أصدر السيد عبدالعظيم وزير محافظ القاهرة قرارا بمعاقبة كل من يلقي مخلفات من سيارته بغرامة تتراوح بين ألف وخمسمائة وثلاثة آلاف جنيه وهو قرار رشيد يدل علي تحضر وفهم لقيمة النظافة في عاصمتنا، التي ثقل كاهلها من كثرة ما تراكم عليها من مخلفات وقمامة وقاذورات ظلت تتراكم علي مدي سنوات بينما السيد المحافظ وسابقوه من زملائه المحافظين ظلوا مكتوفي الأيدي يشاهدون تلك التلال وهي تعلو أمام أعينهم ولا يفعلون شيئا! إلي أن هدي الله تفكير السيد المحافظ أطال الله بقاءه وخرج علينا بقراره الخطير، الذي سيردع كل من تسول له نفسه أن يلقي شيئا من سيارته! لكن الشيء الغريب أن سيادة المحافظ فيما يبدو يعتقد أنه حاكم مدينة باريس وليس القاهرة، واعتقد أيضا أن النظافة هي السمة الغالبة للعاصمة ولم يبق سوي ردع السيارات حتي يصبح كل شيء علي ما يرام! لقد اختار السيد عبدالعظيم وزير توقيتا أصبحت فيه فضيحتنا من تراكم القمامة تتردد أصداؤها في كل الدنيا بينما نحن هنا نسوق المبررات أن قتل الخنازير هو السبب أو أن الشركات التي تتولي النظافة هي السبب أو.. أو.. أسباب كثيرة سيقت لكن المشكلة لم تحل! كنت أتمني لو سار سيادة المحافظ بقدميه أو حتي بسيارته في شوارع مصر الجديدة ومدينة نصر خاصة شارع مصطفي النحاس، ليري تلال القمامة التي تقطع عرض الشارع وتعلو في كارثة بيئية وحضارية ليس لها مثيل في العالم! بل كنت أتمني لو سار سيادته خلف مبني التليفزيون ليري بنفسه أنه لم ينتقل وحسب إلي مدينة أخري أو قرية أخري، بل إلي عصر آخر يعود به إلي زمان مضي! وكنت أتمني لو صعد سيادته إلي الطريق الدائري من مطلع الأوتوستراد متجها إلي الجيزة ليشاهد بنفسه الجرائم التي ترتكب في حق الشعب المصري المغلوب علي أمره، والذي لم يفكر يوما أن يغرم مسئولا قصر في حقه أو أن يعاقب من جعله يعيش اليوم عيشة متخلفة لا تتوافر فيها الحد الأدني من النظافة! ثم أصبحت كل المشكلة أن يغرم من يلقي القمامة من سيارته كما لو لا تتطاير إلا من السيارات! كلامي هذا لا يعني أنني أدافع عمن يرتكب خطأ من سيارته ولكن كلامي يعني أن تقوم محافظة القاهرة وكل المحافظات ببديهيات واجباتها وهي نظافة هذا البلد أولا، والتي أصبحت قذارة شوارعه مضرب الأمثال! وكلامي هذا لا يعني أيضا أنني لا أعرف أننا شعب غير نظيف، وأننا نهتم بنظافة بيوتنا ولا يعنينا أبدا نظافة شوارعنا ولا نعلم أولادنا النظافة كما أمرنا ديننا لكني أدرك أيضا أن السلطة التنفيذية هي أيضا عليها دور كبير لم تقم بأي شيء فيه، بل كان لها الفضل فيما وصلنا إليه من حال بإهمالها وتهاونها والاهتمام بشوارع دون شوارع وأحياء دون أحياء ومدن دون مدن حتي وصل بنا الحال أن سدت القمامة شوارعها بأكملها بل وأعاقت حركة المرور فيها وفي كل هذا لم ير السيد محافظ القاهرة من حل سوي هذا الحل الكوميدي الذي أعتقد أنه لن يجد له ضحايا، ولو وجدهم لن يجد في جيوبهم ثلاثة آلاف قرش، فهناك مسئولون غيره قد سبقوه إلي هذه الجيوب وتركوها نظيفة!