في أقل من عقدين من الزمان، تُعيد الولاياتالمتحدةالأمريكية مُراجعة موقفها العسكري في منطقة الخليج، المنطقة الأكثر أهمية وحساسية للأمن القومي الأمريكي، حيث يُوجد خزان النفط العالمي الأعظم. وكثيرا ما يُؤكد المُخططون العسكريون الأمريكيون أن الولاياتالمتحدة لا تتردد في الخروج إلي الحرب إذا واجهت منطقة الخليج أو إسرائيل - بترتيب الأهمية - تهديدا خطيرا يتطلب التدخل العسكري الفوري. وقد حدث ذلك بالفعل مرتين بعد انتهاء الحرب الباردة، الأولي في 1991 عندما أقدمت العراق علي غزو الكويت، والثانية عندما قررت الولاياتالمتحدة نفسها غزو العراق في 2003 لأسباب تتعلق بسياسات صدام حسين الداخلية واستجابة لرؤية أكثر شمولا تبغي الدفاع عن الخليج بدون أن تُوكل في ذلك دولة إقليمية أخري. ولاشك أن اندلاع الثورة الإيرانية في 1979 غير كثيرا من الحسابات الاستراتيجية الأمريكية فيما يَخُص أمن الخليج، فلم يَعد "كنز" النفط مُهددا من قوة بعيدة وحسب، بل صار مُهددا من جار ثوري قريب ما جعل الولاياتالمتحدة تقرر ليس فقط التواجد بقواتها بالقرب من حَرم المنطقة بل احتلالها لدولة كاملة داخله. وفي الحالتين لم تكن الولاياتالمتحدة وحدها، بل صاحبها تحالف دولي من داخل وخارج الشرق الأوسط، لكن العمود الفقري للعمل العسكري كان أمريكيا في الأساس. وتدور الأيام، والولاياتالمتحدة في سبيلها الآن للخروج من العراق بعد تجربة لم تكن سعيدة، ومازال التهديد الإيراني جاثما بظله علي الخليج كله، وفي ضوء كل ذلك تُعيد الولاياتالمتحدة مرة أخري حساباتها السياسية والعسكرية في ظروف مُختلفة، فلم تعد المُشكلة التهديد العراقي أو "إيران الثورية الدينية" فحسب بل "إيران الثورية الدينية النووية" بكل ما يعنيه ذلك من حد خطير لحرية الحركة الأمريكية في منطقة تمس الأمن القومي الأمريكي والغربي في الصميم. مع نهاية 2011 لن يكون للولايات المتحدة قوات في العراق، أو ربما مُجرد قوات بأعداد قليلة لأغراض التدريب وإعادة البناء، أما مكسب أمريكا الاستراتيجي وحلفائها في المنطقة وخارجها بعد كل ما جري فسيكون بقاء العراق عضوا في تلك المنظومة الغربية وليس خارجها كما هو حادث مع إيران الآن والتي كانت يوما عضوا رئيسيا فيها خلال عصر الشاه. الخروج من العراق، وتعقد الحرب الأمريكية في أفغانستان، وفي ظل احتمال تحول إيران إلي دولة نووية، كل ذلك سوف يؤثر علي مستقبل أمن الخليج وكيفية الدفاع عنه عسكريا في المستقبل. الاختيارات المُتاحة تطرح فكرة أن تتوسع الولاياتالمتحدة في نشر قوات لها في الممرات البحرية القريبة من الخليج، وكذلك نشر وحدات جوية لها في قواعد داخل دول الخليج أو في الجزر القريبة من المنطقة. الاتجاه الآخر الموازي يهدف إلي تحديث القدرات العسكرية لدول الخليج، وتشجيعها للتعاون معا وتبادل الخبرات فيما بينها، فضلا عن التنسيق العسكري والسياسي مع دول مثل مصر والأردن. هذه الأفكار أُثيرت من قبل في عصر الرئيس بوش الابن وكونداليزا رايس ويجري تحديثها بما يتلاءم مع ما ستجد من أحداث وتطورات. المقصود بعملية التحديث والتطوير أن تدخل دول الخليج عصرا جديدا في مجال القيادة والسيطرة العسكرية يتيح لها قدرات ضرورية لو أرادت العمل معا في منظومة قيادة واحدة، وهو ما يحدث حاليا بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل حيث يتم التوفيق بين الأنظمة العسكرية للدولتين، وكيفية العمل معا بدون عوائق تكنولوجية أو عملية. ومن المتوقع أن تسمح الولاياتالمتحدة تزويد دول الخليج بأسلحة لم تكن توافق علي بيعها لها من قبل خوفا من اعتراض إسرائيل، ولكن الأوضاع تغيرت ولم يعد هناك نفس المستوي من الحساسية القديمة بالنسبة لإسرائيل وإن لم تختف تماما. سوف تتسلح دول الخليج بطائرات حديثة، وصواريخ مضادة للدبابات، وقنابل موجهة ذات دقة عالية في الوصول إلي الهدف وتدميره. والعنصر الجديد في كل ذلك تنامي الاهتمام بنظم الصواريخ المضادة للصواريخ (أو نظم الدفاع ضد الصواريخ) التي بدأ نشر بعض وحداتها لأول مرة في حرب الخليج 1991 علي أن يكون الهدف في النهاية الربط بين أنظمة الدفاع الصاروخية الخليجية وبينها وبين الأنظمة الأمريكيةوالغربية بشكل عام. ومن بين هذه النظم الدفاعية ضد الصواريخ نظام باتريوت باك-3 ، والنظام "ثاد" طويل المدي والحديث جدا مقارنة بالأنظمة الأخري. ولاشك أن المناورات الأمريكية-الإسرائيلية الدورية لنظم الدفاع الصاروخي في الدولتين (مناورات الكوبرا) ودروسها المختلفة سيكون لها تأثير عظيم علي أية منظومة دفاعية صاروخية جماعية في المنطقة، وسوف يفتح أبوابا للتعاون داخل منطقة الخليج وخارجها. وقد صرح الجنرال بتريوس قائد المنطقة المركزية بأن الولاياتالمتحدة سوف تنشر بصورة مبدئية وحدتين بحريتين مزودتين بنظام إيجيز المضاد للصواريخ الباليستية، ومجهزة بصواريخ إس إم _ 3 القادرة علي اعتراض الصواريخ الباليستية الهجومية. والصواريخ إس إم -3 لها تاريخ جيد في اعترض الصواريخ الهجومية، وقد استخدمت في 2008 في اعتراض وتدمير قمر تجسس أمريكي كان علي وشك الخروج من مساره. الكويت والإمارات وقطر وعمان سوف تحصل علي نظم حديثة مضادة للصواريخ، ومن المتوقع أن تُزود هذه الدول بنظم رادار وإنذار مبكر حديثة. وبالإضافة إلي ما سبق تم الإعلان عن إجراءات طوارئ للدفاع عن شبكات أنابيب البترول والبنية التحتية لحقول النفط والصناعات الأخري المُتصلة بها. وقد تبدو كل هذه الإجراءات جديدة، إما كرد فعل للموقف الإيراني الحالي المُتصلب، أو انعكاس لنوايا أمريكية تقرر ترجمتها إلي فعل مباشر ضد المُنشآت النووية الإيرانية، إلا أنها في الحقيقة كانت استمرارا لاستراتيجية أمريكية قديمة نضجت وتبلورت في 2007 خلال زيارة الرئيس بوش للمنطقة بهدف تحديث قدرات دول الخليج ودمجها فنيا مع القدرات الغربية الموجودة في المنطقة، مع التركيز كأولوية أولي علي نظم الدفاع الصاروخية. ولم تُهمل الاستراتيجية الجديدة الجانب الهجومي من خلال خطط لتحديث الطائرات والدبابات والقطع البحرية وتزويدها بذخيرة مُتقدمة تكنولوجيا وموجهة بنظم تحديد المكان الفضائية. ومن المُلاحظ أيضا أن إسرائيل لم تعد تعترض بشدة كما كان يحدث من قبل علي حصول دول الخليج ومصر والأردن أسلحة أمريكية حديثة من زاوية أن هذه الدول تعمل تحت مظلة عسكرية أمريكية لن تمثل خطرا بالنسبة لإسرائيل في المستقبل. والمدهش والمقلق أيضا -وفي ظل التهديد الإيراني المُتصاعد - أن المصالح الدفاعية الإسرائيلية قد اقتربت من المصالح الدفاعية لدول الخليج ومصر والأردن أو ما يُطلق عليها وصف "الدول المعتدلة". وتعتبر مصر أمن الخليج مسئولية مصرية كما صرح الرئيس مبارك مُؤخرا. وبرغم أن مناورات النجم الساطع لا تُشير إلي دولة معينة باعتبارها العدو إلا أن كثيرا من برامجها التدريبية تأخذ في الاعتبار أمن الخليج كمهمة أساسية للدول المُشاركة في هذه المناورات. كذلك المُبادرة الفرنسية بإنشاء قاعدة عسكرية في الخليج تمثل في حد ذاتها إسهاما أوروبيا للدفاع عنه وكذا تتطور العلاقات الأوروبية- الخليجية باستمرار علي المستويين الاقتصادي والدفاعي. كذلك _ ومنذ عام 2005- أطلق حلف الناتو مبادرة للتعاون مع دول الخليج علي نفس نمط مبادرة حوار الناتو مع دول المتوسط، لكن من الواضح أن دور الناتو في الخليج قد أخذ طابعا عمليا يمكن من خلاله تطوير القدرات الخليجية علي المستويين العملياتي واللوجيستي. ويمكن القول في النهاية إن أمن الخليج كان في حاجة إلي مُراجعة وتطوير في ظل ما تعرضت له تلك البقعة الاستراتيجية من تحديات صعبة بعضها من جيران عرب كما حدث من عراق صدام حسين، أو ومن جيران علي الشاطئ الآخر ممثلا في إيران بكل ما تشير إليه من رموز أيديولوجية وتاريخية ومؤخرا نووية.