في ظل المساعي الحثيثة التي يبذلها الجانبان التركي والعربي هذه الأيام من أجل الوصول بعلاقاتهما وتعاونهما المشترك علي المستوي الرسمي إلي آفاق أرحب،برزت الجمعية التركية العربية للعلوم والثقافة والفنون" تاسكا" ،بإعتبارها المنظمة الأهلية الأكثر نشاطا في هذا الخصوص لاسيما علي المستوي غير الرسمي ،كما سطع نجم مؤسسها ورئيسها الدكتور محمد العادل ،ذلك التونسي المولد ، فرنسي التعليم،تركي الجنسية ،والذي جعلته نشاطاته المتميزة وجهوده التي لا تعرف الملل سفيرا للثقافة العربية في تركيا. لذلك كان هذا الحوار في مقر الجمعية بالعاصمة التركية أنقرة. بداية ..هل يمكن أن تطلع القاريء العربي علي فكرة الجمعية وظروف نشأتها؟ دعني أستهل حديثي معك مرحبا بك. أما عن نشأة الجمعية التركية العربية للعلوم والثقافة والفنون" تاسكا"، فقد تولّت نخبة من الأكاديميين و الإعلاميين و المثقفين الأتراك و العرب ،الذين أتشرف بأني واحد منهم ،مبادرة تأسيسها لقناعتهم بأهمّية الروابط التاريخية و الحضارية التي تربط شعوب و بلدان العالمين التركي و العربي ،حيث قرّروا تأسيس هذه الجمعية لكسر الحواجز النفسية المفتعلة و إزالة الجدران الوهمية بين الأتراك و العرب ،و العمل علي بناء أرضية متينة لإقامة جسور جديدة للتواصل الحضاري و التعاون الإستراتيجي في مختلف المجالات لا سيما مجالات العلوم و الثقافة و الفنون و الإعلام و المجتمع المدني بعيدا عن أية قوالب أيديولوجية تحجّم العمل أو الرؤية ، مع التأكيد علي الإحترام الكامل لخصوصيات الشعوب و البلدان و اعتبار التنوع الثقافي عامل إثراء و تميز في العالمين التركي و العربي . وقد حصلت الجمعية علي التصريح الرسمي من السلطات التركية يوم 2 أبريل عام 2008 كمنظمة أهلية غير ربحية و ذات صفة دولية تمكّنها من فتح فروع و ومثيلات لها داخل تركيا و خارجها ،كما تتمتع بحقّ الإنضمام لمختلف الهيئات و المنظمات الدولية ذات الإهتمام المشترك ، و قد صدرت الموافقة الرسمية أيضا علي تأسيس المعهد التركي العربي للدراسات و التوثيق كمؤسسة علمية و بحثية تابعة للجمعية ، بالإضافة إلي المنتدي التركي العربي للحوار الثقافي الذي سيكون فضاء حرّا يجمع النخب التركية و العربية دوريا لتحقيق المزيد من التواصل و التعاون ، و كذلك مجلّة الحوار التركي العربي كنشرية بحثية فصلية تصدر باللغتين التركية و العربية ، و تتخذ الجمعية من العاصمة التركية أنقرة مقرّا رئيسيا لها،كما أن لها فروعا أخري في إسطنبول ونسعي لتأسيس فروع جديدة في عدد من المدن التركية الأخري. ما هي أهم المقاصد التي تتطلع الجمعية لتحقيقها ؟ تهدف الجمعية إلي بناء جسور متينة للتواصل الحضاري بين شعوب و بلدان العالمين التركي و العربي في مجالات العلوم و الثقافة و الفنون و الإعلام و المجتمع المدني عبرتفعيل اتفاقيات التعاون المبرمة بينهما في هذه المجالات و التشجيع علي توقيع المزيد منها ، كما تسعي لتطوير الرؤي الإستراتيجية لهذا التعاون بما يحقق المصالح المشتركة للطرفين ، و العمل علي تنشيط التعاون بين الهيئات الأكاديمية و المؤسسات العلمية و مراكز الأبحاث و الدراسات و التشجيع علي البحث العلمي. و يأتي مشروع التوأمة بين العديد من الجامعات و الأكاديميات التركية و العربية علي رأس أولويات الجمعية .فضلا عن تفعيل الحضور العلمي و الثقافي و الاعلامي و الفنّي لبلدان العالم التركي في بلدان العالم العربي وتفعيل الحضور العلمي و الثقافي و الإعلامي و الفنّي لبلدان العالم العربي في بلدان العالم التركي ، بالإضافة إلي العمل علي تحقيق المزيد من التواصل و التعاون بين مختلف هيئات المجتمع المدني و وسائل الإعلام و الإتصال في العالمين التركي و العربي لتبادل التجارب و الخبرات و التشجيع علي العمل المشترك. نشاط الجمعية ،هل هو نخبوي أم جماهيري ؟ علي الرغم من أن الجمعية تهتم بالعرب والأتراك في كل أرجاء العالم ،إلا أنني أستطيع القول إن جمعيتنا نخبوية لأن جل نشاطها موجه بالأساس للنخب الحاكمة وصناع القرار والرأي في العالمين العربي والتركي. وفي هذا السياق فقد نظمنا سلسلة من الندوات عن العلاقات بين تركيا وعدد من الدول العربية كل علي حدة كالمغرب ،السودان وغيرهما،ونرتب الآن لندوة سنوية دائمة بعنوان واقع وآفاق التعاون العربي التركي،لكنها ستناقش كل عام ملفا أو محورا من محاور تلك العلاقات . ما هي أبرز المشاريع التي تبنتها الجمعية من أجل تدعيم التقارب التركي العربي؟ قامت الجمعية بمشاريع مهمة وعديدة لتدعيم أواصر العلاقات العربية التركية من أبرزها: مشروع التمكين للغة العربية في تركيا، وهو مشروع يسعي إلي تسجيل حضور إيجابي وفاعل للغة والثقافة العربية في تركيا نظراً للإقبال الكبير علي تعلّم اللغة العربية من قبل مختلف الأوساط الرسمية و الشعبية هناك،ودعماً لتوجّه المؤسسات الرسمية والشعبية التركية ،خصوصا تلك المعنية بتعليم اللّغة العربية في تركيا من خلال توفير المناهج و الدورات الخاصة للمدرّسين في أقسام اللغة العربية بالجامعات التركية تحت إشراف الجمعية التركية العربية ومختلف الهيئات التركية. وتجدر الإشارة إلي أن الجامعات التركية تحوي أكثر من خمسة وعشرين قسماً لتدريس اللغة العربية.. إلا أنها تعاني ضعفاً كبيراً في المقومات التي تنهض من خلالها،ومن هنا فأنا أدعو الجامعات والأكاديميات العربية وكليات وأقسام اللغة العربية في العالم العربي إلي مد جسور التواصل وتقديم الدعم لجامعات وأقسام اللغة العربية في الجامعات التركية. وهناك مشروع يتعلق بإنشاء أو تأسيس أكاديمية للّغة و الثقافة العربية في العاصمة التركية أنقرة تتجاوز البعد اللغوي لتشمل الجوانب الثقافية والحضارية العربية الأخري يتم من خلالها إقامة معارض فنية و ندوات فكرية ومسامرات أدبية وإبداعية وعروضاً فلكلورية بصورة دائمة.. وذلك في إطار إعادة وتفعيل أوجه التعاون المتبادل فيما بين الأتراك والعرب وتجسيد قيم وقواسم الالتقاء والتقارب فيما بينهما بعد الإنتعاشة التي شهدتها العلاقات العربية التركية منذ مجيء حكومة العدالة والتنمية للسلطة في تركيا عام 2002. وهناك كذلك مشروع كبير نعد له الآن من أجل تأليف سلسلة من الكتب الحديثة عن الدول العربية وتركيا أيضا كل علي حدة بغرض تقديم أحدث المعلومات والبيانات للقاريء ورجل الأعمال وصانع القرار في العالمين العربي والتركي،لاسيما وأن غالبية الكتب التي تتحدث عن الدول العربية في تركيا قديمة وتقدم صورة ذهنية بعيدة إلي حد كبير عن الواقع العربي الحالي ،كما هو الحال بالنسبة لكتب عديدة عن تركيا في العالم العربي،والتي أغلبها مترجم من الإنجليزية والفرنسية . وأنا أتصور أن الشراكة الحقيقية تؤسسها العلوم والثقافة والفنون باعتبارها الأدوات الأكثر تأثيراً في التقارب بين الشعوب، أما الاقتصاد والسياسة وإن كانت تحقق جزءاً من هذا التقارب، فإن محركها الأساسي هو صاحب القرار السياسي الذي يستطيع أن يعرقل مسيرتها متي أراد علي عكس مسيرة العلوم والثقافة التي لا يستطيع أحد أن يوقفها لأنها بين الشعوب مباشرة . لذا أردنا أن تكون مبادرتنا في الجمعية مبادرة مدنية لا علاقة لها بأي طرف سياسي أو بقرار سياسي ووجدنا تجاوباً وقبولاً من الجانبين العربي والتركي بل وحماساً لرؤيتنا مما منحنا الإحساس بأننا نسير في الاتجاه الصحيح لتحقيق الشراكة العربية التركية في أوجهها المختلفة. ماذا عن المنتدي الإعلامي العربي التركي؟ يهدف هذا المنتدي إلي تحقيق التواصل والتعاون بين الإعلاميين الأتراك والعرب ومؤسساتهم الإعلامية المختلفة، وذلك لبحث الآليات لمدّ جسور إعلامية مباشرة بين العرب والأتراك، بما يساهم في تهيئة أرضية متينة لإقامة شراكة إستراتيجية بين الأتراك والعرب ،كما أن المنتدي التركي العربي الأول للإعلام والاتصال سيتناول أيضا المجالات المتاحة لإقامة الاستثمارات المشتركة بين الأتراك والعرب في قطاع الإعلام والاتصال، مشيرا إلي أنّه ينتظر أن يشارك في المنتدي العديد من هيئات الإذاعة والتلفزيون الحكومية ووكالات الأنباء الرسمية بالإضافة إلي الفضائيات الخاصة والصحافة المكتوبة والالكترونية ومختلف الهيئات الإعلامية من جمعيات صحفية ونقابات مهنية للإعلاميين والهيئات الأكاديمية ومراكز الدراسات ذات العلاقة بقطاع الإعلام و الاتصال . هل كان لنشاطات جمعيتكم أية أصداء علي أي مستوي؟ لا أبالغ إذا قلت بأن نشاطات جمعيتنا تلقي إهتماما ومتابعة واسعة من الأوساط السياسية والثقافية الدولية.فقد نظمنا في شهر مايو من العام 2008 بالتعاون مع جامعة غازي في أنقرة ندوة عن العلاقات العربية التركية دعي إليها حشد من الدبلوماسيين والأكاديميين ورجال الإعلام والسياسة من الجانبين العربي والتركي .وبمجرد نشر الأخبار عن قرب انعقاد الندوة،انهالت علي الجمعية طلبات من سفارات الدول الغربية الكبري في أنقرة كالولايات المتحدة وروسيا والإتحاد الأوربي من أجل المشاركة في فعاليات الندوة ،بل وحتي السفارة الإسرائيلية نفسها طلبت منا الإذن بالمشاركة لكننا رفضنا توجيه الدعوة لها،ولعل هذا الإقبال علي المشاركة في نشاطاتنا يعكس مدي تقدير العالم لتلك النشاطات . كيف ترون مستقبل العلاقات العربية التركية؟ الحقيقة ،أنا مؤمن بأن مستقبل الأتراك والعرب واحد وأنه لا بد أن تتحول هذه العلاقة وهذا التعاون إلي شراكة إستراتيجية، وهذا أحد أهداف جمعيتنا .وتحقيق هذا الهدف يحتاج إلي أرضية، تتأتي عن طريق النشاط المدني والرسمي من الطرفين، لأن مؤهلات الشراكة الإستراتيجية للطرفين موجودة ولا أتحدث هنا عن المشترك التاريخي والديني فقط، هذا مجرد عامل دافع، لكن الجغرافيا مهمة جدا، فنحن شركاء في الأرض والفضاء الذي نعيش فيه وحوله وإذا أضفنا لها المشتركات الأخري الديني والتاريخي والثقافي وغيرها، فستكون صمام أمان لهذه الشراكة الإستراتيجية. فإذا كنا نتحدث اليوم عن شراكة إستراتيجية بين تركيا وأمريكا والتي لا يجمع بينهما لا بحر ولا بر، فما الذي يمنع أن تكون هناك شراكة مع العرب؟ قناعتي في هذا الأمر، أن لدي الجانب التركي الرغبة والرؤية لهذا الشراكة ،لكن ما يقلق أكثر وأنا أتحدث من باب الغيرة علي هذه العلاقات التركية العربية، أنه لا يبدو لي أن معظم البلاد العربية تملك رؤية واضحة لكيفية تفعيل التعاون العربي-التركي وكيفية تحويل ذلك التعاون إلي شراكة ،أو حتي فهم التحولات في تركيا ، ربما تكون هذه الرؤية موجودة ولكنها ليست واضحة المعالم بالنسبة لي،كما لا توجد هناك رؤية عربية موحدة أو مشتركة للعلاقات مع تركيا.ومن هنا،فإني أتمني أن يتفق العرب علي بلورة تلك الرؤية حتي لا تظل المبادرة والرؤية لمستقبل تلك العلاقات حكرا علي تركيا وحدها، وإلا ستبقي العلاقات غير متكافئة ولن ترقي إلي مستوي الشراكة الحقيقية التي نتطلع إليها .