بعد ملاحظات الرئيس.. النواب يؤجل تطبيق قانون الإجراءات الجنائية إلى 2026    طلاب صيدلة بني سويف يزورون مستشفى 57357 ويدعمون الأطفال    المعينين بمجلس الشيوخ يتسلموا كارنيهات العضوية    وزير الري يلتقي مدير عام المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة    سفيرة الاتحاد الأوروبي: مصر شريك أساسي في رؤية مشتركة للتنمية والاستقرار    المنتدى السعودي للإعلام يشارك في معرض MIPCOM 2025    مدبولي يستعرض خطة طرح 261 ألف وحدة سكنية جديدة    أخبار مصر: افتتاح مهرجان الجونة السينمائي، قفزة للذهب، سرقة جواز سفر حصان السقا، عبد القادر يصدم الأهلي، إعلان هام ل ترامب    السفير البريطاني: إعادة إعمار غزة خطوة على طريق السلام    الأهلي يطير اليوم إلى بروندي استعدادا لمواجهة إيجل نوار بدوري الأبطال    حالة الطرق اليوم، اختناقات مرورية بالقاهرة الكبرى أبرزها صلاح سالم ومحور صفط    ضبط قضايا إتجار غير مشروع بالنقد الأجنبي بقيمة 8 ملايين جنيه    التجهيزات النهائية لمسرح النافورة استعدادا لانطلاق فعاليات مهرجان الموسيقى العربية ال33    منها إبعاد «خالد أزريق» خارج البلاد.. الجريدة الرسمية تنشر قرارين جديدين لوزارة الداخلية    البورصة تتعاقد مع شركة إعلامية للترويج للقيد والاستثمار في الأسهم    الهلال الأحمر المصري يدفع ب10 آلاف طن مساعدات إغاثية عبر قافلة «زاد العزة»    البورصة المصرية تستهل نهاية تعاملات الأسبوع بارتفاع جماعي    سعد شلبي يكشف كواليس استعدادات الأهلي للانتخابات    الأهلي: لا ديون على النادي وجميع أقساط الأراضي تم سدادها.. والرعاية ستكون بالدولار    حقيقة رغبة توروب في رحيل بعض لاعبي الأهلي    وزير العمل: المشروعات العملاقة في مصر أدت إلى تراجع البطالة من 13% في 2014 إلى 6.1 % الآن    وزير الاستثمار يعقد مائدة مستديرة مع شركة الاستشارات الدولية McLarty Associates وكبار المستثمرين الأمريكين    المؤبد لفران وصاحب مغسلة بتهمة حيازة وترويج المخدرات بالقليوبية    السيطرة على حريق داخل مزرعة دواجن بالفيوم دون إصابات    إحالة مسؤولين في المرج والسلام إلى النيابة العامة والإدارية    مهرجان البحر الأحمر يكشف قائمة الأفلام القصيرة الدولية المشاركة في دورته الخامسة    ظهورها أثار الجدل.. من هى الفنانة عزة سعيد؟    «التعاون الصحي وصناعة الدواء».. قضايا هامة على طاولة وزيرا الصحة المصري والسعودي    الصحة: فحص 19.5 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    الأولى من نوعها.. جامعة أسيوط تنجح في أول جراحة باستخدام مضخة "الباكلوفين" لعلاج التيبس الحاد بالأطراف    صدر الآن| قرار جمهوري من الرئيس السيسي والجريدة الرسمية تنشره    حصاد زيارة الشرع لروسيا.. ومصير الأسد في يد بوتين    جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 24 فلسطينيا في الضفة    حلقات ذكر ومديح وانشاد في الليلة الختامية لمولد "السيد البدوي" بمدينة طنطا    بعد توقف 7 سنوات.. انطلاق الدورة الرابعة من معرض الأقصر للكتاب    مجلس الوزراء يكشف اللمسات الأخيرة قبل افتتاح المتحف المصري الكبير    الصور الأولى من تحضيرات غادة عبد الرازق لمسلسل "عاليا" مع محمد رياض وصبري فواز    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 16اكتوبر 2025 فى محافظة المنيا    شوقي علام: سأنضم للجنة الشئون الدينية بالشيوخ لمواصلة الجهد الوطني في مجال الدعوة    «رجال يد الأهلي» يتحفز لتخطي «البوليس الرواندي» في بطولة أفريقيا    ضبط 2 طن دقيق مدعم قبل تهريبه وبيعه في السوق السوداء بالعريش    ضبط شخصين بتهمة استخدام أحد التطبيقات الهاتفية للترويج لممارسة أعمال الفجور بالجيزة    الصحة تنصح بتلقي لقاح الإنفلونزا سنويًا    التحالف الوطني يستعد لإطلاق قافلة دعم غزة 12 لدعم الأشقاء في فلسطين    شبكة بريطانية تحذر منتخبات كأس العالم 2026 من ثنائية محمد صلاح ومرموش    سياسي ألماني: نزع سلاح حماس شرط أساسي لتحقيق السلام في غزة    أغذية الشتاء الذهبية.. 10 أطعمة تمنحك الطاقة والمناعة والدفء    كوريا الجنوبية.. عودة خدمة "يوتيوب" للعمل بشكل طبيعي بعد انقطاع مؤقت    امتداد لتاريخ من الحضور الوطني تحت القبة.. وجوه سياسية وفنية وإعلامية ضمن المعيّنين ب«الشيوخ»    دوري المحترفين.. «وي» يواجه الترسانة في الجولة التاسعة    ننشر أسماء مرشحي انتخابات النواب 2025 بالفيوم بعد غلق باب الترشح    مشكلة الميراث    بعض المهام المتأخرة تراكمت عليك.. حظ برج الدلو اليوم 16 أكتوبر    أسعار التذاكر بعد حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    أوسكار يجتمع مع حكام تقنية الفيديو بعد عودته من تشيلي    أحمد الجندي: هدفي ذهبية أولمبياد لوس أنجلوس.. وظروف طارئة منعتني من التواجد بقائمة أسامة أبوزيد في نادي الشمس    .. ورضي الله عن أعمال الصالحين الطيبين لاغير    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"معطف" غوغول وتمرد الإنسان المقهور
نشر في نقطة ضوء يوم 30 - 06 - 2020

"المعطف" رواية قصيرة للكاتب الروسي نيكولاي غوغول، شكلت نقطة تحوّل مفصلية بالغة الأهمية في الأدب الروسي، وامتد تأثيرها إلى مجمل الأدب العالمي، فقد كانت جديدة في موضوعها وأسلوبها الساخر الكوميدي – المأساوي، والأهم من ذلك أنها كانت أول قصة عن "الإنسان المقهور" - من حيث موقعه في السلم الاحتماعي بصرف النظر عن صفاته الشخصية - وما يعانيه من ظلم اجتماعي وانتهاك لكرامته الإنسانية، في حين كان الأدب السردي الروسي قبل "المعطف" يتناول في المقام الأول، حياة ومشاغل الطبقة المرفهة من الإقطاعيين والنبلاء، وأصحاب السلطة والنفوذ في المجتمع.
في "المعطف" تهكم لاذع، وانتقاد شديد للقيم الاجتماعية الزائفة، التي كانت سائدة في المجتمع الروسي في العهد القيصري. وتوحي القصة بفكرة الحاجة إلى بنية اجتماعية أكثر إنسانية وعدالة. ولهذا أصبحت الأفكار والصور، التي تزخر بها قصة "المعطف" معينا لا ينضب للكتاب الروس الآخرين، وفي وقت لاحق للعديد من الكتّاب الأجانب في شتى أنحاء العالم.
قصة "المعطف" بضمير المتكلم، والراوي على دراية جيدة بحياة الموظفين. بطل القصة اكاكي اكاكفيتش باشماتشكين؛ موظف صغير بإحدى إدارات سانت بطرسبورغ. وهو شخص بائس وذليل. ويقول غوغول إن أكاكي أكاكيفتش: "رجل قصير القامة، مجدور الوجه، بشعر مائل إلى الإحمرار، ضعيف البصر. له صلعة صغيرة في مقدمة رأسه، وتجاعيد على خديه.
وكان زملاء العمل، يستخفون به استخفافا يقابله بلا مبالاة، وردًا على أي إهانة توجه إليه، كان يكرر عبارة واحدة لا تتغير: "دعني وشأني، لماذا تسيء إليًّ؟ حتى الحراس في الدائرة كانوا ينظرون إليه كمكان فارغ حين يمر أمامهم، كما لو أن ذبابة حلقت عبر غرفة الاستقبال. وكان هناك شيء غريب في كلماته وصوته – كان فيه شيء ما يدعو إلى الشفقة .
البناء السردي في "المعطف" مبتكر، حيث تتحول الصورة الهزلية ل اكاكي اكاكفيتش تدريجيا إلى صورة مأساوية .
الخياط الذي قام بترقيع المعطف مرات عديدة، رفض ترقيعه مرة أخرى، لأنه أصبح رثا باليا، بحيث لم يعد بالإمكان إصلاحه. ونصح اكاكي اكاكافيتش بتفصيل معطف جديد له، ولكن الموظف الصغير البائس، لم يكن يملك أي مال، ففرض على نفسه حالة من التقشف الصارم لكي يستطيع تأمين ثمن المعطف الجديد: في المساء لا يشعل الشموع، لا يشرب الشاي. يمشي في الشوارع خفيفا وبعناية شديدة، "تقريبًا على أطراف أصابعه"، لكي لا "يمسح الحذاء سريعا، ولم يعد يعطي ملابسه المتسخة لغسالة الملابس إلا نادراً. ويقول غوغول: "في البداية كان من الصعب إلى حد ما أن يعتاد اكاكي اكاكافيتش على مثل هذه القيود، ولكن بعد ذلك اعتاد عليها بطريقة ما، وتكيّف معها بسلاسة؛ حتى أنه كان معتادًا تمامًا على الجوع في المساء، ولكنه كان يتغذى روحيا، حاملاً في ذهنه الفكرة الأبدية للمعطف المستقبلي. يصبح المعطف الجديد حلمًا ومعنى لحياة اكاكي اكاكافيتش.
هذا هو المعطف الجديد جاهز الآن. ولهذه المناسبة يقيم زملاؤه مأدبة على شرف المعطف. اكاكي اكاكفيتش السعيد لا يلحظ أنهم يسخرون منه. وفي الليل عندما كان في طريقة إلى مسكنه، هاجمه اللصوص وانتزعوا منه معطفه الجديد. سعادة هذا الإنسان لم تدم سوى يوم واحد، عندما ارتدى معطفه الجديد. في اليوم التالي جاء اكاكي اكاكافيتش إلى مقر عمله شاحب الوجه مهموما، وهو يرتدي معطفه القديم المهلهل، الذي أصبح رثا وباليا أكثر من السابق. ثمّ ذهب إلى مركز الشرطة طلبا للمساعدة، ولكن لم يلتفت أحد إلى شكواه. فلجأ إلى "مسؤول مهم" لعله يساعده في استعادة معطفه الجديد، ولكن المسؤول طرده شر طردة، ورفض سماع شكواه. أثرت هذه الصدمات المتلاحقة في نفس اكاكي اكاكفيتش لدرجة أنه لم يستطع تحملها. وسرعان ما مرض ومات. "اختفى إلى الأبد مخلوق لم يكن محميا من أحد. ولا عزيزاً على أي أحد، ولم يهتم به أحد. ولم يشعر بالسعادة في حياته، إلا حين أضاء المعطف الجديد حياته الكئيبة ليوم واحد".
ويقول غوغول إن موت "إنسان صغير" لم يغير شيئا في القسم الذي كان يعمل فيه، وسرعان ما حلّ موظف آخر محله ببساطة.
رغم أن "المعطف" قصة نموذجية لحياة لرجل مقهور في مدينة كبيرة، إلا أنها تنتهي بشكل خيالي. فبعد وفاة اكاكي اكاكفيتش يظهر شبح هائل الحجم في شوارع سانت بطرسبورغ ليلا، ويقوم بانتزاع معاطف المارة. البعض شبه الشبح باكاكي اكاكفيتش والبعض الاخر لم يجدوا أي شيء مشترك بين الشبح السارق وبين الموظف الخجول المتوفي.
ذات ليلة التقى الشبح "المسؤول المهم" وجها لوجه وقام بتمزيق معطفه. وأثار الرعب والهلع في نفسه إلى درجة أنه خشي من آثار هذه الواقعة على صحته. بعد هذا الحادث بدأ هذا المسؤول في التواصل مع الناس على نحو أفضل.
تشير نهاية القصة إلى ان المؤلف. يتعاطف مع مصير "الإنسان المقهور". ويدعونا إلى أن نكون منتبهين لبعضنا البعض، وكأنه يحذر من أن الشخص المسيء سيكون مسؤولا في المستقبل عن إساءاته للناس.
قصة المعطف تعكس ثنائية التعاطف والسخرية في أسلوب غوغول، وتؤكد أن الموظف الصغير المقهور قادر على التمرد والانتقام.
منذ نشر قصة "المعطف" تناول معظم الكتّاب الروس ثيمة "الإنسان المقهور" على نطاق واسع. ويمكن القول إنه لا يوجد كاتب روسي – منذ نشر معطف غوغول - لم يتناول "الإنسان المقهور" في أعماله وفي مقدمتهم ايفان تورغينيف، وفيودور دوستويفسكي، وأنطون تشيخوف، وميخائيل زوشينكو.
لقد اعتاد الباحثون والتقّاد الروس على إقحام اسم أمير الشعراء الروس الكساندر بوشكين في كل صغيرة وكبيرة في الأدب الروسي، والإشادة بريادته في كل ما أحرزه هذا الأديب من إنجازات عظيمة. وهم يقولون إن بوشكين هو أول من صوّر الإنسان المقهور، ويسميه الروس "الإنسان الصغير" في قصة "ناظر المحطة". أجل ثمة "رجل صغير" في هذه القصة، ولكنه ليس مسحوقا ولا متمردا، ولا علاقة بين "ناظر المحطة" وبين رائعة غوغول "المعطف" وأسلوبه المتفرد، الذي يمتزج فيه التعاطف والشفقة بالتهكم والسخرية. ناظر المحطة لم يتمرد على واقعه البائس، ولم يفكر في الانتقام من الضابط الذي أغوى ابنته، وحرمه من رؤيتها. تخطى تأثير قصة "المعطف" حدود روسيا إلى الآداب الأخرى. وأصبح "الإنسان المقهور" البطل المفضل لمئات الكتاب الآخرين في أنحاء العالم جيلا بعد جيل .
ويبدو تأثير قصة "المعطف" واضحا في الكثير من قصص كبار الكتّاب الغربيين والعرب، منهم فرانز كافكا، وشيروود اندرسون، وجيمس جويس، ونجيب محفوظ وغيرهم.
قارن الكاتب الروسي الأميركي فلاديمير نابوكوف - خلال محاضرة له في إحدى الجامعات الأميركية – بين قصة "المعطف" لنيكولاي غوغول، وقصة "التحول" لفرانز كافكا. إنسانية بطل القصة في كلتا الحالتين تفصله عن الناس الآخرين من القساة، عديمي الضمائر والشفقة، حيث نجد البطل يقوم بتمزيق شرنقته، ويتخطى حدود الهوية المفروضة عليه، ليتحول إلى شبح هائل.
قال غابريل غارسيا ماركيز: "إن الواقعية السحرية لأميركا اللاتينية مدينة إلى حد كبير لقصة (المعطف) لغوغول".
قصة نجيب محفوظ "المقابلة السامية" – المنشورة في مجموعته القصصية "الجريمة" - تتناول مشكلة الموظف الصغير المنسي، الذي يعمل في قسم الأرشيف، ويعاني من نظام بيروقراطي ظالم، يسود فيه التسلسل الهرمي للسلم الوظيفي والاجتماعي. هذا السلم الذي يقضي على أحلام الإنسان المقهور في مجتمع يفتقر إلى العدالة الاجتماعية.
حاول موظف الأرشيف مقابلة مدير عام المصلحة، ولكن ساعي السكرتير الخاص، لم يسمح له بالدخول، ونصحه أن يكتب حاجته على عرضحال تمغة وإرسالها بالطريق الإداري المتبع. مرت مدة طويلة، تابع موظف الأرشيف خلالها سير شكواه دون جدوى، وأخيرا تمًّ حفظ الطلب. ولكنه لم ييأس، وأخذ يتحرى مواعيد المدير العام وحركاته وسكناته، وقرر أن لا يذعن للقوة الباغية، ولا للأوامر المكتبية العمياء. وأراد عرض طلبه على المدير العام مباشرة لدى خروجه من المصلحة في نهاية الدوام الرسمي.
يقول موظف الأرشيف: "وعندما حاذاني في سيره بسملت ثم وثبت نحوه لأجثو بين يديه مستعطفا.
وصاح رجل :المجنون .. حذار يا صاحب السعادة.
ووقع اضطراب شامل وضوضاء عالية.
لم يدرك ما حدث فقد حوصر تحت ضغط عشرات من الأيدي القوية، ووجهت إليه تهمة الاعتداء على المدير العام انتقاما لحفظ طلبه.
وقد تعلم في السجن حرفة النجارة، وفي ميدانها يكدح اليوم لتربية الأولاد؟
كما نجد تأثير قصة "المعطف" واضحا في رواية أحمد سعداوي "فرانكشتاين في بغداد". حيث يقوم بطل الرواية هادي العتاك "بائع عاديات من سكان حي البتاويين وسط بغداد بجمع بقايا جثث ضحايا التفجيرات الإرهابية، التي حدثت في أعقاب الاحتلال الأميركي للعراق، ليقوم بلصق هذه الأجزاء فينتج كائناً بشرياً غريباً، سرعان ما ينهض ليقوم بعملية ثأر وانتقام واسعة من الإرهابيين القتلة ".وثمة اليوم مئات القصص المشابهة في آداب شعوب العالم .
لو لم يكتب نيكولاي غوغل سوى قصة "المعطف" الرائدة، لكان ذلك كافيا لخلود اسمه في تاريخ الأدب العالمي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.