محافظ الإسكندرية يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي (صور)    آخر تحديث لسعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري.. وصل لكام؟    «التضامن»: ضم فئات جديدة لمعاش تكافل وكرامة قبل نهاية سبتمبر المقبل    تفاصيل أعلى عائد على شهادات الادخار 2024 في مصر    البيت الأبيض: لا نريد احتلالا إسرائيليا لقطاع غزة    عاجل.. لحظة اغتيال القيادي بحماس شرحبيل السيد في قصف إسرائيلي    إحالة 12 متهما من جماعة الإخوان في تونس إلى القضاء بتهمة التآمر على أمن الدولة    رئيس مجلس الدولة: الانتخابات الحالية بداية جديدة للنادي    كرة يد.. الأهلي 26-25 الزمالك.. القمة الأولى في نهائي الدوري (فيديو)    طقس ال72 ساعة المقبلة.. «الأرصاد» تحذر من 3 ظواهر جوية    التصريح بدفن جثة تلميذ غرق بمياه النيل في سوهاج    شيرين تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: «أستاذ الكوميديا اللي علم الناس الضحك»    أشرف غريب يكتب: أحد العظماء الخمسة وإن اختلف عنهم عادل إمام.. نجم الشباك الأخير    الاستعدادات الأخيرة ل ريم سامي قبل حفل زفافها الليلة (صور)    النيابة تأمر بانتداب المعمل الجنائي لبيان سبب حريق قرية «الحسامدة» في سوهاج    جداول قطارات المصيف من القاهرة للإسكندرية ومرسى مطروح - 12 صورة بمواعيد الرحلات وأرقام القطارت    وزير الاتصالات يبحث مع سفير التشيك تعزيز التعاون بمجالات التحول الرقمي    أوكرانيا تسعى جاهدة لوقف التوغل الروسي فى عمق جبهة خاركيف الجديدة    استمرار تراجع العملة النيجيرية رغم تدخل البنك المركزي    بعد غلق دام عامين.. الحياة تعود من جديد لمتحف كفافيس في الإسكندرية (صور)    طيران الاحتلال يغتال القيادي بحماس في لبنان شرحبيل السيد «أبو عمرو» بقصف مركبة    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    مدير إدارة المستشفيات بالشرقية يتفقد سير العمل بمستشفى فاقوس    حسام موافي يوضح أعراض الإصابة بانسداد الشريان التاجي    توخيل يؤكد تمسكه بالرحيل عن بايرن ميونخ    "بموافقة السعودية والإمارات".. فيفا قد يتخذ قرارا بتعليق عضوية إسرائيل    بريطانيا تتهم روسيا بتزويد كوريا الشمالية بالنفط مقابل السلاح    4 وحدات للمحطة متوقع تنفيذها في 12 عاما.. انتهاء تركيب المستوى الأول لوعاء الاحتواء الداخلي لمفاعل الوحدة الأولى لمحطة الضبعة النووية    عمر الشناوي حفيد النجم الكبير كمال الشناوي في «واحد من الناس».. الأحد المقبل    عمرو يوسف يحتفل بتحقيق «شقو» 70 مليون جنيه    سوليفان يزور السعودية وإسرائيل بعد تعثر مفاوضات الهدنة في غزة    علماء الأزهر والأوقاف: أعلى الإسلام من شأن النفع العام    تاتيانا بوكان: سعيدة بالتجديد.. وسنقاتل في الموسم المقبل للتتويج بكل البطولات    "بسبب سلوكيات تتعارض مع قيم يوفنتوس".. إقالة أليجري من منصبه    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    الوضع الكارثى بكليات الحقوق    محافظ أسيوط ومساعد وزير الصحة يتفقدان موقع إنشاء مستشفى القوصية المركزي    رئيس جهاز دمياط الجديدة يستقبل لجنة تقييم مسابقة أفضل مدينة بالهيئة للعام الحالي    «تقدر في 10 أيام».. موعد مراجعات الثانوية العامة في مطروح    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    وزارة العمل تعلن عن 2772 فُرصة عمل جديدة فى 45 شركة خاصة فى 9 مُحافظات    مساندة الخطيب تمنح الثقة    أحمد السقا: يوم ما أموت هموت قدام الكاميرا    فريق قسطرة القلب ب«الإسماعيلية الطبي» يحصد المركز الأول في مؤتمر بألمانيا    «المرض» يكتب النهاية في حياة المراسل أحمد نوير.. حزن رياضي وإعلامي    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    قافلة دعوية مشتركة بين الأوقاف والإفتاء والأزهر الشريف بمساجد شمال سيناء    في اليوم العالمي ل«القاتل الصامت».. من هم الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة به ونصائح للتعامل معه؟    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    إحباط تهريب راكب وزوجته مليون و129 ألف ريال سعودي بمطار برج العرب    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    بعد حادثة سيدة "التجمع".. تعرف على عقوبات محاولة الخطف والاغتصاب والتهديد بالقتل    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي شمال الضفة الغربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهاية شر
نشر في نهضة مصر يوم 07 - 04 - 2004

كان شعار إقامة عراق ديموقراطي هو أن أحد أوراق التوت التي حاولت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش أن تستر بها عورات غزو العراق..
ورغم أن التطورات التي أعقبت الاحتلال الأمريكي للأراضي العراقية أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن الديموقراطية هي آخر ما تسعي الولايات المتحدة لتحقيقه في العراق ، وربما في أي مكان آخر ، إلا أن كتاب (نهاية شر) كان لديه المبرر الجاهز لهذا الفشل فيما ردده ديفيد فروم وريتشارد بيرل مؤلفا الكتاب حول ما وصفاه بالتطرف الإسلامي في العالم العربي ورغبة الدول العربية المجاورة للعراق في إفشال ما يسمي بالمشروع الديموقراطي الأمريكي ، بالإضافة إلي عدم تحمس الدول الأوروبية لأن يحقق احتلال العراق أي نجاح يذكر!!
ويدرك الجميع، بما في ذلك، فروم وبيرل، أن تجارب التاريخ تؤكد أن أي قوة احتلال لا تهمها سوي مصالحها ولا يمكن أن تسعي لتحقيق مصالح الشعوب التي تحتلها، ورغم ذلك، فإن صقور اليمين الأمريكي يواصلون ترديد الحجج الاستعمارية القديمة التي لم تعد قادرة علي إقناع أحد بأن الاحتلال يمكن أن يكون قوة خير وأمن وسلام!!
استكمالا لما جاء بكتاب (نهاية شر) تحت عنوان "حرب الأفكار" الذي يكشف محتواه بوضوح عن حقيقة الأساس الأيديولوجي والعقائدي لفكر المحافظين الجدد واليمين المتطرف ، نعرض للأسباب التي دفعت مؤلفي الكتاب ديفيد فروم وريتشارد بيرل إلي انتقاد محاولات الإدارة الأمريكية في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 استعطاف الرأي العام الإسلامي داخل أمريكا وخارجها؛ إذ يري المؤلفان في تزلف الولايات المتحدة للرأي العام الإسلامي مسألة مهينة وخطيرة في آن واحد .
يقول ديفيد فروم وريتشارد بيرل ان أقوي حجج المسلمين المعتدلين وهم ينددون بالإرهاب هي قولهم ان مثل هذه العمليات الإرهابية إنما تسيء إلي الإسلام والمسلمين. أما المتطرفون فإنهم ينظرون إلي هذه الهجمات باعتبارها أعمالا رائعة من شأنها أن تصب في مصلحة الإسلام وتدعمه، ولا أدل علي ذلك من تصريحات أسامة بن لادن نفسه التي أدلي بها في أعقاب هجمات سبتمبر والتي قال فيها ان أعداد الذين اعتنقوا الدين الإسلامي بأحد المراكز الإسلامية في هولندا، في الأيام التي تلت هجمات سبتمبر، فاقت كثيرا أعداد هؤلاء الذين اعتنقوه علي مدي السنوات الإحدي عشر الماضية هناك. وقال بن لادن أيضا أنه سمع بإحدي الإذاعات الإسلامية تصريحا لأحد أصحاب المدارس الإسلامية في الولايات المتحدة يقول فيه انه لم يعد يجد متسعا من الوقت للوفاء بطلبات هؤلاء الذين يودون الحصول علي كتب تزيد معرفتهم بالإسلام. وأحداث مثل تلك التي وقعت في سبتمبر 2001 كما يري بن لادن قد عادت بفائدة عظيمة علي الدين الإسلامي!
والمدهش ، كما يري المؤلفان، أن المتحدثين باسم الإدارة الأمريكية والبيت الأبيض زعموا بعد أشهر من هجمات الحادي عشر من سبتمبر أن "مئات" المسلمين راحوا ضحية تلك الهجمات، وهو زعم سبق وأن ردده كولن باول وزير الخارجية الأمريكية في تصريحات له أدلي بها خلال شهر نوفمبر 2001، رغم أن باول نفسه كان يعلم آنذاك بأن هذا الزعم غير صحيح، ورغم أنه كان يدرك آنذاك أيضا أن أهالي ضحايا هجمات سبتمبر من غير المسلمين لم يكن يعنيهم إيقاظ ضمائر الشعوب الإسلامية.
ويري فروم وبيرل أن العديد من المسلمين ربما رأوا في قلق الإدارة الأمريكية وحرصها علي عدم استثارة حفيظة المسلمين وحساسيتهم تبريرا لما يتبعه بن لادن من أساليب. ولكنهما يتساءلان في استنكار: منذ متي كان في الولايات المتحدة رئيس سبق وأن أظهر مثل هذا الاحترام ومراعاة المشاعر علي هذا النحو للدين الإسلامي؟ ومتي كان هناك هذا الكم من الكتاب والصحفيين والمعلقين الغربيين الذين يبدون قدرا هائلا من الاهتمام بأحوال المسلمين ومعاناتهم وطرحها علي قرائهم علي هذا النحو الساذج؟
الاعتراف بالخطأ!
لا شك أن الإدارة الأمريكية، كما يقول فروم وبيرل، قد أحسنت صنعا عندما سارعت بالاعتراف بخطئها وتراجعت عن المضي قدما بهذا الأسلوب الساذج في التعامل مع الإسلام؛ إذ كان من الواضح أن المغازلة التي مارستها الإدارة الأمريكية بانتظام للرأي العام الإسلامي قد شجعت العناصر المتطرفة، في الوقت الذي لم تكسب فيه الولايات المتحدة مزيدا من الأصدقاء في العالم الإسلامي.
ويمضي المؤلفان في إلقاء المزيد من الضوء علي حرب الأفكار (بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي) قائلين ان هذه الحرب ليست مجرد حرب كلامية، فالناس في الشرق الأوسط غير مقتنعين بالألفاظ والكلمات التي نرددها علي أسماعهم، ليس فقط لأنهم لا يؤمنون بما نقول، ولكن أيضا لأن كلانا نحن وإياهم لا يتفق علي معني تلك الألفاظ التي تشكل جملة مفرداتنا الأخلاقية. فعلي سبيل المثال، قد يتفق سكان الشرق الأوسط مع الأمريكان علي أنه من الخطأ قتل الأبرياء من البشر، ولكننا لا نتفق حول مفهوم كلمة (الأبرياء).
ويقول ديفيد فروم وريتشارد بيرل: "من المؤسف حقا أننا كبشر لا تثور ثائرتنا عندما يعاني الآخر بقدر ما نثور عندما نعاني نحن.. والمثال علي ذلك أن شعبية هتلر كانت تزداد في ألمانيا كلما قام بقتل المزيد من اليهود والبولنديين والروس، ولم يحدث أن شعر الشعب الألماني بمعاناة هذه الشعوب إلا عندما سقطت قذائف الأمريكان والبريطانيين علي رؤوسهم، عندئذ فقط بدأوا يصبون جام غضبهم ولعناتهم علي هتلر".. وعلي هذا الأساس يدعو المؤلفان الإدارة الأمريكية إلي ضرورة التخلي عن الاعتقاد بأن كسب ود العالم الإسلامي مرهون باستعطافهم وكسب مشاعرهم إزاء ما حدث للشعب الأمريكي في سبتمبر 2001، علي اعتبار أن مثل هذا الأسلوب غير مجد .. وهنا يحاول فروم وبيرل تبرير هذه الدعوة بالقول "أنه لو كان للأعمال الوحشية والإرهابية أن تلحق الضرر والعار بقضية ما لحدث ذلك للقضية الفلسطينية بسبب ما قام به الفلسطينيون من أعمال (إرهابية)، ولكن الذي حدث هو العكس فقد ظلت القضية الفلسطينية لها أنصارها في العالم الإسلامي علي مدي العقدين الماضيين. أضف إلي ذلك أن انهيار برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك كان بمثابة انتصار لدي الكثيرين في العالم الإسلامي ولم يروا في حدث مثل هذا أي لون من ألوان الوحشية". ويري الكاتبان أنه كلما حاولت الولايات المتحدة تذكير شعوب العالم الإسلامي بما عاناه الشعب الأمريكي في سبتمبر 2001 كلما رفع ذلك من شأن الرجل الذي كان وراء هذه المعاناة والألم وأضاف إلي رصيده وهو أسامة بن لادن.
ويري ديفيد فروم وريتشارد بيرل أن الولايات المتحدة لن تجني الكثير من خلال ترديدها بأن مثل هذه الأعمال الإرهابية لا يقبلها المسلمون باعتبارها أفعالا لا تمت بصلة إلي الدين الإسلامي. صحيح أن هذا الأسلوب يمكن أن يحدث تأثيرا إذا ما صدرت الإدانة من سلطات إسلامية ذات تأثير ونفوذ، إلا أنه ليس هناك أسوأ من أن يقوم رئيس أمريكي مسيحي بترديد ذلك.
بعد ذلك يستأنف المؤلفان حملتهما الشرسة والمغرضة علي المملكة العربية السعودية وذلك من خلال تحميل السعوديين مسئولية انتشار التطرف في بلدان العالم الإسلامي . يقول ديفيد فروم وريتشارد بيرل ان دعاة النهج الإسلامي ذي الطابع الجهادي، تدعمهم في أغلب الأحوال أموال السعوديين، استطاعوا أن يحبطوا كل مساعي العديد من الشعوب الإسلامية للحاق بالعالم المتقدم، وذلك من خلال الدعوة إلي تطبيق الشريعة الإسلامية والجهاد المقدس. ولهذه الأسباب يدعو المؤلفان ليس فقط إلي ممارسة جميع الضغوط الممكنة للحيلولة دون انتشار هذا النمط (الدموي) من الإسلام وإنما إلي التشجيع علي انفصال الإقليم الشرقي العامر بالثروات النفطية عن المملكة السعودية، إذا ما اقتضت الضرورة!!
ولا يقف المؤلفان عند هذا الحد، إذ يقولان أنه حتي لو أن السعوديين توقفوا من الآن فصاعدا عن الترويج للمذهب الوهابي، فإن هذا لن يجدي نفعا، فقد نجح السعوديون في نشر عقيدتهم وباتت جذورها متأصلة في العديد من البلدان والمثل واضح في نيجيريا وباكستان وإندونيسيا. فنيجيريا علي سبيل المثال جمهورية ذات دستور علماني وسكانها ينقسمون بالتساوي بين مسلمين وغير مسلمين، لكنه ومنذ يناير عام 2000 قامت الولايات الشمالية بفرض الشريعة الإسلامية. وهنا يركز المؤلفان علي ما يرونه جوانب سلبية للشريعة الإسلامية مثل قطع يد السارق ورفض شهادة غير المسلمين ومعاقبة الزاني والزانية بالجلد والرجم ، مع الاستفاضة في معاناة غير المسلمين في تلك الولايات. وفي إندونيسيا ذلك البلد الإسلامي الذي نجح في تجديد الفقه الإسلامي في إطار من الوسطية استطاع المتطرفون الذين تأثروا بالتفسير السعودي للإسلام أن يلحقوا بالمسيحيين هناك خسائر في الأرواح قدرت بالآلاف، وإجبار العديد منهم علي اعتناق الإسلام خوفا علي حياتهم وحياة أطفالهم، كما هدمت العديد من الكنائس. أما في باكستان فقد ذهب، أدراج الرياح، حلم مؤسس الدولة (محمد علي جناح) في إقامة دولة علمانية ذات طابع إسلامي، دولة كانت الثقافة الإسلامية فيها في إطار مدني ومناهج تعليم علمانية وأجواء تسمح بالتسامح. والسبب كما يقول فروم وبيرل هو الجمعيات الخيرية السعودية التي استطاعت أن تنشئ ما يقرب من ستة آلاف معهد ديني لتحفيظ القران بلغته العربية وتدريسه في ضوء عقيدة الجهاد. كما أن الجيش الباكستاني، الذي كان يوما ما حارسا لمؤسسات الدولة الباكستانية وتقاليدها الديموقراطية، استطاع السعوديون أن (ينالوا منه) من خلال تمويل معظم تكاليف القنبلة النووية الباكستانية والمساهمة بقدر هائل في تكاليف حملة المجاهدين الأفغان ضد السوفييت في أفغانستان. وانتشر في أوساط الجيش الباكستاني بدرجة ما، طابع إسلامي غير متسامح علي النمط السعودي . وفي ظل هذه الأجواء خرجت جماعة طالبان من العباءة الباكستانية ، وشارك العديد من الباكستانيين حركة طالبان خلال حربها مع القوات الأمريكية في ديسمبر 2001.
العرب والإسلام
ثم يتحول الكاتبان بعد ذلك إلي الأوضاع الحالية بالعالم العربي وأحوال الأقليات فيه مع محاولة ربط تدهور تلك الأحوال والأوضاع بالإسلام. يقول فروم وبيرل: انه وعلي الرغم من ثروات دول الخليج العربية الضخمة والكم الهائل من الجامعات التي شيدت هناك، فإن المحصلة كانت صفرا، فلم يحدث أن خرج العالم العربي بأبحاث علمية أو مخترعات تخدم البشرية، كما جاء في تقرير التنمية العربية الصادر عن الأمم المتحدة عام 2002 أن إجمالي الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية والتي يزيد عدد سكانها علي 300 مليون نسمة تقوم بترجمة عدد من الكتب سنويا لا يزيد عن 330 كتابا، في الوقت الذي تقوم فيه دولة مثل اليونان لا يزيد عدد سكانها عن 11 مليون نسمة ، بترجمة خمسة أضعاف هذا الرقم سنويا . كما أن نظم التعليم السائدة في العالم العربي لا تشجع الإقبال علي الكتب الأجنبية والتعرف علي الفكر الأجنبي، بالإضافة إلي أن ثلث طلبة الجامعات السعودية يكتفون بالدراسات الإسلامية .
وعلي الرغم من استفاضة الكاتبان في سرد تفاصيل معاناة غير المسلمين في دول مثل نيجيريا والفلبين وإندونيسيا، إلا أنهما عند تناول قضية الأقليات المسيحية في العالم العربي ووصف حجم معاناتهم ، لم يجدا سوي عبارة تعرضهم خلال فترة السبعينيات ل "المزيد من الضغوط الماكرة" التي دفعتهم إلي الهجرة إلي بلدان مثل استراليا وكندا والولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، الأمر الذي أدي إلي تناقص أعداد المسيحيين في بلدان مثل لبنان والعراق ومصر، والقول بأن الرئيس المصري الراحل أنور السادات، في محاولة منه لاسترضاء الإسلاميين بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، قام بسحب امتيازات واستثناءات كانت تمنحها الدولة للأقباط!
ويحمل الكاتبان بشدة علي ما يصفانه بظاهرة ترحيب العالم العربي بالعمليات (الإرهابية) الفلسطينية التي يروح ضحيتها مدنيون إسرائيليون ويعتبرا أن مثل هذا الترحيب لا يعبر عن مجتمع سليم من الناحية الأخلاقية، فبعد قيام الفتاة الفلسطينية (آيات الأخرس) بتفجير نفسها في سوبر ماركت بالقدس فقتلت اثنين وأصابت 25 آخرين، قام سفير المملكة العربية السعودية في لندن بنظم أبيات شعرية يمجد فيها العمل البطولي الذي قامت به الفتاة الفلسطينية. إن قيام سفير عربي بالترحيب بأعمال القتل شيء جديد علي الثقافة العربية.
ويقول فروم وبيرل: "وحيث أننا في أكثر من مناسبة شاهدنا كيف أن الأفكار الشريرة التي يبدو أن الملايين سقطوا فريسة لها قد تحولت إلي واقع ملموس، فإن الولايات المتحدة كما يقول ديفيد فروم وريتشارد بيرل لابد وأن تتطلع إلي طرق وأساليب لتغيير هذا الواقع الملموس وتحرير الملايين من (قبضة) التطرف الإسلامي وإلحاقهم بغيرهم من شعوب العالم التي تحررت من الأنظمة المستبدة".
يقول ديفيد فروم وريتشارد بيرل في كتاب (نهاية شر) ان الكثيرين من الأمريكان والأوروبيين من جميع الطوائف السياسية انتابهم الغضب والفزع عندما قال الرئيس بوش في خطاب له ألقاه يوم 26 فبراير عام 2003: "من مصلحة العالم أجمع نشر القيم الديموقراطية علي أساس أن الدول الحرة والمستقرة لا يمكن أن تفرز أيديولوجيات تروج للقتل ، فالقيم الديموقراطية تشجع علي انتهاج أساليب سلمية لتحسين ظروف المعيشة". فقد علق كريستوفر باتن الوزير البريطاني السابق في حكومة مارجريت تاتشر علي كلمات بوش بقوله: "بدأ القلق يساورني حول ما سبق وأن ردده روبيسبيير (أشهر زعماء الثورة الفرنسية) عما أسماه التبشير المدعوم بالقوة المسلحة... ونشر الديموقراطية بالسلاح". وقال جيسي جاكسون: "بوش يشعر بأن اختيار السماء وقع عليه كي يستبدل أنظمة الحكم المستبدة بأخري ديموقراطية . إنه يقوم بتحرير العراق من خلال ما يسمي ب (دبلوماسية المدفع)، كما أنه ينوي أن يحكم العراق من خلال ديموقراطية تحت تهديد السلاح". أما الصحفي روبرت كابلان من يمين الوسط فيقول: "إن الديموقراطية في مراحلها الأولي غالبا ما لا تحقق سلاما لهذه البلاد ولكنها تفرز نوعا من التنافس الديماجوجي الغوغائي بين السياسيين، الكل يصارع الكل حول من يكون أكثر عداء للأمريكان والسامية". ويعلق البروفيسور بول ستار من يسار الوسط : "إن فكرة قيام ثورة ديموقراطية في الشرق الأوسط بقيادة أمريكية إنما هي فكرة تنطوي علي قدر كبير من الخيال".
ويرد ديفيد فروم وريتشارد بيرل علي مثل هذه التعليقات بالقول: "إن هؤلاء الذين يعتقدون بأن التطرف الذي تغلغل في الثقافة الإسلامية المعاصرة ربما يرجع إلي حد ما إلي الأنظمة والسياسات الاستبدادية السائدة في الشرق الأوسط، إنما هم أفراد يستحقون اللعنة بوصفهم متعصبين يتسمون بالضعف وأعماهم الفكر المبني علي الحدس والافتراض". وهنا يقوم المؤلفان بتقديم فاصل من المديح والغزل لهؤلاء الذين يدعمون بقوة إجراء المزيد من الإصلاحات الديموقراطية في الشرق الأوسط علي الرغم من كل الانتقادات التي يتعرضون لها. ومن بين هؤلاء بول وولفويتز نائب وزير الدفاع الأمريكي الذي يشهد تاريخه كما يقول فروم وبيرل بأنه الشخصية الرئيسية التي أرغمت اثنين من عتاة الديكتاتورية علي الخروج من السلطة عامي 1985، 1986.. الأول فريديناند ماركوس الرئيس الفلبيني السابق.. والثاني كان شون دو هوان الرئيس الأسبق لكوريا الجنوبية، وكانت النتيجة أن كلا البلدين ينعمان بالديموقراطية اليوم، والفضل يرجع إلي بول وولفويتز الذي طالما اتهم باللجوء إلي أساليب تتسم بالحماس والانفعال. ومن بين هؤلاء أيضا سفيرة الولايات المتحدة الأسبق لدي الأمم المتحدة جين كيركباترتيك التي راهنت خلال الثمانينات علي إمكانية إرساء الديموقراطية في بلدان كانت تتنازعها الحروب مثل نيكاراجوا والسلفادور وجواتيمالا وهندراوس ، وذلك إذا انهزمت الشيوعية ، وكان لها ما راهنت عليه . ومن بين هؤلاء أيضا توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الذي قال ان القيم الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان وحكم القانون ليست قيما غربية ، وإنما هي قيم البشرية جمعاء وأنه إذا ما خير أي شعب بين الحرية والديكتاتورية فإن لن يختار سوي الحرية .
نشر الديموقراطية
يقول كتاب (نهاية شر) ان أحدا لا يعتقد بسهولة نشر الديموقراطية وإرسائها في الشرق الأوسط وإمكانية تحقيقها في وقت قصير، وأن دعاة الديموقراطية علي وعي بحجم الصعوبات والمعوقات التي تعترضهم، وهم في ذلك أكثر إدراكا لهذه الحقيقة من منتقديهم .
ويري ديفيد فروم وريتشارد بيرل أن نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط لا يعني الدعوة إلي إجراء انتخابات مباشرة ثم التعايش مع ما سيأتي به الغد في ضوء نتائج تلك الانتخابات ، فقد سبق وأن تمت تجربة هذا النموذج في الجزائر عام 1995 وكادت تلك الانتخابات أن تأتي بالتطرف الإسلامي إلي السلطة باعتبار أن المتطرفين الإسلاميين كانوا البديل الوحيد المتاح آنذاك للحد من الفساد . إن الديموقراطية ، كما يري فروم وبيرل ، تعني فتح مجالات سياسية يستطيع من خلالها المواطنون في بلدان الشرق الأوسط التعبير عن معاناتهم علي نحو تتحسن معه ظروف حياتهم. وتعني الديموقراطية كذلك إفساح المجال لإنشاء مؤسسات تحمي الأقليات وتحمي المرأة في بقعة من العالم تحتاج فيها الأقليات والمرأة بالفعل إلي الحماية. كما تعني الديموقراطية التحرر من جميع أشكال القيود الاقتصادية وخلق أجواء من الانفتاح الاقتصادي مع تقليص القيود التي تفرضها الحكومة علي مقدرات الشعب. وتعني الديموقراطية أيضا تقليص دور القطاع العام وإصلاحه . وفوق هذا وذاك فإن الديموقراطية تعني إنشاء مدارس تعد شباب شعوب الشرق الأوسط لعالم الألفية الثالثة لا عالم ينتمي إلي القرون الوسطي .
ويري ديفيد فروم وريتشارد بيرل أن ما يبعث علي التفاؤل هو أن هذا النموذج من الديموقراطية قد سبق للأمريكان نشره في أوروبا الغربية وشرق أسيا، وأمريكا الوسطي ، وفي هذا ما يوحي بأن الأمل لا يزال موجودا في تكرار هذه التجربة في الشرق الأوسط. ويخلص المؤلفان إلي أن الولايات المتحدة ليس أمامها من سبيل آخر سوي تفعيل هذه الإصلاحات الديموقراطية ، وإلا فإن البديل هو مزيد من التطرف والتحريض والغضب مثل ذلك الذي أودي بحياة ثلاثة آلاف أمريكي في سبتمبر2001.
وفي محاولة لبيان حتمية هذا النموذج من الديموقراطية يرسم ديفيد فروم وريتشارد بيرل صورة بشعة للواقع والبيئة العربية . يقول المؤلفان: إننا إذا ما ألقينا نظرة علي شعوب المنطقة نجد أنهم محكوم عليهم بالعيش في جو خانق وبائس والتلوث يحيطهم من كل جانب وتحكمهم أنظمة فاسدة غير مؤهلة لإدارة البلاد إدارة سليمة، تقوم بإرباكهم بمجموعة من الأنظمة والقوانين بحيث لا يستطيع الفرد أن يحسن من ظروف معيشته دون رشوة أصحاب النفوذ. كما تحكم هذا الأنظمة علي شعوبها بالخضوع لأفراد نخبة أثرت ثراء فاحشا من خلال الصفقات المريبة والموارد البترولية التي هي في الأصل ملك أفراد الشعب. وتكون الضرائب المفروضة علي هؤلاء لا هدف لها سوي خدمة أفراد الحكومة والمؤسسة العسكرية في البلاد التي لم تكسب يوما حربا خاضتها ، ويظل الشعب وسط هذه الظروف يعاني تدهورا في مستوي المعيشة يوما بعد يوم وسنة بعد سنة، وفوق هذا وذاك فإن أفراد الشعب محرمون من أي نقاش أو منتديات أو مؤسسات ديموقراطية، فلا وجود لبرلمان أو حتي مجلس مدينة يمكن خلاله طرح مشاكلهم ومعاناتهم في جو من الحرية، ومن يحاول الاعتراض يكون مصيره القتل أو السجن أو النفي. ولأنه لا يوجد في هذه البلدان أنظمة تعليم فعالة فإن عقول النشء والأجيال القادمة تصبح مهمة تشكيلها في يد رجال دين لا يملكون سوي نظريات لاهوتية تنتمي إلي القرون الوسطي. ويتساءل المؤلفان: إذا كان الحال في هذه البلدان علي هذا النحو، فما الذي يمكن أن نتوقعه من بيئة مثل هذه سوي جماهير غاضبة مستعدة لأن تحول كل مشاعر الإحباط والخيبة والفشل التي تسود حياتهم اليومية إلي كراهية وتعصب مقيت لكل ما هو غير إسلامي؟
الخط الفاصل
ويقول فروم وبيرل ان أعداد المتطرفين تزايدت علي نحو كبير وكذلك نفوذهم وسطوتهم. كما أن الحكومات والأنظمة التي كانت تعمل لحسابنا في تناقص مستمر. وأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر علمتنا أن الخط الفاصل القديم الذي كان يفصل بين جماعات التطرف وبين الحكومات المعتدلة لم يعد واضحا؛ ذلك أنه في الوقت الذي تزداد فيه جماعات التطرف قوة في الشرق الأوسط، استطاعت أفكارهم التسلل إلي الحكومات وصناع القرار هناك.
وبعد أن قدم كتاب (نهاية شر) التطرف الإسلامي باعتباره سبب حالة الفشل والعجز السياسي التي يعاني منها العالم العربي، قام المؤلفان بتحليل أوضاع العراق في محاولة أخري منهما لتفسير فشل العرب سياسيا. يقول فروم وبيرل ان إرهاب صدام دفع بعدد من مفكري العراق وزعمائه السياسيين إلي المنفي، وفي المنفي أدرك هؤلاء أن التجمعات السياسية العربية كانت تدعم الزعيم الذي يضطهدهم والسبب في ذلك يرجع في بعض الأحيان إلي دواعي أيديولوجية، وفي أحيان أخري لأن النظام الحاكم استطاع شراء ذممهم، وأحيانا أخري كان السبب هو الخوف.
ويحاول فروم وبيرل إضفاء طابع دعائي علي الوجود الأمريكي في العراق بقولهما: إننا لم نأت للعراق كي نحكمه، وإنما جئنا العراق لكي نسترد سلطة الشعب التي استولت عليه حكومة استبدادية علي مدي عشرات السنين. إن مهمتنا هي بناء جيش عراقي جديد يكون باستطاعة جنوده إخماد أي محاولات تمرد أو عصيان وفي نفس الوقت احترام حقوق الإنسان تماما كما فعلنا في الفلبين وأمريكا اللاتينية، كما أن مهمتنا هي بعث الحياة في النشاط الاقتصادي الذي قتله صدام حسين ، واستئناف ضخ البترول العراقي للوفاء باحتياجات الشعب العراقي ، أما مهمة صياغة الدستور العراقي فهي من صميم عمل العراقيين ويقتصر دورنا علي تقديم النصح والإرشاد. لقد جئنا العراق كي نحرر الشعب العراقي من حكم البعثيين. لكن أهم ما ينبغي علي الولايات المتحدة عمله هو ضرورة تجنب الوقوع في خطأ وضع العراق تحت وصاية الأمم المتحدة بأي حال من الأحوال ، ذلك أن بيروقراطي المنظمة الدولية إذا ما وضعوا أياديهم علي العراق فإنهم لن يخرجوا منه أبدا، والدليل علي ذلك أنهم مازالوا موجودين في كوسوفو وكمبوديا والصومال والبوسنة منذ سنوات رغم انتهاء الصراعات في هذه البلدان .
ويخلص المؤلفان إلي أن العديد من الدول المحيطة بالعراق لا ترغب في نجاح التجربة الديموقراطية في العراق وتتمني لو أن تنهار الأوضاع في العراق لأن هذه الدول كما يقول الكتاب تري أن وجود عراق ديموقراطي يمكن أن يشكل تهديدا خطيرا لأنظمة الحكم فيها. ولا تقتصر هذه الرغبة في فشل التجربة الديموقراطية في العراق علي الدول المجاورة له، إذ أن المؤلفين تساورهما شكوك بأن العديد من الدول الأوروبية الصديقة للولايات المتحدة سوف يسرها ترك العراق تحت وصاية الأمم المتحدة كي تدير احتياطاته النفطية لفترة طويلة وفي ذلك ما يعود علي دول مثل فرنسا وروسيا بالفائدة مثلما حدث خلال برنامج النفط مقابل الغذاء الذي سبق وأن أشرفت عليه الأمم المتحدة. لكن هذه الصورة لن تكون مستقبل العراق الذي شنت الولايات المتحدة الحرب من أجله.
البقية في الحلقة القادمة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.