بتشكيل الحكومة الجديدة يتم استكمال اهم مشروع سياسي بالنسبة للحياة السياسية السودانية وتعد الانتخابات التي اجريت بالبلاد مؤخرا اهم انجاز علي الصعيد السياسي والتي أتت نتائجها لتتوج الجهود الكبيرة والتي ادت الي اتفاقية السلام الشامل بالسودان والتي نصت بنودها علي الرجوع للخيارات الشعبية والتي تعد صاحبة القرار الاول والاخير في مجريات الحياة السياسية والتي تتوقع انها لن تخلو من المفاجآت خلال الفترة المقبلة خاصة في اطار استمرار شريكي الحكم وهما حزبا المؤتمر الوطني بقيادة الرئيس البشير والحركة الشعبية بقيادة سليفا كير اذ ستظهر علي الساحة اسماء جديدة وتخرج اسماء كانت بارزة ولعبت أدوارا مهمة خلال الفترة الماضية. والحكومة الجديدة عليها عبء كبير وفقا لمتطلبات المرحلة الجديدة واهما الحفاظ علي وحدة السودان في ظل مطالبة بعض النخب السودانية سواء الشمالية او الجنوبية بالانفصال، ولكن من الخطأ القول بان انفصال الجنوب تحصيل حاصل وسوف يحدث لانني اري انه لا تزال الفرصة سانحة وموجودة للعمل من اجل الوحدة خاصة ان هناك العديد من السياسيين السودانيين يطالبون ويعملون من اجل الوحدة ولا يقبلون بالانفصال كما ان هناك دعما شعبيا من مواطني البلاد لا يريدون الانفصال. وأكد هنا ان اتفاقية نيفاشا الموقعة بين شريكي الحكم تعمل من اجل الوحدة الجاذبة فاذا لم تكن الوحدة جاذبة فكلا الخيارين مطروح ورغم ان هذا الامر هو الاكثر اهمية في بنود الاتفاقية والذي ارتبط اساسا لحسم صراع دموي استمر لاكثر من نصف قرن في اكبر بلد افريقي الا انه لم يحظي بالآليات المناسبة للتغيير من قبل كل الاطراف الشمالية او الجنوبية. ولذلك كان من الطبيعي ان نتابع عبر الاعلامين الداخلي والخارجي تصريحات بعض السياسيين والنخب لبعض قيادات الحركة الشعبية المطالبة للانفصال والتأكيد علي ذلك ووصل الامر الي ابعد واخطر من ذلك وهو اعلانهم والتأكيد في احاديثهم وخطابهم علي ان مواطن الجنوب سوف يكون من الدرجة الاولي في حالة تصويته في الاستفتاء علي تقرير المصير اذا صوت بالانفصال ومن الدرجة الثانية اذا صوت للوحدة ويعد هذا امرا خطيرا وصراعا طبقيا يؤدي الي عواقب لا يعملها إلا الله. وهنا اقول اننا لابد ألا ننسي ان هناك حسابات كثيرة لابد ان نراجعها بدقة وحيادية وبروح وطنية مجردة لان القرارات والتصريحات الاعلامية خاصة المصيرية تعد امرا شديد الخطورة والتي يمتد تأثيرها القوي ليس علي المستوي الداخلي فقط بل علي المستوي الخارجي خاصة اننا نعيش عالم اليوم كقرية صغيرة واصبحت السيادية الوطنية خلاله يمكن ان تخترق بسهولة وهذا الواقع الاعلامي يتنامي بشدة ويشكل زخما قويا في تشكيل الرأي العام ويكون تأثيره قويا خاصة عندما تكون هناك عدم وضوح للرؤية وتعمد طمسها خاصة في القضايا المصيرية بهدف تصفية حسابات سياسية وذلك بفعل القوي الكبري التي تملك اعلاما قويا فمهما كان خطابها علي صواب او خطأ بدون شك سيؤدي الي فتنة والتاريخ به كثير من الاحداث التي تدل علي ذلك فإن لعبة التشكيكات في القضايا ذات الحساسية العالية والتي يستخدم فيها الاعلام دائما ما ينتهي بها الامر الي كوارث ومخاطر كبيرة خاصة اذا كانت هذه الاهداف الاستراتيجية مبنية علي غير حقيقة. لذلك يجب ان يكون الخطاب الاعلامي خلال هذه المرحلة مسئولا وواعيا ويعتمد بالدرجة الاولي علي التأكيد علي مخاطر المشروع الانفصالي والذي سيكون له تأثير كبير علي الشمال والجنوب والسودان كله خاصة ان هناك العديد من مواطني الشمال والجنوب غير واعين لمخاطر الانفصال خاصة الجنوبيين الذين يعيشون بالشمال والتي لم تعرف الجنوب وايضا العديد من القبائل الجنوبية البعيدة والدعوة الي اهمية الوحدة بتجنب البلاد مخاطر العودة الي الحرب مرة اخري والعمل من اجلها خلال الفترة المقبلة وان يتحدث شريكا الحكم في خطابهما عن التمسك بالوحدة الطوعية والتمسك بها وتحمل مسئولياتهما وان يكونا واقعيين والتحدث عما هو قائم وما سوف يكون والتركيز علي ما تم تنفيذه في اتفاقية السلام الشاملة والتأكيد علي حل مشكلات البلاد وذكر الاسباب والازمات التي تتعرض لها والحلول الموضوعة لحلها.. ايضا العمل لمزيد من التنمية المتوازنة والتأكيد ان السودان يستوعب كل اقاليمه وولاياته وان مواطني البلاد كلهم لهم كل الحقوق والواجبات، والتأكيد ان الدولة تقوم بتغييرات جذرية علي المستوي القومي خاصة في شكل الحكم بالمركز وعلاقته بالولايات السودانية واحترام الشريكين لرأي الشعب في تقرير مصيره. كما انني اري ان الخطاب الاعلامي عليه اولا ان يزيل الفوارق التي وضعها الاستعمار وورثها السودان خاصة الحديث عن الفوارق بين الشمال والجنوب من حيث الثقافة والدين والتركيز علي ان الثقافة العربية والدين الاسلامي لاهل الشمال يختلف تماما هذا المفهوم مع ثقافة ودين الاقليم الجنوبي والذي يدين بالدين المسيحي او ديانات اخري وايضا انهم افارقة وزنوج حيث انهم يختلفون تماما من حيث الاعراف والديانات. ومن هنا لابد لهذا الخطاب ان يركز علي مخاطر الانفصال خاصة للجنوب والذي يعاني وسيعاني مشكلات داخلية كثيرة اهمها الصراع القبلي المسلح وايضا المشكلات الخارجية مع دول الجنوب خاصة الدولة الجديدة الوليدة ذات مشكلات حدودية مع دول الجوار وايضا مخاطر هذا الانفصال علي الشمال وايضا التدخل من الدول الخارجية سواء الحدودية او الامريكية والغربية والتي ستعمل علي تأجيج الصراع بين الدولة الحديثة بالجنوب المسيحي والشمالية المسلمة وعليه تهيئة الشعب السوداني للانفصال وإعداد المواطن السوداني ليعرف خطورة هذا الموقف اذا وقع الانفصال وشرح ذلك بالتفصيل لانه سيعود علي البلاد بكثير من المشكلات والتركيز علي مخاطر الانفصال علي الشمال والجنوب ، وهنا يأتي شيء مهم وهو نوعية الخطاب خلال المرحلة المقبلة والذي سيشكل ضلعا مهما في تكوين رأي عام سوداني موحد والتأكيد علي ان الوحدة الجاذبة لابد ان تأتي عن قناعات فكرية وعقلية ومسئولية مشتركة لخطاب واحد وحوار واع وعميق بين شريكي الحكم مع كل ابناء السودان شمالا وجنوبا والتركيز علي ان الوحدة يمكن قيامها وإتمامها عن طريق اقامة قناعات مهمة يكون كقادة الجنوب والشمال معا اثرا كبيرا في تشكيلها خاصة لمواطني الجنوب الذين سيصوتون بعد 6 أشهر علي تقرير المصير ليس للجنوب فقط بل للسودان كله وكسبه كوطن واحد بالوحدة. بقلم :مصطفي أمين