حوار مع النفس! أثار خطاب الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش إلي الأمة الذي ألقاه من البيت الأبيض لشرح استراتيجيته الجديدة في العراق ذكريات قديمة للرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون منذ عقود مضت وفي تلك الفترة أيضا دعا نيكسون إلي توسيع جبهة الحرب في فيتنام زاعما أن ذلك الأمر ضروري للخروج من المستنقع الفيتنامي الدامي. لقد ارتكبت أخطاء عديدة وأنا بالفعل مسئول عنها هكذا أقر وسلم بوش بمسئولياته عن تلك الأخطاء الجسيمة ولكنه علي أية حل لم يحدد جدولا زمنيا للانسحاب من العراق بل علي العكس لقد أقر بوش خطة لزيادة عدد القوات الأمريكية في العراق بأكثر من 20000 جندي اضافة إلي 130000 ألف جندي متواجدين بالفعل هناك. إن الخطة تهدف إلي تجميع القوات الاضافية المرسلة إلي العراق في بغداد وأماكن أخري مزعزة أمنيا بصورة خطيرة ويقول منطق تلك الخطة إنه بتوجيه ضربات مكثفة إلي (الأعداء) سوف يسود الاستقرار والأمن وتمهيد الطريق لانسحاب القوات الأمريكية من العراق. وباعتباره المسئول الأول عن تأجيج الحرب في العراق فإن بوش بالتأكيد سيجد صعوبة في ابتلاع وتجرع هزيمة مريرة علي أية حال فقد تلقي بوش هزيمته الأولي بالفعل من قبل الشعب الأمريكي لا العراقي حينما أظهرت نتائج انتخابات التجديد النصفي لمجلسي الشيوخ والنواب التي أجريت في نوفمبر الماضي رفض أغلبية الناخبين لسياسات بوش والحزب الجمهوري المنتمي إليه بمجملها، وبالأخص في العراق يفوز الحزب الديمقراطي بأغلبية ساحقة في المجلسين. إن مجموعة دراسة حالة العراق والتي شكلت من لجنة مشتركة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري برئاسة وزير الخارجية الاسبق جيمس بيكر وسياسيين مخضرمين آخرين اقترحت إجراء مراجعة شاملة للأوضاع في العراق لتقرير أنسب الأوضاع المهيئة والممهدة لانسحاب القوات الأمريكية. وعلي ذلك يعتبر قرار بوش الأخير صفعة مباشرة في وجه الرأي العام الأمريكي إن كبار قادة الجيش الأمريكي الذين يخططون ميدانيا أبدوا شكوكا عميقة حول الحكمة من ارسال مزيد من القوات إلي العراق وقد كان رد فعل بوش هو ازاحة واستبدال هؤلاء القادة بآخرين ينفذون استراتجيته الجديدة. نحن نعتقد أن تقوية تلك القوات هي مقامرة كبري لقد زادت إدارة الرئيس بوش من حجم قواتها ثلاث مرات علي التوالي. وفي كل مرة لم تنجح في اعطاء نتائج مؤثرة ويبدو أن الرئيس عازم علي أن يؤكد أن تلك الزيادة الأخيرة في حجم القوات تمثل الخيار النهائي للنجاح بالنسبة له. إن الأعوام الأربعة الأخيرة أثبتت لنا بما لا يدع مجالا للشك أن العراق لايمكن أن ينهض من كبوته ويحيا من جديد بالقوة العسكرية وحدها. إن جوانب الحضور العسكري الأمريكي الطاغي تزيد الأمور سوءا هناك. هل سيستمر بوش في اغماض عينيه عن تلك الحقيقة نحن نخشي من أن يكون وجود مزيد من القوات دافعا ومبررا لمزيد من المذابح وجر منطقة الشرق الأوسط بأسرها إلي دوامة عنيفة من الاضطراب والفوضي. هناك رغبة ملحة لجلب الاستقرار بشكل ما إلي حياة العراقيين الذين يعيشون مذعورين وممزقين تحت وطأة التهديدات اليومية لمطرقة الارهاب وسندان الانتقام والأخذ بالثأر ونحن بالتأكيد نشارك بوش آماله احراز مثل ذلك التقدم. إن ما يحدث في العراق اليوم من حالة فوضي واضطراب عارمة هي محصلة عقود من الدكتاتورية والحروب وهي صيحة مدوية لتحقيق الديمقراطية التي طالما أغرم بالكلام عنها بوش. وقد أفصح بوش أيضا عن رفضه الصارم التفاوض مع كل من سوريا وإيران وهي تلك الفكرة التي وردت في تقرير مجموعة دراسة الحالة العراقية مع أن الارتباط الايجابي بتلك الدول وغيرها من الدول المجاورة هو عنصر حاسم لاستقرار الأوضاع في العراق وقد أغمض بوش عينيه عن تلك الحقيقة أيضا. وفي خطابه أفصح بوش عن تبنيه لسياسة جديدة في الشرق الأوسط تعمل بموجبها الولاياتالمتحدة كوسيط للسلام لحل النزاع الاسرائيلي الفلسطيني بجهود دبلوماسية مكثفة ولتحقيق الاستقرار في المنطقة بأسرها ولكن مع وقوف كل الدول العربية في صف واحد مناويء ومعارض بشدة لسياسة بوش الحالية في العراق فإن الإجراءات المؤقتة لن تساعد علي ايجاد حلول مقنعة أو تهدئة الأوضاع المتدهورة في العراق. وفي الحرب الفيتنامية أجبرت الولاياتالمتحدة علي الانسحاب غير المشرف ونحن نخشي من أن تكون إدارة بوش تحذو صوب ذلك المصير المأساوي في العراق.