تشير كل الدلائل وما يجري علي الأرض إلي أن عام2010 سيكون أكثر الاعوام أهمية في تاريخ السودان الحافل بالاحداث والتغييرات, حيث سيكون عاما تحسم فيه أهم قضيتين تشكلان مصيره وهما قضية وحدته وسلامه عبر الانتخابات المقررة في أبريل المقبل. واستفتاء تقرير المصير لجنوب السودان المقرر بعد نهايته بأيام, بينما تنتظر فيه مشكلة دارفور ومشكلات أخري حلولا مرضية دائمة. وكل هذه القضايا لازالت تحيط بها الكثير من التعقيدات والمشاكل, و مازالت الضبابية تحيط بالموقف السوداني كله, فالقوي السودانية أبعد ما يكون عن صياغة وفاق وطني ينقذ أوضاع البلد والانتخابات التي كانت في السابق ينظر اليها باعتبارها مخرجا آمنا توجه اليها الشكوك الآن قبل اجرائها, وقد شمل ذلك الاحصاء السكاني والتسجيل الانتخابي ويخشي أن تؤدي الانتخابات الي ما لايحمد عقباه إذا لم تجر في اجواء ديمقراطية سلمية, كما حدث في كينيا وزيمبابوي و إيران وغيرها. أما قضية امكانية بقاء السودان وطنا موحدا, فقد أصبح السودان الآن ينتظر معجزة من السماء في ظل المعطيات الراهنة, ليس لانه لاتوجد عوامل موضوعية تدفع لبقاء واستمرار هذه الوحدة, ولكن لان النخبة السودانية في الحكم والمعارضة ليس لديها برنامج لهذه الوحدة متفق عليه واضاعت جميعها السنوات الخمس الماضية من الفترة الانتقالية والتي كانت فرصة نادرة وأخيرة لإقامة الوحدة المنشودة أو حتي في وضع لبنات صلبة لبنائها وبقدر الفشل في بناء وحدة السودان هناك عجز عن الاتفاق علي انفصال آمن للجنوب أو حتي وضع تصور له, وكل المؤشرات تؤكد ان نتائجه ستكون كارثية علي الشمال والجنوب والمنطقة بأسرها, وان مسلسل التقسيم لن يتوقف عند حدود الجنوب إذا بدأ وقد يمتد لمناطق أخري في السودان. وسوف يرث عام2010 في السودان العديد من المشكلات من عام2009 الذي كان طويلا حافلا بالاحداث, فعلي الصعيد السياسي صدر في شهر مارس الماضي قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور, وهو الأمر الذي لم تعترف به الحكومة السودانية أو تتعامل معه, وان ترك تأثيرا كبيرا علي مجمل الأوضاع بل مضي حزب المؤتمر الوطني الحاكم في مؤتمره العام الثالث إلي انتخاب الرئيس البشير لرئاسة الحزب لفترة قادمة وكذلك الي اختياره كمرشح لفترة رئاسية مقبلة في الانتخابات المقررة في أبريل من العام المقبل. وظلت علاقة شريكي الحكم في السودان المؤتمر الوطني والحركة الشعبية كما كانت طوال السنوات الماضية من الفترة الانتقالية تتراوح بين شد وجذب ومد وجزر.. وقد وصلت الأمور ذروتها بين الطرفين أكثر من مرة, وحدث ذلك حين لوحت الحركة الشعبية وهددت بامكان اتخاذ قرار انفصال الجنوب مبكرا من داخل البرلمان إذا ما استمر المؤتمر الوطني بوضع العراقيل أمام اجازة قانون الاستفتاء, وكذلك حينما اتجهت الحركة الشعبية لعقد مؤتمر جوبا للاحزاب السياسية بالجنوب رغم مقاطعة المؤتمر الوطني الذي اعتبر الاجتماع مؤامرة علي اتفاق السلام وهو ما اعتبر محاولة لممارسة مزيد من الضغوط علي المؤتمر الوطني. و شهد عام2009 اخفافا في التوصل إلي حل سياسي دائم لمشكلة دارفور عبر منبر الدوحة وان كان قد شهد تهدئة في الشهور الأخيرة مع تشاد انعكس الي حد ما علي الأوضاع بدارفور, كما شهد عدة محاولات أخري لتوحيد الفصائل المسلحة بدارفور من بينها ملتقي القاهرة لتوحيد فصائل دارفور. وشهد السودان عام2009 التحكيم الدولي بشأن تحديد حدود منطقة ابيي المتنازع عليها ولكن القرار الدولي علي مايبدو لم ينه الازمة, فعرب المنطقة من قبيلة المسيرية يعتبرون ان مناطقهم قد اقتطعت لصالح الجنوب في حال انفصاله مستقبلا, كما اعترضت قيادات الجنوب علي ضم مناطق حقول البترول بعجليج لصالح الشمال. وأعلنت واشنطن أخيرا سياستها تجاه السودان التي جددت بموجبها العقوبات ولوحت بالمزيد كما وعدت بالحوافز, واستهدفت مراقبة تطور الخرطوم في تنفيذ التزاماتها, وهاهو العام الذي يوشك علي الرحيل يرحل قضاياه المتعسرة الي عام آخر سيكون عاما حاسما وجوهريا في تقرير مصير السودان ومدي امكان بقائه ككيان موحد عبر عمليتين في غاية الأهمية هما الانتخابات والاستفتاء المرتقب بنهاية هذا العام الحاسم.