذا اختار الكاتب شكل القلب ولماذا وصفه بالأحمر؟ وما معنى انشطاره وبحث الأطفال عن نصفه الثاني؟
هذه رموز لا تمرّ – كما عوَّدنا الكاتب – مجانياً، فهي حاملة لدلالات أعمق من ظاهرها، فقد يكون القلب هو قلب الجميع الذي انشطر بفعل العدوان الغاشم، وقد يكون قلب هؤلاء الأطفال الذين لم يسعدوا بطفولة آمنة وقد يوحي اللون الأحمر بالانتماء والتضحية. هكذا تتعدّد الدلالات من خلال هذه التيمات البسيطة. يتكرّر دال القلب في "انكسار آنية خزف" التي تتحدّث عن "كاميليا" الشابة الصغيرة المنفتحة على الحياة، وربما الخائفة منها، فهي "لا تتكلم، متكىء عودها كأميرة تشظّى وجهها بالبكاء". فهل كانت هذه الحالة هي سبب سقوط "الفازة الخزفية التي على هيئة قلب فوق البلاط" من بين يديها؟ هل هذا الحدث الاعتيادي كناية عن انكسار قلبها وتعلّقها بعاشقها الذي في علم الغيب.
لا يرغب الكاتب أبداً في تأطير دلالات النصوص. هناك دائماً شيء غامض ومفتوح على الاحتمالات كافة، فنحن مثلاً لا نعرف في قصة "الضيف ذو السن الفضية" حقيقة ذلك الضيف أو لماذا جاء إلى سرادق العزاء، ما نعرفه فقط هو ذلك التحوّل المفاجىء لصاحب العزاء، فبعدما كان يبكي ولا ينهض للقاء أحد، أصبح بعد انفراده بالضيف وحديثه معه "يدور على المعزين... ثم يلتفت كل حين ليعطي أوامره لبعض الشبان"، وأخيراً يقف ليلقي عظته، متحدثاً عن حكمة الخالق في الموت وعن ثواب الصابرين على الشدائد. كل ذلك من دون أن نعلم سرّ هذا التحوّل، إذ تتركنا القصة لتأويلاتها المختلفة. هذه المراوحة بين الحالات نجدها أيضاً على مستوى الرغبة، فتبدو الممانعة والمبالغة في الرفض أقرب إلى الرغبة الدفينة، كما يظهر في قصة "صورة" التي تحكي عن رؤية البعض لصورة فتاة شبه عارية وعلى الرغم من رفضهم الشديد لها، لم يجرؤ أحدٌ على تمزيقها، ما يعكس رغبة لا واعية في الاحتفاظ بها ورؤيتها، وهكذا "ظلّوا يتناوبون الرأي في ما ينبغي عمله"، من دون حسم للموقف على الرغم من بساطته.
توظيف الحكي الشفهي
إنّ الشخصيات التي يرسمها الكاتب ليست مسطَّحة أو أحادية بل معقّدة وتنطوي على الشيء ونقيضه، وغالباً ما يكون هذا الشيء الخفي هو الأكثر فاعلية وتوجيهاً لحركة الشخصية. كما وظّف الكاتب الحكي الشفهي الذي تتماهى معه الشخصية وكأنها تعبّر عن نفسها. ففي قصة "حدوتة للصغير"، تحكي البنت لابن أخيها حكاية الولد "الذي أحبَّ البنت وهي أحبته فهربا معاً"، ثم تتحوّل الحكاية إلى تعبير عن رغباتها المكبوتة في الحب والهروب به بعيداً من سلطة العائلة، إذ "ظلّت تحكي وتتلذّذ بطعم الكلمات". فاستدعاء هذه الحكاية ليس أمراً محايداً، فالكاتب ليس مشغولاً بالحكاية بل برسم الشخصية والكشف عن أعماقها، وآية ذلك أن البنت تستمر في الحكاية بعد فرار ابن أختها لأنها في الأساس تتحدث مع نفسها بما يشبه المونولوغ. وتحتلّ علاقة الرجال والنساء مساحة واسعة في هذه المجموعة، سواء كانت علاقة تنافر أو تجاذب.
في قصة "يوم الخبيز"، يصبح غناء النساء أثناء العمل تعبيراً عن الرغبة في الوصال، كأننا أمام طقس احتفالي يتداخل فيه الغناء ورائحة العجين وأصوات النساء الممسوسة بالفرحة، ثم يظهر الرجال قادمين، فتزداد حركة النساء نشوة مع خبطات الأكف. إنّ الإقبال على الحياة على الرغم من قسوتها تيمة متكرّرة عبَّر عنها الكاتب أيضاً في قصة "أشياء جديدة" من خلال استبدال ما هو جديد بما هو قديم، فتبدو بطلة القصة قادرة على صناعة البهجة من القليل الذي تملكه أو تحلم في امتلاكه. والغناء الذي أشرنا إليه من قبل، يفعل فعل السحر في تحويل "غضب الرجال" إلى سكينة وادعة وتحويل ضجيج الحارة إلى صفاء وهدوء لا نسمع فيه سوى أصوات إنسانية متعبة، "يهتكها السعال ويقطعها تقطيعاً. تخمش. إنما في لطف وإلف يشي براحة قلوب زايَلها الغضب". وفي قسم "تخوم المدينة"، تظهر تيمات الاغتراب والوحدة والمطاردة والأجساد المريضة. ففي قصة "نقش الخمسين"، يتجاور المرض والفرح والموت. فهناك شيء مفقود دائماً وفرحة غير مكتملة. في قصة "فانتازيا"، ينطلق الجواد خفيفاً، غير أن زلقة الحافر تظلّ مخبأة وغير متوقّعة، "زلقة واحدة لم تخطر بهذا الرأس الفتي الطائش الذي أسكرته عافيته وسحر المدينة".
إنّ سحر المدينة هنا أشبه بالندَّاهة التي أودت بالجواد، أو لنقل الإنسان إلى حتفه. هذا التجاور بين الموت والحياة نلاحظه أيضاً في قصة "يوم العيد"، فعلى الرغم من أن اليوم هو يوم فرح، فإنّ النساء ينفجرن في الصراخ بمجرد رؤية المقابر. وهي حالة تقف على النقيض من مشهد "الولد والبنت" اللذين ظلّا يلعقان السكر ويرنو أحدهما إلى الآخر بعيون صافية مبتسمة وكأننا أمام مقابلة بين الماضي الذي يمثّله الموتى، والمستقبل الذي يمثّله هذا المشهد الأخير.
وأخيراً، يمكن القول إنّ رضا البهَّات استطاع ببساطة خادعة أن يكشف لنا عن حقائق الحياة في صورها المتداخلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.