ربما لن نجد مثل هذه النوعية من التدريبات العسكرية في مجال الدفاع الصاروخي إلا بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل من جانب وعلي مستوي حلف الناتو من جانب آخر وبعيدا عن هذين التجمعين، من النادر أن نسمع إلا تدريبات تقليدية تُشارك فيها المشاة والطائرات والدبابات والقطع البحرية. الدفاع الصاروخي - وليس الجوي- هو أحدث مجالات الدفاع وأكثرها صعوبة، وعدد قليل جدا من الدول هي المُؤهلة للتدريب عليه. وخلال شهر أكتوبر الماضي، وفي نفس توقيت تدريبات النجم الساطع في مصر، كانت الولاياتالمتحدة تُشارك إسرائيل تدريبات "الكُوبرا" للسنة العاشرة في إسرائيل في أكبر مُناورة من هذا النوع، حيث تواجد فيها أربعة نظم دفاع صاروخية من أحدث الموجود علي مستوي العالم من زاوية التقنية والفكر العملياتي الجماعي والتطبيقي. النظام الأول الذي شارك في تدريبات الكوبرا مشهور ومعروف منذ حرب الخليج 1991 وهو نظام "باتريوت" Patriot، والباتريوت صاروخ تم تطويره من صاروخ مُضاد للطائرات، ولم يكن أداء الباتريوت في حرب الخليج جيدا لكن العسكريين احتفوا به علي أساس أنها كانت المرة الأولي التي يشارك فيها صاروخ مضاد للصواريخ في حرب فعلية. وانتهت حرب الخليج، وقررت عدد من الدول امتلاكه، مثل إسرائيل ، منها الكويت وعدد من دول الخليج. وبرغم نتائج الباتريوت المُتواضعة في اعتراض الصواريخ العراقية التي نجحت -في حالة لم تتكرر كثيرا- في ضرب مبني في المملكة العربية السعودية وقتل 24 ضابطا أمريكيا داخله، قام الرئيس بوش الأب بعد انتهاء الحرب بزيارة الشركة المُنتجة للباتريوت لتهنئتها علي قيامها بتطوير هذا النظام الدفاعي الميداني حيث كان وقتها الحديث قاصرا في هذا المجال علي الصواريخ الاعتراضية العملاقة لمواجهة الصواريخ الهجومية العابرة للقارات. ويمكن القول إن الفضل يرجع إلي الصواريخ العراقية -والمصرية في حرب أكتوبر 1973- في جذب الانتباه أن مسرح العمليات الميداني أصبح مُهددا بخطر الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدي، وأن وسائل الدفاع الجوي التقليدية لن تكون قادرة علي حماية مسرح القتال فضلا عن حماية المدن والتجمعات العمرانية. المُهم أن نظام "باتريوت" قد تعرض لعملية تطوير بعد حرب الخليج 1991 نتج عنها نظام مُطور أُطلق عليه اسم باتريوت باك-2. هذا النظام قادر علي اعتراض الصواريخ المُهاجمة عند اقترابها من الهدف علي مسافة 15 كيلومتر، لذلك يصلح في حماية التشكيلات والقطع العسكرية المُشاركة في الحرب. النظام الثاني هو نظام "ثاد" اختصارا لاسمه الطويل "النظام الدفاعي للارتفاعات العالية والمساحات الأرضية الواسعة theTheater High Altitude Area Defense System (THAAD). وقد دخل هذا النظام الخدمة منذ فترة قصيرة، ومر بفترة تطوير وتجارب طويلة قد تصل إلي عشر سنوات، وكما هو واضح من اسمه مٌخصص لحماية منطقة عمليات واسعة، أو منطقة سكانية، أو هدف حساس مٌرتفع القيمة يمكن أن ينتج من تدميره نتائج إستراتيجية خطيرة. وتتطلع إسرائيل إلي الحصول علي أعداد منه، أو أن تترك الولاياتالمتحدة كرما منها وحدة منه بعد انتهاء المناورات. النظام الثالث نظام موجود علي سطح بعض القطع البحرية الأمريكية لاعتراض الصواريخ المُوجهة ضد القطع البحرية. ويجب أن نتذكر هنا أن مصر كانت الأولي التي أغرقت مُدمرة إسرائيلية ضخمة بصاروخ أُطلق عليها من قارب صغير. المٌدمرة الأمريكية "إيجيز" شاركت في تدريبات "الكوبرا" من البحر، وتحمل علي ظهرها "النظام الاعتراضي الدفاعي القياسي الصاروخي إس إم _ 3". ومثل هذه النظم الدفاعية الموجودة في البحر يمكنها حاليا ومع بعض التطوير في المستقبل ألا يقتصر واجبها علي حماية القطعة البحرية الموجودة علي ظهرها ولكن أيضا ومن خلال وجودها في البحر اعتراض الصواريخ وهي في طريقها إلي هدف موجود علي الأرض. والنظام الرابع نظام الأرو الإسرائيلي، وهو تطوير مٌشترك بين إسرائيل والولاياتالمتحدة، وقد تحملت أمريكا كل تكلفة التطوير تقريبا، لكن الغنيمة الكبري لإسرائيل أن مرحلة التطوير قد أتاحت لها فرصة رائعة للحصول علي تكنولوجيات جديدة في هذا المجال وكان معظمها من نتاج مبادرة الرئيس ريجان الإستراتجية للدفاع الصاروخي، ومن خلالها تحققت انجازات غير مسبوقة في مجالات الليزر والكومبيوتر ونظم المعلومات والاتصالات والأقمار الصناعية ، وهو الثمن الذي يجب علي التكنولوجيا دفعه إذا أردنا أن نفكر في اعتراض صاروخ مُهاجم. ونظام الأرو (السهم) دخل الخدمة في إسرائيل منذ عشر سنوات تقريبا، وتم تطويره مُؤخرا ليصبح أرو-2 ، وأهم مميزاته أنه قادر علي اعتراض صاروخ مُهاجم علي مسافة 90 كيلومتر قبل أن يصل إلي هدفه وبالتالي يمكنه حماية مدينة أو تجمع سكني واسع. التدريب علي استخدام مثل هذه النظم "مُجتمعة" في عملية عسكرية واحدة يمثل تحديا كبيرا، وبغير التدريب المٌتكرر والصارم لن تتمكن هذه المنظومة المُركبة من تحقيق الهدف منها. والسبب في ذلك يعود أولا أن الصاروخ الدفاعي الذي يقوم بعملية الاعتراض ليس هو أهم قطعة في المنظومة برغم أنه أشهرها لأنه يغنم "باللقطة" الأخيرة - لحظة تدمير الصاروخ المهاجم وهي لحظة مثيرة جدا بكل المقاييس. فهناك بجانب الصاروخ الدفاعي القمر الصناعي الذي اكتشف في الوقت المناسب أن صاروخا مُهاجما قد انطلق من نقطة محددة وقادم في الطريق. وهناك وحدات الرادار الحساسة والمُعقدة جدا وواجبها متابعة مسار الصاروخ المُهاجم وقياس سرعته وهل هو وحده أم أن صواريخ أخري أو هياكل خداعية قادمة معه. وهناك أيضا وحدات القيادة والسيطرة والاتصال وتصب فيها كل هذه المعلومات لاتخاذ قرارات متتالية بسبب سرعتها ودقتها ليس للجانب البشري جانب كبير في التحكم فيها أو إدارتها. وقد قامت الولاياتالمتحدة مؤخرا بنشر نظام رادار عملاق في إسرائيل تم نقله خصيصا من أوروبا ويقوم علي تشغيله فريق أمريكي ومهمته الكشف المُبكر عن أي صاروخ أو صواريخ مُهاجمة حتي يتمكن النظام الدفاعي من مواجهتها خلال الزمن القصير جدا المتاح. لقد بدأت تدريبات الكوبرا علي أجهزة الكومبيوتر في صورة محاكاة للمعركة بدون دخول الأجهزة الحقيقية حيث خصائصها مُمثلة رياضيا داخل الحاسبات العملاقة. وبعد الانتهاء من هذه المَرحلة تم الانتقال إلي استخدام الأجهزة الحقيقية والصواريخ الحية والبشر والجنود والقادة وكل ما يمثله ذلك من تفاعل حي أهم ما يميزه أنه يجري في زمن فعل قصير للغاية. وتأخذ التدريبات أيضا في الاعتبار أن المُهمة ليست اعتراض صاروخا واحدا، بل التصدي "لقصفة" صاروخية مُكونة من أعداد كبيرة من الصواريخ. والهدف الأساسي من مثل هذه النوعية من المناورات المٌشتركة هو التعامل مع مجموعة من النظم العسكرية المُتقدمة تكنولوجيا، وما يشغلها من أطقم بشرية جاءوا من دول مختلفة، والعمل علي حل كل ما يحيط ذلك من مشاكل لوجيستية وفنية وعملياتية بهدف الوصول إلي التجانس والفهم المُشترك الكامل من خلال تدريب جماعي بين الدول الحليفة لم يعد مُمكنا الاستغناء عنه في زمننا الحالي.