عقارب الساعة تشير إلي انتهاء موعد الاقتراع والتصويت في اول انتخابات سودانية بعد نحو اربعة وعشرين عاما لاخر عملية انتخابية ديمقراطية شهدتها الساحة السودانية عام 1986 قلوب وأفئدة السودانيين تدمر وتخنق وتزداد وتيرة الترقب الحذر والقلق المشوب بأماني الحرص علي تخطي هذه المرحلة العصيبة في تاريخ السودان بسلام والقلق والحذر لا يتوقفان عند السودانيين وحدهم اصحاب الشأن الاول في هذه الانتخابات لكنه يتعداهم الي خارج حدود القطر اقليميا وعالميا وعربيا بالرغم من ان كل المؤشرات والتوقعات علي جميع المستويات تشير الي فوز عمر البشير وحزبه "المؤتمر الوطني" بالانتخابات ليصبح رئيسا شرعيا للبلاد جاء عبر قنوات شرعية الا ان القلق يأتي الي ما بعد ذلك لان الشيء الهام الذي يطرح نفسه بقوة هو ان الرئيس البشير القادم لفترة رئاسة جديدة سيتحمل مسئولية تاريخية عظيمة وكبيرة نظرا للتحديات الكبيرة التي يعيشها المواطن السوداني بل الوطن كله خلال هذه الفترة خاصة هذه المرحلة والتي تعد من اصعب المراحل لرؤية الابعاد الحقيقية لهذه المسئولية التاريخية وهي الاشهر القليلة لقضية وعملية الاستفتاء علي تقرير مصير البلاد اولا هل سيظل سودانا موحدا ام سينفصل الجنوب ويقرر مصيره إن قضية الوحدة السودانية هي الشاغل الحقيقي ليس للسودان وحده بل لكل القوي الخارجية بالرغم من بارقة الامل التي اعلنها البشير نهاية حملته الانتخابية عندما اعلن ان هناك استطلاعا سريا اجري بالجنوب وجاءت نتيجته ان 40% من المواطنين الجنوبيين مع الوحدة و30% مع الانفصال و30% لم يحددوا موقفهم بعد. علي كل ستكون هذه الانتخابات مقدمة لترسيم المعالم الجديدة لخريطة السودان اكبر بلد افريقي وعربي ففي الشمال غالبا سيواصل حزب المؤتمر الوطني هيمنته علي العملية السياسية وفقا للنتائج الانتخابية المتوقعة والتي من خلالها يستطيع التمكن من استكمال بنود اتفاقية السلام بنيفاشا الي جانب ذلك من المتوقع ايضا ان تختفي من الساحة السياسية كثيرا من مقومات الاحزاب السياسية التاريخية والتي قاطعت الانتخابات ولم تشارك فيها وتختفي من الحراك السياسي والذي تأتي قراراته عبر القنوات الشرعية وهي البرلمان. اما في الجنوب فستتواصل الاستعدادات لإتمام عملية الاستفتاء العام المقبل 2011 من اجل تقرير مصير الاقليم، ومن المتوقع ان تنحني الحركة الشعبية لكل العواصف السياسية والامنية والصراعات الداخلية بين قياداتها ما بين مؤيد للانفصال وآخر للوحدة وذلك من اجل تحقيق استراتيجية الحركة الاخيرة الخاصة بها سواء التي تؤمن بها او التي تملي عليها من القوي الخارجية. ثم هناك مشكلة دارفور وهو الاختبار الذي لم يحدد بعد فقد علقت المفاوضات مع الحركات التي بدأت الحكومة التفاوض معها ووقعت معها اتفاقات اطارية الي ما بعد الانتخابات وسوف تتم وفقا للظروف الجديدة وايضا الدخول في تفاوض مع الحركات الاخري وهنا يبقي مصير دارفور مجهولا، حيث إن جميع الاحتمالات ما زالت مفتوحة ومتوقعة. ايضا سيعاني ويواجه الرئيس الجديد من التدخلات التي قد تحدث من القوي السياسية والدولية الخارجية اثناء الاستفتاء علي تقرير مصير الاقليم الجنوبي وهذه القوي لها مصالح عديدة بالسودان حيث انه يمثل عمقا استراتيجيا في القارة الافريقية وللمنطقة العربية والذي يملك العديد من الثروات وستواصل هذه القوي ذات المصالح التدخل بكل الطرق مغلبة مواجهة كل هذه التدخلات والتعامل معها وتحويلها لمصلحة السودان الي جانب ذلك هناك تحديات اخري مهمة جدا وهي لابد ان ينظر بواقعية الي الواقع الذي يعيشه السودان ويعيشه المواطن السوداني وبالتالي وضع كل الآليات الاصلاحية وفقا للواقع وإكمال مسيرة برنامجه التنموي الداخلي وبرنامجه الانتخابي والذي انتخبه المواطن السوداني من اجله.. الي جانب التحدي الكبير من القوي السياسية بالبلاد بصفة عامة وايضا ما سيواجه داخل حزبه وخاصة بعد ظهور قيادات جديدة ظهرت علي السطح اثناء العملية الانتخابية فهل يستطيع تجديد الدماء في الهيئة التنفيذية والسياسية والتي ستعمل معه خلال فترة رئاسته القادمة وفقا لما تتطلبه وتحتاج من عناصر جديدة ذات فكر ورؤية جديدة؟ والاهم من ذلك التشكيل الحكومي القادم والذي يتطلب ان تشارك فيه العديد من القوي السياسية الاخري والتي تحالفت معه ودعمته وايضا القوي التي لها وزن سياسي وذات خبرة سياسية طويلة لكي يعبر بقضايا السودان الي ما بعد الاستفتاء ومواجهة التحديات الدولية والاقليمية والذي يتطلب حكومة وطنية ذات قاعدة سياسية عريضة. فهذا الفوز يجب ان يترجم الي برنامج تنموي وسياسي ومزيد من التواصل مع القوي السياسية واحترام الآخر. وفي النهاية يتبقي لنا العديد من التساؤلات: ماذا سيفعل البشير في المرحلة المقبلة ما بعد الانتخابات؟ هل يستطيع ان يشكل حكومة قومية ائتلافية تجمع كل القوي الوطنية.. هل يستطيع تجديد دماء القيادات داخل حزبه؟ عليه ان يقرأ الواقع قراءة صحيحة ففي غمرة الفوز لابد ألا ننسي التحديات التي ستواجهها البلاد سواء داخليا او خارجيا وهذا لن يتأتي الا بحشد كل القوي السودانية الوطنية من اجل عبور كل التحديات.