عندما تقدم عشرة استجوابات عن الحالة الصحية بمصر في مجلس الشعب الأسبوع الماضي ويطالب فيها المستجوبون بإقالة الحكومة لأنها مسئولة عن تدني المستوي البيئي والصحي وانتشار الأمراض الخطيرة.. فتلك مصيبة، وعندما يكون هناك 100 ألف حالة من المواطنين ينضمون سنويا للمصابين بالسرطان و150 ألف حالة جديدة من مرضي الفشل الكلوي سنويا في حاجة إلي غسيل.. فتلك كارثة. النواب طالبوا في استجواباتهم بضرورة محاكمة الوزراء المتسببين في زيادة معدلات التلوث الهوائي والصناعي والزراعي وإقالتهم فورا بتهمة انهيار المستوي الصحي في مصر وانتشار الأمراض الخطيرة والمزمنة لدي الكثير من المواطنين، وبالطبع هناك دلائل كثيرة علي التورط غير المباشر للمسئولين في إصابة المصريين بالأمراض، فالأرقام المعلنة من جهاز حماية البيئة مؤخرا تشير إلي أن نهر النيل يستقبل سنويا أكثر من 950 مليون متر مكعب ملوثات صناعية وأكثر من 9 مليارات متر مكعب ملوثات زراعية تحتوي علي بقايا الأسمدة والمبيدات الزراعية السامة مما ينعكس بالسلب علي المنتجات الزراعية والثروة السمكية.. ولاسيما أن بعض أنواع من الأسماك خاصة التي يتم اصطيادها من الترع تحولت إلي سموم عائمة، بل إن التي يتم اصطيادها من المصارف هي أسماك قاتلة. ووفقا لتقرير صدر عن لجنة الشئون الصحية لمركز أبو النمرس بمحافظة أكتوبر حديثا والخاص ببحث أزمة تلوث مصرف المحيط العمومي المعروف باسم ترعة المريوطية ونفوق الأسماك به، فقد أكد هذا التقرير زيادة معدلات الملوثات الصناعية "الصرف الصناعي والصحي مياه المجاري" والحيوانات النافقة التي يجري إلقاؤها بالمصارف الرئيسية العمومية والفرعية المارة بقري أبو النمرس، مما أدي إلي ارتفاع معدل الإصابات بالأورام السرطانية والفشل الكلوي والأمراض المعدية والمتوطنة بين مواطني المركز بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة. وذكر التقرير أن التلوث وصل إلي أعلي درجاته حاليا مما أدي إلي موت أشجار الكافور الموجودة علي جانبي مصرف المحيط، وهو ما يهدد بشكل واضح بانهيار طريق سقارة السياحي بل إن ترعة المنصورية العمومية القريبة من المصرف تعاني من جميع مظاهر التلوث التي يعاني منها مصرف المريوطية مما يشكل تهديدا خطيرا لصحة المواطنين في تلك المنطقة. الغريب أن التقرير أوصي بإلغاء التعاقدات السابقة التي قال إنها تمت بطريق الخطأ مع الصيادين من خلال الهيئة العامة للثروة السمكية، وعدم إجراء أي تعاقدات مرة أخري للصيد في ترعة المريوطية لأنه لا توجد عندنا ترعة بذلك الاسم من الأساس لأن اسمها كما جاء في التقرير هو مصرف المحيط العمومي الموازي لنهر النيل! وبذلك فإن السمك الذي يقوم الصيادون بصيده هو من إنتاج هذا المصرف ملوث رسميا وليس من ترعة نظيفة! ولا أعرف بالضبط هل تذكر المجلس الشعبي المحلي في أبو النمرس وأيضا محافظة أكتوبر فجأة أن ترعة المريوطية هي مصرف في الأساس وبالتالي فإن الأسماك التي بها لا تصلح للاستهلاك الآدمي. وهل كان من الضروري أن تطفو الأسماك الميتة بالتسمم والتي أصبحت وجبة مسمومة علي سطح المصرف كي يصحو المسئولون من غفوتهم ويعلنوا أن تلك الأسماك التي كان مئات الصيادين وحتي المواطنين العاديين يحصدونها من علي سطح المصرف أسماك سامة، علي الرغم من أنه كانت تباع بأسعار رخيصة في قري محافظتي الجيزة وأكتوبر منذ زمن بعيد!! أين كانت وزارات الصحة والبيئة والزراعة والري؟ وهل أصبحت صحة المصريين رخيصة إلي هذا الحد؟ ومن يعوض المصابين بأمراض الفشل الكلوي والسرطان الذي فتك المرض بأجساد نتيجة تلك الملوثات ولاسيما من تناولوا أسماك مصرف المحيط أو ترعة المريوطية سابقا. الغريب أنه حتي الآن وبعد مرور أكثر من أسبوعين علي حادثة اصطياد الأسماك المسممة من مصرف "المريوطية" لم يتحرك أحد من المسئولين ولم تصل شكاوي إلي النائب العام ولم تتحرك دعاوي جنائية ضد من كان وراء هذه الكارثة، أو حتي لم يقدم أعضاء مجلس الشعب عن دائرة أبو النمرس استجوابا ضد وزيري الصحة والبيئة من أجل حجب الثقة عنهما وإقالتهما أو حتي إحراج الحكومة. وبالطبع ولو كان قد تقدم أحد بهذا الاستجواب كان سيسقط مثلما أسقط المجلس ذو الأغلبية الكاسحة من نواب الوطني الاستجوابات العشرة المقدمة عن صحة المواطنين، وكأن الحكومة تقوم بكل واجباتها علي خير وجه، فالمياه نظيفة وغير مختلطة بالمجاري والهواء نقي ومياه الترع نظيفة ولا توجد أمراض مزمنة، كما أن الإجراءات التي تقوم بها كفيلة بالقضاء علي أي ملوثات لأنها تحمل "عصا سحرية" تقضي علي كل شيء ضار. ولا أعرف هل أعضاء مجلس الشعب عن الحزب الوطني من الذين يمثلون دوائر في الريف لا يعلمون بتلوث المياه واختلاطها أحيانا بالصرف الصحي وليس لديهم فكرة بالخضراوات التي تروي من مياه المجاري والفاكهة التي ترش بالكبريتات حتي تنضج قبل أوانها أو المحاصيل الزراعية التي بها هرمونات كي تأخذ أشكالا جميلة وأحجاما كبيرة والتي أصبح طعمها لا يطاق وتفسد بعد يوم واحد إذا لم يتم وضعها في الثلاجة، أم أن هؤلاء الأعضاء يعيشون في أرقي أحياء القاهرة ولا يذهبون إلي قراهم البعيدة إلا في أوقات الانتخابات معتمدين علي مباركة ورضا الحزب الوطني لهم، وبالتالي ضمان نجاحهم؟! وهل لا يعلم وزير الصحة كما جاء في مقال هام للزميل والصديق هشام أبو الوفا نشرته مؤخرا جريدة المساء أن هناك 38 مليون مصري يعانون في حياتهم اليومية من مياه الصرف الصحي والتي تؤدي إلي انتشار أمراض الالتهاب الكبدي الوبائي والإسهال بل والسرطان الآن 76% من مياه القري مخلوطة بالصرف الصحي وأن 25% من مرضي المستشفيات ترجع أمراضهم لنفس السبب؟! وهل لا يعلم وزير البيئة أن 13500 حالة تعد علي مياه النيل من منشآت صناعية وعوامات ومطاعم وكازينوهات ومنشآت فندقية وجميعها تلقي بمخلفاتها من الصرف الصحي في مياه النيل، بل إن هناك 1500 قرية مصرية تلقي بمياه الصرف الصحي الخاص بها في النيل مباشرة؟! وكذلك هل لا يعلم وزير الصحة أن كل حالات التيفود التي ظهرت في قرية البرادعة بالقليوبية وكذلك مدينة إمبابة بالجيزة سببها تلوث المياه واختلاطها بالصرف الصحي؟ كل الأبحاث والدراسات تؤكد أن تكاليف تنقية المياه تعادل ألف مرة تكاليف منع التلوث من أساسه. لمن يشكو الشعب المصري خاصة الأطفال زيادة التلوث في الهواء والمياه والأرض وكيف ينتج ويتقدم المصري وهو شبه مريض ولاسيما أن تكاليف العلاج أصبحت باهظة وسأتحدث عن ذلك في مقال لاحق. الشكوي تكون لله فقط فهو القادر علي رفع البلاء، وما أستطيع قوله هو.. صحة المصريين.. العوض علي الله.