يساعدني الطيبون علي عبور الطرق وصعود السلالم والنوم علي الأسرة، وأصبحت أومن بأن الدنيا خِفة ودلع وتسليك مصالح شكرا لكل الناس الحلوة، اشتغلوا في الانتخابات ونجح بهم أهل قوة وبعض الحكماء، وتشكل مجلس تشريع القوانين، والباقي من شغل الحلوين تشكيل الوزارة الجديدة، وهنا اعرض إمكانياتي علي أمل أن أحظي برضا وترشيح أحدهم، فأنتقل من قعدة المصاطب إلي كرسي الوزارة رأسا. ولدتني أمي في عام طافت فيها حمي الكوليرا كثيرا من بقاع مصر وحصدت آلافا من الأرواح، ثلاثة أشهر انتظر الحاسدون أن تأكلني الكوليرا ولم تأكلني، وحين تأكد للناس أنني حي أرزق قام أبي بتسجيل حادثة ميلادي في دفاتر الحكومة، كان أبي حصيفا ففي شهر ميلادي ولد عدد من العظماء، نابليون وماركس وثلاثة من أعضاء البرلمان المعينين، وراقصتين. في القرية تعودت الاستحمام في الطست بالماء الساخن مرتين أو ثلاث كل عام وأرتدي هدومي الجديدة مع حلول عيد اللحمة وعيد الحلاوة، أصابني الرمد الحبيبي ومارست اللعب أياما تحت وطأة علاج الششم الأبيض، طالت فترة ختاني ثلاثة أسابيع أسير فاتح الرجلين تحت وطأة علاج البودرة البيضاء، في قيظ الصيف نجحت في إنشاء مصيفي الخاص، طردت بعض كلاب تستبرد بمياه قناة تظللها شجرة صفصاف واستبردت أنا بنفس الماء والشجرة، في سباق مشهود نجحت في عبور ترعة قريتنا غوصا، كان الغوص والمرور تحت جثه حمار طافية، وحين أصابتني البلهارسيا كنت ابتهج مع كل ألم في التبول، فثقافة قريتنا تري أن خروج الدم في البول دليل علي الصحة والعافية، وحين هاجمني القراع وصاحبني الدّرن أعتاد كثير من الأحبة أن يواسويني، بعضهم كان يعايرني. في المدينة أصبحت شابا، أفطر فولا بالطحينة مع البصل علي نواصي عربات الفول، أو أتناول الفول النابت علي نواصي أسواق الخضار، أحيانا أتغدي فشه ولحمة رأس علي نواصي المجازر، وعادة أتناول العشاء فولا مدمسا وباذنجانا مخللا، وفي كل يوم أنام في حجرة ضيقة لا يزعجني طفح المجاري أو انقطاع الكهرباء أو ضجيج الجيران، وحين كرهت فكرة الزواج وتناول الشطة والطُرشي ابتهج طبيب وهو يخبرني أن كبدي كسلان. في كل القري والمدن أصبحت شيخا، أحمل آثارا لعشرات من الأمراض ومواقف الحب والفهم المناسب، أفوت بهدوء بين السيارات وأنجو بلطف من الحوادث، يساعدني الطيبون علي عبور الطرق وصعود السلالم والنوم علي الأسرة، وأصبحت أومن بأن الدنيا خِفة ودلع وتسليك مصالح. هكذا مع تاريخي النضالي، ولأن البلد بلد فقراء وغلابة، أراني صالحا لأن أكون وزيرا عتره صاحب حظوة ومال، قادرا علي أن أملأ شارعنا بطعام أوبن بوفيه، وأن أوزع خمسة جنيهات لكل من يطلق زغرودة باسمنا، وأن أفتح طرقا لتوريث عظمتي للأهل وبعض الجيران.