هناك اعتقاد شائع أن الولاياتالمتحدة تقف دائما وفي كل الأحوال بجانب إسرائيل, بصرف النظر عن نتائج السياسة الإسرائيلية وما يمكن أن تنتجه من ضرر بالغ بالمصالح الأمريكية. هذا الاعتقاد ليس شائعا فقط في عالمنا العربي والإسلامي بل أحيانا يمكن ملاحظته في كتابات الخبراء الأمريكيين, ومن أشهرهم في السنوات الأخيرة ما كتبه جون ميرشيمر وستيفين والت من جامعتي شيكاجو وهارفارد بالترتيب في كتابهما عن اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية, وبرغم العلاقة الاستراتيجية الخاصة جدا التي تربط إسرائيل بالولاياتالمتحدة يمكن أن نجد كثيرا من الأحداث والشواهد التي تدل علي أن علاقة الدولتين ليست محصنة تماما ضد الأزمات وتضارب المصالح واختلاف وجهات النظر, ويكفينا أن نعرف أن هناك كثيرا من عمليات التجسس علي الولاياتالمتحدة قامت بها إسرائيل وتم القبض علي مرتكبيها, وبرغم السخط الأمريكي لم تتحول هذه الأزمات والقضايا الي قطيعة بين البلدين, كذلك لم تتردد إسرائيل في8 يونيو1967 في ضرب سفينة تجسس أمريكية( الحرية) من الجو والبحر بالقرب من شاطيء سيناء حيث قتل في هذه الحادثة34 وجرح171 من طاقم السفينة, ولقد أشار الي هذا الحادث أخيرا في إحدي الصحف زيجينيو بريزينسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق في إدارة الرئيس كارتر ومستشار أوباما في حملته الانتخابية في معرض انتقاده للهجوم الإسرائيلي المتوقع علي إيران لتدمير برنامجها النووي, ودعوة بريزينسكي الولاياتالمتحدة للتصدي لهذا الهجوم باستخدام القوات الجوية الأمريكية الموجودة في العراق, وإجبار الطائرات الإسرائيلية علي العودة أو إسقاطها لأن الهجوم الإسرائيلي علي إيران لن يصب في مصلحة الولاياتالمتحدة وسوف تكون له تداعيات مأساوية في الشرق الأوسط. وحقيقة الأمر, وبرغم الموقف الأمريكي المتشدد, واستمراره في التلويح الغامض بإمكان استخدام القوة العسكرية ضد إيران, إلا أن الحسابات الأمريكية لاتبدو أنها تصب في هذا الاتجاه برغم التعنت الإيراني, فمازالت إدارة أوباما تراهن علي العقوبات الدولية وأيضا علي ما يجري داخل إيران من تطورات تصاعدت في منحني خطر خلال الأشهر القليلة الماضية, والفرق في الرؤية بين الولاياتالمتحدة وأوروبا من جهة وإسرائيل من جهة أخري نستشعره في عنصر الزمن, حيث تري الولاياتالمتحدة أن أمام طهران بعض الوقت للوصول الي القنبلة خاصة أنها تعمل تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية, أما إسرائيل فتري أن إيران علي وشك امتلاك القنبلة, وأن ذلك لو حدث سوف يقلب موازين القوي في الشرق الأوسط بصورة لا يمكن اصلاحها بسهولة بعد ذلك. هناك إذن احتمال أن تتولي إسرائيل بمفردها تدمير المنشآت النووية الإيرانية كما فعلت مع العراق في1981 لكن ذلك لن يعفي الولاياتالمتحدة من المسئولية أمام الرأي العام, وسيظل هناك قدر من الشك لايمكن تجاهله بأن الولاياتالمتحدة لها دور ما في الخطة الإسرائيلية وبذلك لن تنجو من الانتقام الإيراني ضد القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان, في وقت ليست الولاياتالمتحدة مستعدة فيه لفتح جبهة عسكرية جديدة إضافية, المشكلة الثانية أنه وفي مناخ الأزمة المالية العالمية سوف ترتفع أسعار النفط في أعقاب أية غارة إسرائيلية علي إيران ورد الفعل الإيراني العسكري عليها, وقد يصل الأمر الي قيام إيران بإغلاق الخليج وتلغيمه بالألغام البحرية, وضرب أهداف فيه باستخدام صواريخ الكروز المحمولة داخل الخليج والموجودة علي البر, الأمر الذي سوف يؤدي الي ارتفاع أسعار النفط الي مستويات يقدرها الخبراء ب200 دولار للبرميل الواحد, والمشكلة سوف تتعقد أكثر لو حصلت إيران علي الصواريخ الروسية إس 300 المضادة للطائرات والصواريخ والتي يمكنها اعتراض الطائرات المهاجمة من مسافات بعيدة, ومجرد وصول هذه الصواريخ الي إيران قد يدفع إسرائيل الي شن عملياتها العسكرية قبل أن يتم نشرها فوق الأرض الإيرانية. هناك عامل آخر سوف يضع إدارة الرئيس أوباما في حرج بالغ مع الدول الإسلامية اذا شنت إسرائيل الحرب علي إيران, والمعروف أن أوباما قد بني سياسته الخارجية علي تحسين العلاقات مع الدول العربية والإسلامية, ومن القاهرة بعث برسالته الشهيرة الي العالم الإسلامي, ومن الصعب بعد ذلك أن تجد الولاياتالمتحدة نفسها في موقف الدولة المعتدية خاصة أن أي عدوان علي إيران لن يحصل علي تأييد صريح من مجلس الأمن, وسوف تؤثر الغارة الإسرائيلية أيضا بالسلب علي الانتفاضة الشعبية الحالية في إيران ضد نظام الحكم, فمجرد تعرض الدولة الإيرانية لعدوان من الخارج ومن إسرائيل بالذات سوف يضع التحرك الشعبي المضاد في حرج بالغ ويمد القوي المحافظة المتشددة بمدد سياسي كانت في حاجة ماسة إليه, وقد يدفع كل ذلك الحكومة الإيرانية الي الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي والتحلل من قيودها والإعلان عن نيتها امتلاك القنبلة الذرية مثل الهند وباكستان. أما عملية السلام التي وعدت الإدارة الأمريكية الحالية برعايتها علي أساس حل الدولتين إسرائيل وفلسطين يعيشان معا جنبا الي جنب, فسوف تصاب بنكسة جديدة نتيجة الهجوم الإسرائيلي علي إيران اذا حدث وتداعيات هذا الهجوم علي المنطقة العربية وخارجها, كذلك سوف تتجمد أي وعود سابقة من العواصم العربية بتحسين العلاقات مع إسرائيل وتطبيعها مع عملية السلام المصابة بالشلل بسبب الغارة الإسرائيلية, ولاشك في أن القوي الموالية لإيران في المنطقة مثل حزب الله وحماس سوف تتخذ إجراءات ضد إسرائيل بما فيها شن غارات عليها. من الصعب حاليا تقويم حجم الثقة المتبادلة بين إسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية, وتأثير ذلك علي القرار الاسرائيلي بشن الغارة علي طهران منفردة وبدون تعاون ظاهر مع الولاياتالمتحدة, هذا الوضع المضطرب قد دفع بكثير من المحللين الأمريكيين الي التفكير في وسائل عملية لتهدئة إسرائيل من جهة ومحاولة استنباط شواهد يمكن أن تدل علي أن إسرائيل قد اقتربت من اتخاذ قرار العملية العسكرية. وبالنسبة لتهدئة إسرائيل وإشعارها بأنها ليست وحدها في هذه المعضلة, هناك عدد من الأفكار والإجراءات المقترحة علي الإدارة استخدام بعضها من قبل لمنع إسرائيل من اللجوء الي القوة العسكرية بدون موافقة الجانب الأمريكي, وعلي سبيل المثال ما قامت به لجنة ايجليرجر في1991 إبان حرب الخليج الثانية حيث حرصت الادارة الأمريكية في ذلك الوقت علي منع الجانب الاسرائيلي من الدخول في الحرب ضد العراق والرد علي الصواريخ التي أطلقت عليها, وقد رأس هذه اللجنة لورنس ايجليرجر نائب وزير الخارجية الأمريكية ونجح في مهمته وتم طمأنة إسرائيل بنشر صواريخ الباتريوت المضادة للصواريخ لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط, وبعد ذلك تم تطوير الصاروخ الأرو الي أن وصلت اسرائيل الآن الي مشاركة كاملة مع الولاياتالمتحدة في مجال الصواريخ المضادة للصواريخ. كذلك الوصول الي اتفاق مع إيران بوقف التخصيب من خلال ضغوط ومغريات أمريكية وأوروبية سوف يضع إسرائيل في موقف أقل توترا, وسوف يقلص احتمالات الإقدام علي أية مغامرة تنوي القيام بها, وهناك بطبيعة الحال فكرة أن تعرض الولاياتالمتحدة علي إسرائيل حلفا عسكريا أو دعوتها للانضمام الي حلف الناتو وهي فكرة تتردد من آن الي آخر لأسباب مختلفة. أما فيما يتعلق بالشواهد الدالة علي اقتراب اسرائيل من عمل عسكري وشيك, فمن المتوقع أن تحرص إسرائيل علي إبراز قدراتها العملياتية لعل وعسي تصل الي إيران رسالة ردع مبكرة تمنع اندلاع الحرب في المنطقة, وفي هذا الإطار قد تلوح إسرائيل بإمكاناتها البحرية خاصة الغواصات الحاملة للصواريخ وبذلك تشير الي سيناريو مختلف عن الذي استخدم من قبل ضد المفاعل النووي العراقي, وبجانب ذلك هناك مؤشرات داخلية قد تدل علي اقتراب تنفيذ سيناريو الهجوم علي إيران مثل إعادة توزيع القوات الاسرائيلية علي جبهاتها المختلفة, وإعداد المخابيء للمدنيين, وتوزيع الكمامات الواقية من الغازات الكيماوية والجراثيم البيولوجية.