هل يكون هذا العام هو العام الأخير لرؤية السودان الموحد؟ وهل ستكون الانتخابات الرئاسية التي تجري في أبريل القادم مناسبة للاختبار القوي بين القوي السياسية والأحزاب في السودان قبيل الاستفتاء الحاسم لتقرير مصير جنوب السودان العام القادم؟ عشرات الأسئلة تطرح نفسها علي الساحة السودانية التي تشهد الآن حرارة المعركة الانتخابية للفوز بالرئاسة في ظل تنافس ضخم من قادة الأحزاب والكتل السياسية حيث سيشهد السودان أول انتخابات تعددية في تاريخه بعد أن تعود علي الاستفتاءات لانتخاب مرشح وحيد كان يفوز دائما بالأغلبية الساحقة، الرئيس عمر حسن البشير الذي صدر بحقه العام الماضي قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس أوكامبو بالقبض عليه لمحاكمته بتهم ارتكاب جرائم تصفية عنصرية بحق سكان دارفور فاتجه إلي الاهتمام بالرد علي تلك الاتهامات بشكل عملي في الداخل وخاصة تجاه الأوضاع في دارفور التي هدأت إلي حد كبير واختفت أخبار المذابح والمعارك من صدارة النشرات الإخبارية في تليفزيونات العالم وبدا أن للبشير قدرة فعلية علي لحم قوات الجنجويد التي خاضت الحرب ضد أغلب قبائل دارفور وحظيت ميليشيات الجنجويد بدعم من حزب المؤتمر الشعبي الإسلامي الذي يترأسه الشيخ حسن الترابي والذي أعطي لتلك الحرب طابعا دينيا علي الرغم من أن الغالبية الساحقة من سكان دارفور هم من المسلمين. وأوكل البشير لقطر مهمة إيجاد حل سريع لمشكلة دارفور حيث استضافت الدوحة منذ أيام جولة مفاوضات جديدة بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور بسبب التباين الشديد في مواقف الطرفين. واستبدلتها بمشاورات أجرتها مع وفدي الطرفين في محاولة للتقريب بينهما واستقبلت الدولة مجموعتي أديس أبابا وطرابلس للانضمام إلي المحادثات التي ترعاها فيما تجري اتصالات مع مجموعة باريس التي يقودها رئيس حركة تحرير السودان عبدالواحد نور لدعوته إلي المفاوضات ولكن نور اشترط مناقشة موضوع تقرير مصير دارفور مثلما الحال في الاتفاق الذي تم مع الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان اتفاق ماشا كوس، الذي أعطي لسكان الجنوب الحق في تقرير مصيرهم في استفتاء سيجري في بداية العام القادم ولا تقبل الحكومة السودانية فكرة إعطاء سكان دارفور حق تقرير المصير علي أساس أن مشاكل دارفور محلية ومختلفة وأن جزءاً كبيراً منها سببه نقص المصادر المائية بالذات وهي تحتاج لمشروعات لدعم البنية الأساسية الضعيفة في الجنوب بتمويل دولي، واستبعاد التحريض الدولي لتفكيك السودان قطعة قطعة.، توظيف المشاكل في الانتخابات وفيما يحاول الرئيس البشير سرعة التوصل لحل لمشكلة دارفور يساعده في الفوز في الانتخابات الرئاسية فإن منافسيه ربما يحاولون استمرار مشكلة دارفور وعدم سلخها عن بقية مشاكل السودان وذلك في سبيل إحراج البشير وإظهار ضعفه ومحاولة إسقاطه في تلك الانتخابات حتي باستدعاء الضغوط الخارجية وتوظيف قرار المدعي العام أوكامبو بالقبض عليه لمحاكمته علي الجرائم التي وقعت في دارفور. ولكن أهم التحديات تبرز من جانب رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي رئيس حزب الأمة الذي يحاول الانتقام سياسيا من الرئيس البشير الذي أطاح به في الانقلاب الذي قام به في 1989. ويتزعم صادق المهدي "74 عاما" أهم وأكبر الأحزاب السودانية إلي جانب أنه أمام جماعة الأنصار الصوفية التي يعود تأسيسها إلي المهدي الذي هزم قوات الجنرال البريطاني جوردون في 1885 ليمسك بزمام السلطة في الخرطوم ورشح الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي يتزعمه محمد عثمان الميرغني الناطق باسم الحزب حاتم السر للمنافسة علي منصب الرئاسة واعتبرت جهات سودانية هذه الخطوة تكتيكية من جانب الحزب الاتحادي لمساومة حزب المؤتمر الحاكم للتنسيق معه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وانتخابات حكام الولايات وهو ما اعتبره الحزب الاتحادي محاولة للتشويش علي موقف الحزب مشيرا في تصريحات لقيادي في الحزب الحاكم في حاجة إلي المعارضة وأن الاتحادي منفتح علي كل الاحتمالات أما الجنوب فقد رشح شماليا للرئاسة وهو الناطق باسم الحركة الشعبية ياسر عرمان فيما أعلن سلفا كير النائب الأول للرئيس السودان ورئيس حكومة الجنوب أنه لن يترشح لرئاسة السودان مفضلا فيما يبدو الاحتفاظ بحقه في الترشيح لرئاسة الدولة الجديدة في الجنوب وخاصة أنه سيعيد ترشيح نفسه لرئاسة حكومة الجنوب ولم ينافسه أحد علي هذا المنصب. السودان في سباق مع الوقت مفاوضات وانتخابات واستفتاءات وفي الخارج واتهامات ومحاكمات كلها ستحدد مستقبل السودان الذي يعيش هذا العام أخطر أعوامه وربما آخر أعوامه موحدا.