لم يكتف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإفشال المفاوضات المباشرة قبل أن تبدأ ولا بالتسويف في الرد علي مطالب الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشأن القدس والاستيطان في الضفة الغربيةالمحتلة لكنه ذهب إلي مدي أبعد وأعمق وأخطر في مخططه الرامي لإفشال أي جهد أمريكي لتحريك عملية السلام في الشرق الأوسط وتحديدا بين الفلسطينيين وإسرائيل عن طريق معاودة "حرب الترانسفير" ضد الفلسطينيين في الضفة وهو ما كشفت عنه صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية حيث قالت إن جيش الاحتلال أصدر أمرا جديدا قد يؤدي إلي طرد عشرات آلاف الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة بدون تصاريح أو محاكمتهم بتهم جنائية باعتبارهم متسللين. وأوضحت الصحيفة أن هذا الأمر سيطبق أولا علي الفلسطينيين الذين يحملون بطاقات هوية من غزة وعلي الأجانب المتزوجين من فلسطينيات ويقيمون في الضفة مشيرة إلي أنه رغم أن المحاكم المدنية الإسرائيلية سبق أن منعت في الماضي تنفيذ مثل عمليات الطرد هذه إلا أن الأمر المعدل سيطلق يد الجيش للقيام بذلك. هذا التصعيد الإسرائيلي قوبل بالرفض والتنديد فلسطينيا وإسرائيليا حيث دعت منظمة "هاموكيد" الإسرائيلية الحقوقية الجيش إلي إلغاء الأمر فيما أدانت السلطة الفلسطينية القرار علي لسان د. صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين ووصفته بأنه "تطهير عرقي" لأبناء القدسوغزة الذين يعيشون في الضفة.. كما أنه يهدف إلي تدمير كل جهد دولي لإحياء عملية السلام. واللافت أن الكشف عن القرار العسكري الإسرائيلي جاء بعد ساعات فقط من إعلان إسبانيا عن طرح مبادرة جديدة لعملية السلام في الشرق الأوسط بمشاركة كل من مصر وفرنسا اللتين تشاركان في رئاسة الاتحاد من أجل المتوسط خلال شهر يونيو المقبل.. والمعني ان حكومة المتطرفين واليهود استبقت هذا التطور بوضع "العصا في العجلات" لاجهاض اي مسعي لتحريك عملية السلام. ونعتقد ان "الميوعة" التي تتعامل بها ادارة اوباما قد اغرت نتنياهو علي المضي قدما في تنفيذ مخططه حيث جاءت ردود افعالها علي سياسات نتنياهو بائسة وغير حازمة سواء فيما يتعلق برفضه تجميد الاستيطان في الاراضي المحتلة في عدوان 5 يونيو 1967 او عبر ابتلاع الاهانة التي الحقها بها بالاعلان عن بناء 1600 وحدة سكنية في القدسالمحتلة بالتزامن مع اول زيارة يقوم بها نائب الرئيس الامريكي جوزيف بايدن للمنطقة.. سرعان ما تبين لاحقا ان المخطط يشمل بناء 50 الف وحدة سكنية في القدس ومحيطها ولتذهب عملية السلام والمفاوضات في "ستين داهية". ان افشال نتنياهو لمبادرات اوباما لتسوية الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني لم ينعكس حتي الان بالسلب علي العلاقات بين الحليفين فقد استقبل الامريكيون نتنياهو خلال الاحتفال السنوي لمنظمة "ايباك" اكبر جماعات اللوبي اليهودي في امريكا استقبال الابطال.. واكتفي اوباما بتناول العشاء مع زوجته بالتزامن مع زيارته للبيت الابيض كنوع من "قرص الاذن" علي ما فعله الرجل بنائبه بايدن. وخلاف ذلك يبقي أمن اسرائيل جزءا لا يتجزأ من أمن الولاياتالمتحدة او بتعبير بايدن عندما يتعلق الامر بالأمن تختفي المسافات بين ما هو امريكي وما هو اسرائيلي. ولولا معرفة نتنياهو بحدود الرد الامريكي والذي لا يتعدي "خلافات الاصدقاء" علي حد وصف اوباما نفسه للازمة الدبلوماسية مع اسرائيل، لما سارعت واشنطن بتفنيد التقارير التي تحدثت عن اتخاذها قرارا يقضي بطرح استراتيجية جديدة لتسوية الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي.. ومبالغة في طمأنة شريكها الاسرائيلي قالت بالحرف الواحد علي لسان احد مستشاري الرئيس اوباما: انه لا مجال للحديث عن اي مفاجآت بهذا الشأن. اكثر من هذا فقد سدد نتنياهو لطمة جديدة لاوباما تمثلت في عدم حضوره قمة الامن النووي التي دعا اليها الرئيس الامريكي بمشاركة 47 دولة خشية ان يتعرض لما اسمته مصادر اسرائيلية بضغوط مصرية- تركية بشأن ترسانة بلاده النووية التي يقدر الخبراء والمجلات المتخصصة في شئون الدفاع بما يتراوح بين مائة وثلاثمائة رأس نووية تملك وسائل اطلاقها برا وجوا وبحرا وهو الامر الذي اعتبرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الامريكية شللا للقمة قبل ان تبدأ. وفيما انتقد معارضو نتنياهو بشدة تغيبه عن القمة النووية معتبرين انه اهدر فرصة نادرة لشن حملة ضد البرنامج النووي الايراني الذي تعتبره تل ابيب تهديدا وجوديا لها فقد ابدت واشنطن- ويا للغرابة- تفهمها لغياب "بيبي" حليفها المدلل.. وخطفت اعمال القمة باتجاه ايران التي لم يثبت حتي الان امتلاكها للسلاح النووي.. وهو ما اوقعها في فخ الكيل بمكيالين.. اذ كيف يعقل ان تتستر علي 300 رأس نووية اسرائيلية فيما تعلق المشانق لايران علي نواياها وتسن سكاكين الحصار.. باعتباره الخطوة التي تسبق دوران آلة الحرب لانهاء التحدي الايراني. انها سقطة جديدة تضاف لسقطات اوباما بما يجعل سياسته تجاه طهران امتدادا لسياسات سلفه بوش الابن مع تغيير في الاساليب وهو ما اثار انتقادات القابضين علي السلطة في الجمهورية الاسلامية بداية من المرشد الاعلي للثورة الاسلامية علي خامنئي الذي ندد باستثناء ايران من عقيدة اوباما النووية الجديدة التي تحظر تهديد الدول غير النووية بالسلاح النووي وفي المقابل اعتبر الرئيس محمود احمدي نجاد ان اليد الممدودة لم تأت بجديد.. كما ان رسالته في عيد النيروز لم تعكس اي تغيير في سياسات واشنطن تجاه بلاده. ومعروف ان اوباما المنتشي بتوقيع اتفاقية "ستارت 2" مع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف في براغ عاصمة التشيك كان يسعي لمواصلة البناء علي اتفاقية خفض الاسلحة الاستراتيجية والحصول علي تعهدات قوية لمنع وصول الاسلحة النووية الي المهربين والارهابيين. وكشفت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الامريكية عن ان نتنياهو يغيب عن القمة بعدما نما الي علمه اعتزام بعض الدول العربية- ومصر تحديدا- ممارسة ضغوط علي اسرائيل للتوقيع علي معاهدة الحد من الانتشار النووي.. مشيرة الي ان اعتذاره في اخر لحظة جاء ليؤكد تقلبات الاوضاع في الشرق الاوسط ويكشف عن الدواعي التي تثير قلق الامريكيين من تورط هذه المنطقة في سباق تسلح نووي. واكدت الصحيفة ان نتنياهو تراجع عن الحضور لواشنطن خشية ان تطالبه البلدان الاسلامية المشاركة في القمة النووية بالتخلي عن ترسانته النووية تمهيدا لجعل الشرق الاوسط خاليا من اسلحة الدمار الشامل. ويؤكد الخبراء ان لدي اسرائيل نحو مائتي رأس نووية لكن ما من زعيم اسرائيلي سبق له الاقرار بوجود ترسانة نووية لبلاده وبالتالي ستكون اسرائيل في حال التوقيع علي المعاهدة مطالبة بفتح منشآتها النووية لمفتشي وكالة الطاقة النووية مما سيفقدها ميزة "الغموض النووي". وكشفت الصحيفة عن فشل اغراءات اوباما في اقناع نتنياهو بالمجيء لواشنطن وتعهدها له بأن وضع اسرائيل النووي لن يطرح في القمة التي تتركز علي المواد النووية المنفلتة وكيفية ابقائها بعيدا عن متناول المتطرفين. وكانت مصر قد طالبت في ورقتها التي القاها وزير الخارجية احمد ابوالغيط بضرورة تعزيز آليات الرقابة الدولية علي المواد النووية في اطار من الشفافية دون تفرقة بين دولة وأخري. وأعرب السفير المصري لدي واشنطن سامح شكري عن امله في التزام الرئيس اوباما لمنهج متوازن وغير منحاز لاي دولة مهما تكن علاقتها مع الولاياتالمتحدة مؤكدا ان غياب نتنياهو لن يمنع من اعادة طرح مبادرة اخلاء الشرق الاوسط من اسلحة الدمار الشامل. والخلاصة انه بدون ان يخرج اوباما من اثار العقدة الموروثة في ادارة علاقات بلاده مع اسرائيل فلن يتمكن من تنفيذ وعوده بتنفيذ حل الدولتين في الشرق الاوسط ولن ينجح ايضا في منع سباق التسلح في المنطقة التي تصنف بانها من اسخن بؤر التوتر العسكري في العالم.. وقبل هذا وبعده سينهار حلمه في تغيير امريكا والعالم نحو الافضل.