هناك علاقة كبيرة بين التلاميذ في مصر وبين الفئران، فقد حولت السياسات التعليمية الفاشلة عندنا أولادنا وبناتنا إلي فئران تجارب، لأننا للأسف في تعليمنا شأن كل أمورنا لا نطبق استراتيجية ثابتة، وإنما كلما جاء وزير أو تغيرت حكومة، جاءت لتمسح "باستيكة" كل ما سبق، وكانت النتيجة هذا التعليم العاجز، ومدارس المشاغبين التي تنتشر في ربوعنا، هذا إذا تواجد فيها التلاميذ من الأساس. لقد ارتكبت السياسات التعليمية، والأنظمة المتعاقبة، تجاوزات لا تغتفر في حق الطالب المصري، فحرمته من حقه في تعليم يلبي احتياجاته واحتياجات المجتمع أكاديميا، وحرمته من حقه في الرعاية الصحية والنفسية والغذائية، والأنشطة الرياضية والترويحية، كما تجني عليه الفن، وأهملته مؤسسات المجتمع الاقتصادية والفكرية وغيرها، وتركته فريسة للادمان والزواج العرفي، ولم تفكر في مستقبله، أو في تطوير وتحديث المدارس والجامعات، وطرائق التعليم، واستغله الكثيرون ماديا في بيع مذكراتهم الهزيلة، وفي الدروس الخصوصية، بل تم استغلال الفتيات جنسيا من بعض المدرسين في المدارس، وأعضاء هيئات التدريس في الجامعات. ولا شك أن الطالب هو أهم مكون من مكونات العملية التعليمية، بل انه العنصر الذي توظف من أجله كل العناصر الأخري من مدرسين ومقررات ومعامل ومكتبات وغيرها، وتنفق المجتمعات البشرية أموالا طائلة علي نظمها التعليمية، لتطويرها وتحسينها لتؤدي رسالتها تجاه هذا الطالب، وهذه الرسالة ببساطة شديدة تتلخص في كلمات قلائل: فتح عقله، وتوسيع أفقه، وتنمية مداركه وملكاته، ليعرف كيف يفكر، ويخترع ويبدع، ويوجد الحلول للمشكلات التي تعترض الانسان، وهي رسالة التعليم الحقيقي، والتي تختلف عن التعليم الفاسد الذي يغرس في طلابه التقليد والاتباع، ويقتل فيهم ملكة الابداع والتفكير، والمقارن بين الرسالتين يدرك بسهولة كيف ارتقت بعض المجتمعات، وعلا شأنها، وكيف ارتكست مجتمعات أخري، وهوت الي قاع الثبات والجمود. والناظر في أحوال الطالب المصري يتملكه الأسي والحزن، حيث تبدد أنظمة التعليم الفاسدة طاقاته في أهم فترات حياته، وأكثرها نشاطا وحيوية، لينتهي به الأمر قليل العلم والمعرفة، ضعيف الخبرة والمران، منغلق العقل والفكر، فاسد السلوكيات بما اكتسب طوال فترة تعليمه، غير قادر علي الاستجابة لمتطلبات العمل في سوق شديد التنافسية، تتطلب كثيرا من التدريب والتقنية، وبهذا ينضم الي جحافل العاطلين، أو العاملين في غير مجالهم وتخصصهم، مما يفقده الولاء والانتماء لأمته، ويوقعه فريسة للاكتئاب والادمان، أو أحلام الهجرة والمغامرة في بيئة غير بيئته، وبلاد غير بلاده. جرائم كثيرة ارتكبتها السياسات التعليمية، والأنظمة المتعاقبة في حق الطالب المصري علي مدي عهود متعاقبة، وفي دراسته يقدم سعد رجب صادق عريضة اتهام لتلك السياسات. مقررات دراسية عاجزة ما زالت مدارسنا تقدم للطلاب مقررات دراسية عفي عليها الزمان، وتقاعس معدوها عن تطويرها وتحديثها، والناظر الي الكتاب المدرسي يجده هزيلا مختزلا في صورة ملازم أو ملخصات، خالية من الرسوم والصور والجداول وغيرها، ويقوم علي تدريس تلك المقررات مدرسون يفتقرون الي الاعداد السليم، والمران الكافي، يعاملون الطالب معاملة فظة، ويوقعون به العقاب البدني والنفسي، والذي يترك آثارا لا تندمل، ويستخدمون في الشرح والايضاح طرائق تقليدية تجاوزها تعليم اليوم، ويكاد ينعدم فيها الجانب العملي، والتدريب وارتياد المكتبات، والاحتكاك بمشاكل المجتمع وهمومه، ثم يتم تقييم الطالب بامتحانات تختبر مقدرته علي الحفظ، وليس مقدرته علي الفهم والتفكير وحل المشاكل. ** والنظام التعليمي الجيد لا بد أن يكون نظاما متوازنا، يلبي احتياجات الطالب المختلفة، ومن تلك الاحتياجات الجانب الرياضي، وخاصة أن الأطفال والمراهقين والشباب يلزمهم تفريغ ما يملكون من طاقة في أنشطة رياضية مفيدة لأبدانهم وقوامهم ورشاقتهم، كما أنها تحسن أيضا المهارات الفردية والجماعية، والتوافق مع الآخرين واحترامهم، والالتزام بالنظام، والروح والأخلاقيات الرياضية، وتهتم جميع بلاد العالم بالأنشطة الرياضية في المدارس والجامعات، ومن الأشياء المؤسفة حقا أن نظامنا التعليمي يحرم الطلاب من تلك المتعة البدنية والذهنية والاجتماعية وخلاصة القول أننا نحتاج إلي تعليم يشعر فيه الطالب بالحزن عند نهاية اليوم الدراسي، لأنه تعليم يشبع كل رغباته، ويلبي كل احتياجاته العقلية والذهنية والنفسية والاجتماعية، ويجد فيه ترويحا وترفيها، ومعاملة طيبة، وأصدقاء، وحماية من الانحرافات، وأمانا لمستقبل زاهر، وغد مشرق. مدارس غير طاردة!! وحتي تكتمل العملية التعليمية وتؤتي ثمارها لابد من أن تكون المدارس أماكن جاذبة للتلاميذ، غير طاردة لهم، وأن تتوفر فيها شروط الأمان والسلامة، والراحة، وأن تكون مكانا نظيفا جميلا يفتح نفس الدارسين والمدرسين. والمدارس عندنا ثلاثة أنواع الأول تلك التي تم بناؤها قبل إنشاء هيئة الأبنية التعليمية، والبعض الآخر عبارة عن مبان مؤجرة من المحليات، أما مدارس المحظوظين، أو المنكوبين في بعض الأحيان هي المدارس التي بنيت في ظل وجود هيئة الأبنية التعليمية. وإذا تحدثنا عن أوضاع المدارس القديمة فهي سيئة فمعظم هذه المدارس عبارة عن منازل قديمة مؤجرة أو مبان لم تكن مدارس في الأصل، تم تحويلها إلي مدارس، وأعرف بعض المدارس كان في الأصل حظائر للماشية، تم تحويل الحظائر فيها إلي فصول. والمشكلة أيضا في المدارس المؤجرة أنها في معظم الأحيان بدون أفنية مدرسية، ولا توجد حولها أسوار تحمي التلاميذ، وتعطي للمجتمع المدرسي خصوصيته. أما المباني الجديدة، فرغم أنها مبان جميلة، محاطة باسوار وبها دورات مياه وأفنية، إلا أنها في الغالب تفتقر إلي الأدوات والأجهزة، سواء كانت الخاصة بالمعامل، أو بممارسة الأنشطة، وخاصة الأنشطة الرياضية والفنية، وحتي المكتبات، لا يدخلها التلاميذ، وهناك العديد من المدارس الجديدة، وخاصة في المحافظات والأقاليم لا توجد بها مياه، كما أن عدد عمال النظافة بها لا يتوازي أبدا مع عدد التلاميذ. ولا يقتصر ذلك علي المدارس الحكومية، ولكن أيضا في بعض المدارس الخاصة، التي تلزم أولياء الأمور بشراء المطهرات والمنظفات، ومع ذلك تبخل في توفير العمال اللازمين للنظافة. تطوير المناهج وبداية لا ينكر أحد الجهود التي تبذلها وزارة التربية والتعليم لتطوير المناهج، ولكن يظل الحالمون بمستقبل أفضل لمصر والمصريين، يرون أن مناهجنا التعليمية يمكن أن تكون أفضل. ومع أن وزارة التربية والتعليم ترصد سنوياً 71% من ميزانيتها لطبع وتجهيز الكتب المدرسية، لكن الكتاب في الحقيقة لا يجد من يفتحه، ولولا فرضه جبرياً علي الطلبة لما اشتراه أحد. ولذلك لابد أن تتجه عمليات اصلاح المناهج لتنمي المفاهيم والمهارات والتفكير الابداعي والابتكاري، وتبعد كل البعد عن الحفظ والتلقين، وأن تترجم هذه المناهج استراتيجيات المستقبل والاتجاه نحو التعلم للتعليم وليس الي تعلم لتعيش. وأن تركزعلي التعلم النشط، وان تنطلق المناهج من الواقع المحلي فتتجه الي البيئةالعالمية لتؤهل الطلاب الي حياة عملية في الواقع المعاصر. وأن تجسد المناهج الجديدة مفاهيم عصر المعلومات، ومجتمع المعرفة ومفهوم المشاركة من خلال مبدأ: تعلم لتشارك الاخرين الذي يتفرع إلي التخلص من التعصب والعنف. من أجل كل ذلك يمكن القول أن تغيير وتطوير المناهج قضية ملحة وضرورية، ويجب أن تتشكل في كل دولة من دولنا العربية، لجنة لتطوير المناهج، مهمتها إعادة تطوير المناهج علي الأقل كل 3 أعوام- بحيث نأتي بالجديد، ونلقي بالقديم إلي سلة المهملات-كما يقول الدكتور حامد عمار"-. ومن الضروري أن تتوافق المقررات الدراسية مع ما انتهت إليه الهيئة القومية لضمان الجودة والاعتماد التربوي من إعداد مواصفات خريج التعليم الثانوي والمهارات التي يجب أن يتحلي بها تلاميذ الشهادة الإعدادية للأخذ بها في وضع المناهج الدراسية الجديدة وإزالة الحشو من جميع المواد.