سيطرت حالة من الغضب والاحباط علي الأوساط السياسية بعد أن أرجأ رئيس الجمهورية اللبناني ميشيل سليمان اجتماع طاولة الحوار الوطني إلي جلسة لاحقة، لكن ما لم يكن متوقعاً هو غياب معظم أقطاب المعارضة عن المشاركة في الاجتماع. وباستثناء النائب الدرزي وليد جنبلاط الذي أكد أن غيابه كان بسبب وجوده خارج لبنان، شكل غياب ممثلي المعارضة مؤشراً علي عدم الرضا عن مجريات الأمور، لاسيما عدم بتّ مجلس الوزراء بما بات يعرف باسم "ملف شهود الزور"، فكانت مقاطعة طاولة الحوار الوطني الوسيلة التي اعتمدتها المعارضة للتعبير عن استيائها. زعيم التيار الوطني الحر النائب ميشال عون أكد أن عدم مشاركته في طاولة الحوار جاء احتجاجاً علي تأجيل جلسة مجلس الوزراء، وهو موقف تضامن معه فيه ممثل حزب الله النائب محمد رعد، لتمتد السلسلة بعد ذلك وتشمل ممثلي قوي المعارضة، كالنواب سليمان فرنجية وطلال أرسلان وأسعد حردان وآجوب بقرادونيان، باستثناء رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي حضر وحيداً عن المعارضة. وقد انعكس موقف المعارضة سلباً علي الأجواء السياسية الملبدة أصلاً، وأعطي إشارة إلي فتور العلاقة التي تربط قوي المعارضة برئيس الجمهورية الذي أصر علي عقد اجتماع طاولة الحوار "بمن حضر". واعتبر عضو كتلة القوات اللبنانية النائب أنطوان زهرا أنه لا يمكن تفسير موقف مقاطعة طاولة الحوار إلا بأنه موقف غير مسؤول وغير مقبول ومعيب بحق مرجعية فخامة رئيس الجمهورية". أما الكاتب السياسي خضر طالب فبرر عدم مشاركة المعارضة برغبة الأخيرة في تفادي مواجهة كان يجب أن تحصل داخل مجلس الوزراء، إلا أن تأجيل جلسة المجلس دفع المعارضة لتسجيل موقفها الاعتراضي بالتحفظ. وأبدي طالب خشيته من أن تصاب كل مؤسسات الدولة الدستورية -ومن ضمنها مجلس الوزراء- بالشلل إذا لم يتم حسم ملف شهود الزور، لكنه استبعد انتقال التشنج إلي الشارع إذا تعطل الحوار، لأن الظروف الآن تختلف عما كانت عليه في السابق، فالتهدئة القائمة الآن تستظل برعاية سورية وسعودية، وبالتالي لا توجد ظروف مشابهة للنزول إلي الشارع والحسم من خلاله كما حصل يوم 7 مايو 2008. وأضاف أن التوقعات منذ انطلاق طاولة الحوار كانت تشير إلي أنها لن تؤدي إلي شيء، فهي مجرد لقاء يجمع الفرقاء دون نتائج مفترضة أو متوقعة منه. من جانبه، أرجع الكاتب السياسي جورج علم عدم مشاركة المعارضة في الحوار إلي ثلاثة أسباب، يتعلق أولها بما أعلنه النائب ميشال عون من أنه سيقاطع ما لم يبتّ مجلس الوزراء في ملف شهود الزور. وثانيها توجيه رسالة إلي رئيس الجمهورية بأن الفترة الزمنية التي أعطيت له لإيجاد حل توافقي حول الملف قد انتهت، وبالتالي لا بد لمجلس الوزراء أن يقول رأيه في الموضوع. أما السبب الثالث وفقا لعلم، فهو توجيه رسالة إلي رئيس الحكومة سعد الحريري تقول إن التصعيد السياسي علي المستوي الحكومي قد بدأ، وإن الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء ستكون حاسمة، فإما توافق وزاري علي إحالة شهود الزور إلي هيئة قضائية موثوقة من الجميع، أو التصويت، مع ما قد يؤدي إليه ذلك من انقسام حاد في صف الحكومة. وحول جدوي استمرار طاولة الحوار، استعرض علم وجهتي نظر، أولاهما -وهي القريبة من رئيس الجمهورية- تتمسك باستمرار طاولة الحوار لدورها في تخفيف التشنج السياسي، وبقاء الأطراف علي تواصل مباشر.