العدالة هي القيمة الأسمي التي جاء الإسلام ليحققها علي الأرض، وآيات القرآن الكريم لم تترك مسألة العدالة للاجتهاد الإنساني بل شددت عليها ففي أكثر من آية علي قيمة العدل كأعلي قيمة إنسانية تعلو حتي فوق الشريعة نفسها، في قوله تعالي "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" وقرن الله تعالي بين العدل والإحسان في قوله. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي". وفي الحديث القدسي حرم الله الظلم علي نفسه وهو حديث كاشف وكأن الله سبحانه وتعالي يقول لعباده إن بينه وبينهم عهدا ألا يظلمهم بل وكان العدل هو اسم من أسماء الله الحسني وكان هذا دين المسلمين في المدينة، خلال فترة النبوة، وكان العدل هو الأصل الذي يسعي المجتمع النبوي إلي تحقيقه، والأحاديث في هذا الشأن عديدة وأكثر مما تحصي، إلا أن المسلمين بعد فترة النبوة وبعد خلافتي سيدنا أبو بكر الصديق وعمر اختلفوا علي أنفسهم، وتراجع العدل قليلا لتحل محله اعتبارات القرابة، وبدأت الفتنة ثم استقرت دولة الإسلام علي ملكية راسخة يتوارثها أبناء البيت المختار سواء كان هذا البيت أمويا أو عباسيا أو حتي عثمانيا وطوال هذا التاريخ اجتهد علماء السلطان في تفريغ الإسلام نفسه من قيمة العدل التي جاء ليحققها، فالإسلام الذي فتح الامصار لم يعرف طوال 14 قرنا سوي 5 خلفاء راشدين 4 في عهد النبوة والسنوات التي تلتها والخامس عمر بن عبدالعزيز الذي حاول رد مظالم أسرته الأموية ولم تسعفه قصر الفترة التي حكم خلالها، 5 خلفاء راشدين فقط علي امتداد التاريخ الإسلامي ولم يظهر إلي الآن الحاكم المسلم الراشد السادس، والمفارقة هي أن آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة جعلت الفضل بين الناس علي أساس التقوي وسادت بين الناس حتي من غير المسلمين أمام الله سبحانه وتعالي وهي المرجعية الأعلي للإنسانية مسلمين وغيرهم إلا أن فقهاء الخلفاء فعلوا مثلما يفعل "ترزية القانون" الآن ففرغوا أحكام الشريعة من قيمة العدل مثل أن تأتي اللائحة التنفيذية لأي قانون فترفعه من محتواه وتجعل من نصوصه عبئا علي العدالة وليس معينا لها. وتعامل فقهاء المسلمين مع الرقيق شهد بأن فقه الجور كانت له الكلمة العليا، فالنبي صلي الله عليه وسلم قال من قتل عبده قتلناه ومن جدعه جدعناه أو كما قال، وقبل ذلك شدد القرآن الكريم علي أن النفس بالنفس وأن من قتل نفسا بغير نفس كأنما قتل الناس جميعا سواء كان المقتول مسلما أو غير مسلم حرا أو عبدا، ولكن فقهاء الجور جعلوا عقوبة من يقتل عبده أن يؤدي ثمنه إلي بيت المال، ورفضوا تماما قتل المسلم بغير المسلم، وهذه الأحكام التي طالت ملايين البشر في هذه الفترة انسحبت بعد ذلك علي المسلمين الأحرار وأصبح الجور سيفا علي الرقاب واخترع خلفاء المسلمين وسلاطينهم عقوبات لم تنزل في كتاب الله لم تترد دولة إسلامية هي الدولة العثمانية في أن تحكم الشعوب الإسلامية وغير الإسلامية الخاضعة لها بأكثر الطرق وحشية لدرجة وصلت إلي الإبادة في بعض الحالات مع تطبيق ظاهر لممارسات عنصرية بغيضة جعلت المسلمين يدفعون الجزية طالما أنهم غير أتراك كما دفعوها من قبل للخلفاء الأمويين والعباسيين طالما أن هذه الشعوب لم تكن من قبائل الجزيرة العربية. إن قيمة العدل لم تتحقق أبدا في ظل فترات التاريخ الإسلامي وجميع المصادر الإسلامية تجمع علي أن القهر والظلم كانا ديدان كل خلفاء سلاطين المسلمين وأن فقهاء السلطان زينوا علي الدوام لهؤلاء ظلمهم ولووا عنق الشريعة لتأتي المظالم في صورة أحكام شرعية وهذا هو ميراث الظلم والقهر الذي نتجرعه حتي الآن ظلم مثل ظلمات البحر حتي أن الظلم أصبح لصيقا بكل مجتمع إسلامي لا يقدر علي الفكاك منه.