«التخطيط» تعلن خطة المواطن الاستثمارية لمحافظة الإسماعيلية للعام 2023/24    تشكيل تشيلسي لمواجهة وست هام في الدوري الإنجليزي    نفوق 12 رأس ماشية في حريق حظيرة مواشي بأسيوط    هل يجوز أداء الحج عن الشخص المريض؟.. دار الإفتاء تجيب    تقرير: ميناء أكتوبر يسهل حركة الواردات والصادرات بين الموانئ البرية والبحرية في مصر    التخطيط: 6.5 مليار جنيه استثمارات عامة بمحافظة الإسماعيلية خلال العام المالي الجاري    «الزراعة» تواصل فحص عينات بطاطس التصدير خلال إجازة عيد العمال وشم النسيم    نتنياهو: إسرائيل لن تقبل مطالب حماس بإنهاء الحرب وسحب القوات من غزة    قوات روسية تسيطر على بلدة أوتشيريتينو شرقي أوكرانيا    ندوتان لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية بمنشآت أسوان    حمدي فتحي: استحقينا التتويج بكأس قطر.. وسنضع الوكرة في مكانة أكبر    موعد مباراة الأهلي والهلال في الدوري السعودي.. المعلق والقنوات الناقلة    موعد عودة الدراسة بالجامعات والمعاهد بعد عيد القيامة واحتفالات شم النسيم 2024    قبل ساعات من انطلاقها.. ضوابط امتحانات الترم الثاني لصفوف النقل 2024    بعد إثارتها الجدل.. لماذا تبكي شيرين عبدالوهاب في الكويت؟    هيئة المواني البرية: ميناء أكتوبر الجاف طفرة في منظومة النقل واللوجستيات    5 مستشفيات حكومية للشراكة مع القطاع الخاص.. لماذا الجدل؟    اعرف حظك وتوقعات الأبراج الاثنين 6-5-2024، أبراج الحوت والدلو والجدي    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بقرية ميت كنانة بطوخ    قاضٍ مصرى: نتنياهو يستخدم الدين لمحو فلسطين ويدمر 215 مسجدًا وكنيسة    الصحة الفلسطينية: الاحتلال ارتكب 3 مج.ازر في غزة راح ضحيتها 29 شهيدا    حكومة نتنياهو تقرر وقف عمل شبكة الجزيرة في إسرائيل    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    «شباب المصريين بالخارج» مهنئًا الأقباط: سنظل نسيجًا واحدًا صامدًا في وجه أعداء الوطن    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    وزير الرياضة يتفقد منتدى شباب الطور    ميسي وسواريز يكتبان التاريخ مع إنتر ميامي بفوز كاسح    اتحاد الكرة يلجأ لفيفا لحسم أزمة الشيبي والشحات .. اعرف التفاصيل    التنمية المحلية: استرداد 707 آلاف متر مربع ضمن موجة إزالة التعديات بالمحافظات    وزير الإسكان: قطاع التخطيط يُعد حجر الزاوية لإقامة المشروعات وتحديد برامج التنمية بالمدن الجديدة    في إجازة شم النسيم.. مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة بالغربية    أمن جنوب سيناء ينظم حملة للتبرع بالدم    طوارئ بمستشفيات بنها الجامعية في عيد القيامة وشم النسيم    بين القبيلة والدولة الوطنية    بالصور.. صقر والدح يقدمان التهنئة لأقباط السويس    ماري منيب تلون البيض وحسن فايق يأكله|شاهد احتفال نجوم زمن الفن الجميل بشم النسيم    أنغام تُحيي حفلاً غنائيًا في دبي اليوم الأحد    بعد انفصال شقيقه عن هنا الزاهد.. كريم فهمي: «أنا وزوجتي مش السبب»    بالتزامن مع ذكرى وفاته.. محطات في حياة الطبلاوي    جناح مصر بمعرض أبو ظبي يناقش مصير الصحافة في ظل تحديات العالم الرقمي    الليلة.. أمسية " زيارة إلى قاهرة نجيب محفوظ.. بين الروائي والتسجيلي" بمركز الإبداع    وفد أمني إسرائيلي يعتزم الاجتماع مع إدارة بايدن لمناقشة عملية رفح    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    دعاء تثبيت الحمل وحفظ الجنين .. لكل حامل ردديه يجبر الله بخاطرك    استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين في غارة إسرائيلية على بلدة ميس الجبل جنوب لبنان    إعلام عبري: حالة الجندي الإسرائيلي المصاب في طولكرم خطرة للغاية    صحة مطروح تطلق قافلة طبية مجانية بمنطقة أولاد مرعي والنصر لمدة يومين    لتجنب التسمم.. نصائح مهمة عند تناول الرنجة والفسيخ    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بقرية ميت كنانة في طوخ    الأهلي يجدد عقد حارسه بعد نهائي أفريقيا    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    السيطرة على حريق شقة سكنية في منطقة أوسيم    ضبط دهون لحوم بلدية غير صالحة للاستهلاك الآدمي في البحيرة    المديريات تحدد حالات وضوابط الاعتذار عن المشاركة في امتحانات الشهادة الإعدادية    «التعليم»: المراجعات النهائية ل الإعدادية والثانوية تشهد إقبالا كبيرًا.. ومفاجآت «ليلة الامتحان»    مختار مختار: عودة متولي تمثل إضافة قوية للأهلي    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما تعتمد الكتابة الجديدة فن السرقة عبر الكولاج
نشر في نقطة ضوء يوم 12 - 07 - 2020

تذويب المعاني، محاولة إخفاء معالمها مجازاً، ثم إعادة تشكيلها بسهولة، تحديدها، نسخها اختزالها إلى جمل وفقرات عائمة، تجهيل المصدر، نسبها إلى شخص آخر، إلى صفحات أخرى، لعبة تآكل للأصل تفرضها شبكات التواصل الاجتماعي، ولا ينتمي هذا بالطبع إلى فن الكولاج المحدد تعريفه بأنه "تكنيك فني يقوم على تجميع أشكال مختلفة لتكوين عمل فني جديد"، هنا ليس ثمة عمل فني جديد يتشكل، بل عملية تعمية تتداخل فيها الحقائق والتمويهات، ولا يُمكن الكشف عنها بسهولة.
وإذا كانت الحياة الاجتماعية أصبحت في جزء كبير منها حياة إلكترونية، وهذا ليس خياراً بل ضرورة ملحة عند كثير من البشر، فإن الحياة الإبداعية أيضاً تنتظم بشكل ما داخل وسائل التواصل التي أصبحت صلة أساسية لِإطلالة المبدعين على العالم، يراقبون من خلالها ما يحدث حولهم، ويخضعون للمراقبة في الوقت ذاته.
ساهمت الحياة الإلكترونية - الإبداعية، في تكريس حالة من تسيّل المعاني والأفكار والآراء واستباحتها. في مستوى مصغر لا يمكن رصد كم الأفكار المنسوخة من بعضها، حيث لا يمكن معرفة أو اكتشاف القائل الأول إلا عبر تكريس وقت كاف لترصد وتتبع حركة المحاكاة والاستنساخ الحادثة تباعاً بشكل عفوي ربما في بداية الأمر، ثم عن قصد لاحقاً.
اختار العديد من المبدعين الابتعاد عن منصات التواصل تماماً، رفضوا التواجد عليها أو إنشاء صفحات خاصة، رافضين ما يمكنها أن تمنحهم من حضور جيد وسط جمهور يبحث عن كاتبه المفضل، معتبرين أن كل ما يحدث من حضور افتراضي غير مجدٍ في مقابل عزلة حقيقية لصالح القراءة أو الكتابة، أو الانغماس في اهتمامات بعيدة من الإبداع.
شرفة وشارع مزدحم
فئة أخرى رأت أن الإطلالات الافتراضية لا تقل جدية عن الوقوف على شرفة تُطل على شارع مزدحم، حيث لا يمكن للمرء أن يتفوّه بكل ما يخطر بباله لأنه مرئي ومسموع من المارة والعابرين، وإن كان محمياً ببعد المسافة عنهم، إلا أنه لن يكون محمياً من رشقات سكاكينهم الافتراضية، لذا تعامل هؤلاء بحذر وانتباه مع كل ما يقولونه ويفعلونه على هذه الشبكات، الغاية محددة هنا إنها تواصل ضيّق في حدود عملية لنشر رابط ما، أو للتعليق على منشور يرونه مهماً، أو للتواصل المهني والإبداعي بشكل تلغرافي ومقتضب، هذه الفئة الثانية لن نجد لها حضوراً فعالاً ويومياً، ولا مشاركات باليوميات والتفاصيل الحياتية والشخصية، إنها مجموعة اختارت النأي عن المهاترات المحتملة والتضحية بالمزايا الانتشارية والإعلامية، وفي الوقت نفسه عدم الانفصال تماماً عن الواقع الجديد الذي فرض نفسه على الحياة الإبداعية.
الفئة الثالثة الأكثر حداثة واندماجاً وتقبلاً لتغيرات الواقع والعوالم الافتراضية، وقبولاً للمزايا والعواقب، بدت أكثر تفاعلاً وإسهاماً في الحضور والمشاركة اللحظية لكل أحداث الحياة، تحديث صفحاتهم الشخصية مرات في اليوم ومتابعة صفحات الآخرين والتعليق عليها والتفاعل معها، واستبدال المعارك الأدبية التي كانت تحدث على الصفحات الثقافية في الجرائد والمجلات، وفي المقاهي سابقاً، بالتعارك إلكترونياً، وحدوث كل ما يمكن حدوثه في الواقع من نقاش حيوي وعميق، أو تبادل صيحات وشتائم وتنغيصات وغمز ولمز، يتم التعبير عنه بالكلام أو بالوجوه التعبيرية (الإيموجي) التي تفي إلى حد ما بالمراد قوله.
إن هذه التصنيفات، لا يمكن حصرها ضمن هذه الأنواع فقط، إذ ثمة فئات أخرى تكتفي بصفحات شرفية من دون مشاركات، أو بالمتابعة من وقت إلى آخر، أو بالمشاركة لوقت ثم إغلاق الصفحة بحسب الحاجة.
التنكيل، التنمر، هجوم الجيوش الإلكترونية، وارد حدوثه بالطبع عند خلافات الرأي الحادة، وليس من شرطٍ لحدوث ذلك وقوع أذى مباشر على الأشخاص، بقدر ما يرتبط الأمر برغبة في بث الغضب الساطع إلى من يُعتبر مجسداً لفكرة متنازع عليها بين طرفين، بخاصة في حال وجود جدل سياسي أو فكري أو ديني حول قضية ما، يكفي كتابة بوست شائك يطرح قضية مثيرة للجدل وسوف تتحول تلك الصفحة إلى أرض معركة حقيقية، من المؤيدين والخصوم للمشارك الذي طرح الفكرة.
عالم الاجتماع البولندي زيغمونت باومان يرى في عالم الإنترنت أننا نحيا ضمن "السجون الرأسمالية المفتوحة" التي نمضي داخلها كمستهلكين ومتفرجين في آن واحد، لكنهم يحظون بالمتعة والترفيه.
كولاج عابث
انطلاقاً من هذا الترفيه تبدو فكرة الكولاج الافتراضي العابث، من نسوخ غير مكتشفة تحدث كل يوم في ظل انعدام الموهبة عند البعض، أو وجود رغبة في اللعب والعبث، عند البعض الآخر، أو التأكيد بسخرية على امتزاج المعاني وضياعها في برميل كبير الحجم يستحيل على المرء رصد كل الأشياء المتناهية الصغر الموجودة فيه، مما يدل على أنه ليس ثمة رقيب، ولا مُنصف لما يمكن أن يقع، فالسطو على فكرة، جملة، عبارة، قصيدة، نص، من الصعب أن يحول دون حدوثه في هذا الفضاء الشاسع،و لا يوجد من حامٍ إلا الحس الأخلاقي الداخلي للأفراد، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل من الممكن أن يحدث ويستمر لزمن من دون أن يلاحظه أحد، أو يتنبه إلى أن إحدى الصفحات يتطابق محتواها مع صفحة أخرى لكاتب ما، هنا تبدأ عملية التقصي التي تنتهي بكشوف مُحبطة، تنطوي على خيبة أمل وتساؤلات عن الأخطار التي يُمكن أن تحيط بتفاصيل الحياة ككل من جانب الحرية والخصوصية المجروحة، التي تُستباح بشكل أو آخر، وتترك مجالاً للسطو على الأفكار والمعلومات. إنها العواقب التي لا يمكن تجنبها للتكنولوجيا.
في كثير من الأحيان تتم إضافة أسماء مجهولة إلى حسابات التواصل الإلكترونية، يتم قبولهم بناء على وجود قائمة من الأصدقاء المشتركين، ثم يتبين في ما بعد أنها شخصيات لا وجود لها، هذا لا يعني أنها تنتمي إلى عالم الأشباح أو الكائنات الفضائية، بل إنها شخصيات مفترضة ينحصر وجودها في أسماء وصفحات وهمية، تكون الغاية من وجودها أغراضاً تقع ضمن إطار التخفي، التلصّص، ومراقبة الغير من خلف حجاب، وفي بعض الحالات تحظى هذه الصفحات باعتراف أدبي وتتمكن من تأسيس مجموعات وصفحات إعجاب، وهذا هو المفجع، وجود كيانات لأسماء لا هوية لها، يتم قبولها وعرضها في الرف الإبداعي كعناصر فاعلة.
لقد ساعدت وسائل التواصل الكاتب الأعزل على الخروج من محليته، تخطيها والوصول إلى البلد والمكان الذي يريد الوصول إليهما، لكنها في الوقت نفسه جعلته يدفع ثمن فاتورة المسافات من الوقت والجهد والتفاني المخلص للوجود الإلكتروني، والتسليم باحتمالية حصول التعقب، والرصد والفرز، والاستهداف من مجهولين عبر الثقوب التكنولوجية. لن أتحدث هنا عن إدمان النظر إلى صفحة فيسبوك أو متابعة تغريدات تويتر ومنشورات انستغرام وتضارب كل هذا مع فكرة الكمون والإبداع، بل ما يحضر بجلاء هو المراعاة الفعلية للأعراف الافتراضية المتفق عليها ضمناً والرغبة في الحضور خوفاً من النسيان والتلاشي من ذاكرة الآخرين، ليصير الحال تناصاً مع العبارة الديكارتية فتكون أنا أكتب "بوست" إذن أنا موجود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.