«القومي للطفولة» يجدد التزامه بحماية الأطفال من الاستغلال    البترول: وضع بئرين جديدتين من الزيت الخام على خط الإنتاج خلال يونيو الجاري    أسعار الفاكهة اليوم الخميس 12-6-2025 فى الإسماعيلية    تراجع أسعار العملات العربية في بداية تعاملات الخميس 12 يونيو    أسعار اللحوم البلدية اليوم الخميس 12-6-2025 فى الإسماعيلية    النقل تناشد المواطنين المشاركة فى مواجهة رشق الأطفال للقطارات بالحجارة    "مصير الملكية".. المالية تكشف تفاصيل صكوك رأس شقير وخفض المديونية    «إسكان بجامعة القاهرة» تسابق الزمن لاستكمال مشروع سكن أعضاء هيئة التدريس    وزير الخارجية لرئيس شركة سكاتك النرويجية: ندعم الشركات الأجنبية العاملة في مصر    برئاسة السيسي وولي العهد، تعرف على أهداف مجلس التنسيق الأعلى المصري السعودي    أمريكا تستعد لإصدار أمر بمغادرة موظفين من سفارتها ببغداد    وزير خارجية ألمانيا يصل مصر في أول زيارة رسمية له إلى الشرق الأوسط    النواب الإسرائيليون يرفضون اقتراح المعارضة لحلّ الكنيست    افتتاح المونديال يقترب.. الأهلي يواصل تدريباته استعدادًا لإنتر ميامي    اليوم.. نهائي كأس عاصمة مصر بين سيراميكا والبنك الأهلي    نجم ريال مدريد يختار البقاء    متاحة إلكترونيا.. تعرف على نتائج امتحانات صفوف النقل في الجيزة    محافظ المنوفية يشدد برفع درجة الاستعدادات قبل ماراثون الثانوية العامة    خلاف انتهى بجريمة بشعة.. حبس المتهم بقتل جاره في مشاجرة بالصف    الفنون التشكيلية ينظم احتفالية كبرى لإحياء الذكرى 119 لحادثة دنشواي    نيابة الشرقية تصدر قرارا بشأن والدى عروس الشاب المصاب بمتلازمة داون    سفير أوزبكستان: نلتزم ببناء الجسور مع مصر من خلال الدبلوماسية الثقافية    الغفوة الصباحية بين الراحة الوهمية وتشويش دورة النوم.. ماذا يقول العلم؟    خلال 1000 يوم.. خطة صحية شاملة لتطوير الخدمات وخفض مؤشرات سوء التغذية    منظمة الصحة العالمية: رصد متحور كورونا جديد بصورة متقطعة في ألمانيا    إصابة شخصين بطلق نارى فى مشاجرة بين أبناء عمومة بالعسيرات سوهاج    لهذا السبب.. مصطفى شعبان يتصدر تريند "جوجل"    مصرع طالب وإصابة آخر فى انقلاب سيارة بالترعة فى جرجا سوهاج    كل ما تريد معرفته عن نظام المنافسة فى كأس العالم للأندية 2025    أقرب رفيق.. برقية تهنئة من زعيم كوريا الشمالية لبوتين بمناسبة يوم روسيا    رايندرز يعلق على انضمامه لمانشستر سيتي برسالة حماسية    ترامب: أمريكا ستحصل على المعادن من الصين.. والرسوم الجمركية سترتفع ل55%    أمين الفتوى يوجه رسالة لمن يفوته صلاة الفجر    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 12 يونيو 2025    مصرع فني تكييف أثناء عمله في قنا    مراد مكرم ساخرًا من الأوضاع والنقاشات في الرياضة: بقى شغل عيال    تقرير يكشف حقيقة مفاوضات النصر السعودي مع إيمري    الكنيست الإسرائيلي يصوت على حل نفسه.. ونتنياهو يضغط على الحريديم    السيطرة على حريق شب داخل عقار سكني بمصر القديمة    أثار البلبلة بمنشور غامض، أول قرار من الزمالك ضد أحمد حمدي    فيرمينو يتلقى عرضا من الدوري القطري    منطقة المنوفية الأزهرية تعلن أسماء أوائل الشهادة الإعدادية للعام الدراسي 2024/2025    أنغام تدعو بالشفاء لنجل تامر حسني: «ربنا يطمن قلبك وقلب أمه»    ترامب: لن نتهاون مع الفوضى وسنُعيد قوة الولايات المتحدة سريعًا    العرب في عصر المعرفة.. مصر (3)    مسلم يعلن تعرض زوجته لوعكة صحية ونقلها إلى المستشفى    «الفشة» ليس لها أي أضرار أو تأثيرات سلبية على صحة الدماغ أو القلب    نقيب المحامين يدعو مجلس النقابة العامة و النقباء الفرعيين لاجتماع السبت    محافظ الدقهلية في زيارة مفاجئة لجمصة: رفع مستوى الخدمات استعدادًا للصيف    صور| أسماء أوائل الشهادة الإعدادية الأزهرية في قنا    خاص| الدبيكي: لجنة قطاع العلوم الصحية تبدأ أولى خطواتها لإصلاح تطوير التعليم الصحي في مصر    حكم توزيع لحوم الأضحية بعد انتهاء أيام عيد الأضحى    «الري»: الإجراءات الأحادية لإقامة السدود تُهدد الاستقرار    "هيكون نار".. تركي آل الشيخ يشوق متابعيه لفيلم الفيل الأزرق 3    بعد تعافيه من عملية القلب، صبري عبد المنعم يوجه رسالة لجمهوره    آداب الرجوع من الحج.. دار الإفتاء توضح    الطب البيطري: نجاح عملية ولادة قيصرية لقطة بالغربية -صور    هل لديك نظر حاد؟.. اعثر على حبات جوز الهند الثلاثة في 12 ثانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصحة الواحدة.. رؤية شاملة تحولها من نظرية علمية إلى نمط حياة
عندما تتحدث البيئة والإنسان والحيوان بلغة مشتركة
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 11 - 06 - 2025


◄ دواء تُلقيه في الحوض قد يعود إليك في طبق السمك
في عصر تتسارع فيه التغيرات البيئية والصحية على نحو غير مسبوق، لم يعد من المقبول أن ننظر إلى صحة الإنسان، أو الحيوان، أو البيئة كجزرٍ معزولة. بل بات من الضرورى أن نعيد ترتيب أولوياتنا وفق رؤية شاملة، تدمج بين هذه العناصر الثلاثة.
هذه الرؤية هى ما نُطلق عليه مفهوم «الصحة الواحدة»، والذى لم يعد ترفا علميا أو مصطلحا أكاديميا، بل أصبح ضرورة وجودية، واستراتيجية بقاء للمجتمعات الحديثة.
يكفينا أن نرجع بالذاكرة إلى جائحة كوفيد-19، لندرك كيف أدى فيروس منشؤه الحيوان إلى شلل عالمى فى الاقتصاد والتعليم والسلوك البشرى، فضلا عن الضغوط الساحقة على أنظمة الرعاية الصحية. قبلها، كانت هناك أوبئة مثل إنفلونزا الطيور والسارس، كلها بدأت من تماس مباشر بين البشر والحيوانات، فى ظل غياب ضوابط بيئية وصحية واضحة.
الأمر لا يتوقف عند الأمراض المعدية، فمقاومة المضادات الحيوية، وهى أحد أخطر التحديات الطبية فى القرن الحالى، ترتبط بشكل وثيق بالاستخدام غير المنضبط للمضادات فى تربية الحيوانات، وسوء التخلص من الأدوية فى البيوت والمنشآت الصحية.
إننا نعيش فى نظام بيئى مترابط، وأى خلل فى أحد أضلاعه سرعان ما ينعكس على بقية العناصر. ولهذا، فالصحة الواحدة ليست فقط مقاربة علمية، بل هى فلسفة إدارية، ورؤية تكاملية يجب أن تؤطر جميع السياسات العامة فى الدولة، من الزراعة إلى الإسكان، ومن التعليم إلى البيئة.
◄ من الحكومة إلى المواطن
ينبغى ألا نُحمل جهة واحدة عبء تطبيق هذا المفهوم. بل المطلوب هو تنسيق متعدد المستويات، فعلى المستوى الدولى، هناك منظمات كمنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة والمنظمة العالمية لصحة الحيوان، والتى توفر أطرا علمية وتوصيات للعمل المشترك عبر الدول.
أما على الصعيد الوطنى، فأقترح إنشاء لجنة عليا للصحة الواحدة فى مصر تضم ممثلين عن وزارات الصحة، البيئة، الزراعة، التعليم العالى، البحث العلمى، والمجتمع المدنى. مهمتها صياغة خريطة صحية وبيئية موحدة، والتدخل بشكل استباقى فى القضايا ذات الطابع المركب، كالسيطرة على الأمراض المشتركة، ومراقبة استخدام المبيدات، وضبط أنظمة إنتاج الغذاء.
لكن يبقى الأساس الحقيقى فى المواطن نفسه. فالصحة الواحدة تبدأ من سلوك فردى بسيط: كيف تتعامل مع مياه المطبخ؟ كيف تُخزن الأدوية؟ كيف تتخلص من النفايات؟ هذه التفاصيل الصغيرة تشكل فى مجموعها الخط الدفاعى الأول ضد الأمراض والتلوث.
◄ مياه الحنفية كمثال
لنأخذ المياه كمثال، فما يصل إلينا من مياه عبر الحنفيات يمر بسلسلة طويلة من المعالجة والتنقية، لكن حين يُلقى البعض بالأدوية منتهية الصلاحية أو المواد الكيميائية فى الأحواض والمراحيض، فإن هذه المواد قد تتسرب إلى شبكة الصرف، ومنها إلى محطات المعالجة أو، فى أسوأ السيناريوهات، إلى نهر النيل، لتعود إليك هذه الأدوية والمواد الضارة فى طبق سمك مصدره مياه النيل، أو في نبات تم ريه بتلك المياه.
تظهر هنا أهمية الصحة الواحدة فى التوجيه نحو سلوك بيئى مسئول. نحتاج إلى إنشاء نقاط تجميع آمنة فى الصيدليات والمراكز الصحية للأدوية المنتهية أو الفائضة، مع قوانين تنظم التخلص منها بطريقة تحافظ على سلامة المياه، وبالتالى سلامة الإنسان والحيوان.
والنفايات الصلبة مثال آخر، فإن لم تُفصل وتُدار بشكل سليم، تتحول إلى بؤر لتكاثر الذباب والناموس، وتصبح مرتعا للأمراض مثل حمى الضنك والليشمانيا والكوليرا.
لكن فى المقابل، إذا تم تبنى منظومة متكاملة لإعادة التدوير، فسنحصل على سلسلة من الفوائد هى: تقليل الانبعاثات الغازية الناتجة عن التحلل العضوى للنفايات، الحد من تلوث التربة والمياه الجوفية، خلق فرص عمل خضراء فى مجالات الجمع والفرز والمعالجة، والأهم، تعزيز ثقافة المسئولية الفردية والوعى البيئى.
ويمكن للدولة أن تطلق برنامجا تحفيزيا ذكيا، يربط بين فصل القمامة فى البيوت وحوافز مثل تخفيض فواتير الكهرباء أو منح نقاط شراء رقمية.
ولا يمكن بناء مجتمع صحى بيئيا دون إصلاح جذرى فى منظومة التعليم. يجب أن يتعلم الأطفال، منذ المراحل الأولى، كيف تتداخل صحتهم مع سلوكهم الغذائى والبيئى، وأن يفهموا أن رمى كيس بلاستيك فى الشارع قد يعود إليهم على شكل بعوضة ناقلة للعدوى.
ينبغى أيضا دعم إنشاء برامج دراسات عليا مشتركة بين كليات الطب والبيطرة والزراعة والعلوم البيئية، لتخريج كوادر قادرة على فهم التحديات المركبة التى لا تنتمى لتخصص واحد فقط.
◄ رسالتي للمسئول.. والمواطن
وأخيرا، فإن رسالتى إلى صانع القرار: لا تفصلوا بين السياسة العامة والصحة العامة، أى قرار اقتصادى أو عمرانى أو زراعى يجب أن يمر عبر مرشح «الصحة الواحدة». الكلفة التى ندفعها اليوم فى تطوير السياسات البيئية، أقل بكثير مما سندفعه لاحقا فى مواجهة الكوارث.
وإلى المواطن: لا تقل إنك وحدك لا تغير شيئا، فكل سلوك بسيط فى منزلك، سواء فى استخدامك للمياه، أو طريقة تعاملك مع النفايات، أو حتى تربيتك لحيوان أليف، له أثر تراكمى على صحة المجتمع كله.
فالصحة الواحدة ليست علما جديدا بقدر ما هى عودة للفطرة السليمة: أن نحترم الطبيعة، ونحترم الحيوان، ونفكر فى صحة غيرنا كما نفكر فى أنفسنا.
■ د. محمد غراب
الباحث في وكالة حماية البيئة الأمريكية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.