انقسم الرأي العام في إسرائيل حول انتخابات الكونجرس الأمريكي إلي فريقين، الأول مقلل من الآثار التي تلي اعلان نتائج الانتخابات بينما الثاني متخوف. فعلي سبيل المثال أكد البروفيسور تود جيتلين أستاذ الصحافة وخبير علم الاجتماع بجامعة كولومبيا، علي ما يصاحب انتخابات الكونجرس من رسائل اخلاقية ودينية، وما قد يترتب عليها من الحاق الضرر بالجبهة السياسية للرئيس باراك اوباما وسياسته الخارجية، وعلي رأسها العلاقات الحميمة بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل. وفي كتابه (إسرائيل وامريكا الشعبان المختاران؛ والاختبارات القاسية للاختيار الإلهي) ركز تود جيتلين بالتعاون مع ليئيل ليبوفيتش الأستاذ بجامعة نيويورك، علي نوعية التزواج الخاص والفريد بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل, وهو الكتاب الذي ظهر بالأسواق نهاية الأسبوع الماضي عن دار سايمون اند شوستر للنشر وأثار صخبا عالميا. حيث يقدم الكتاب لأطروحة اليهود الأمريكيين، أو بالأحري الأمريكيين اليهود، ونفي الكاتبان محاولات تشويه العلاقة بين امريكا وإسرائيل ووصفها بالنفعية التي تقوم علي المصالح المشتركة. بل هي علاقة فريدة من نوعها بين القوة العظمي في العالم والبلد الأصغر في الشرق الاوسط، ترتكز في مضمونها حول إيمان البلدين باختيار الله لهما. وعليه يكون تحالفهما قرارا بإنشاء تحالف للمختارين. شارك جيتلين البالغ من العمر 67 عاما في المؤتمر السنوي الذي عقده معهد سياسات الشعب اليهودي نهاية الاسبوع الماضي بالقدس. والتقي الأسر التي تم ترحيلها من منطقة الشيخ جراح، ثم قام بعد ذلك بجولة في رام الله. وفي نهاية الزيارة وقبيل العودة إلي نيويورك بنحو الساعة التقي باراك رابيد الكاتب والصحفي الإسرائيلي وتبادلا الحديث حول فكرة الشعبين المختارين، وانتخابات الكونجرس. وحاول جيتلين خلال اللقاء تصنيف رؤساء الولاياتالمتحدةالأمريكية. فبعضهم يري بلاده ملاكا يقع علي عاتقه مهمة رعاية البشر ومشاركتهم - مثل روزفلت، وفيدرو ويلسون، ورونالد ريجان وجورج بوش - ولهذا عملوا علي توسيع نطاق هذه الفكرة السامية بنمط امبريالي يناسب القرن ال19 بينما البعض الآخر كالرئيس إبراهام لينكولن كان نظرته إلي أمريكا أكثر سموا، ولم يدخر جهدا في إضفاء مسحة الكمال علي الأمريكيين. وهو الأمر الذي جاء متوافقا تماما مع التقاليد اليهودية. ولهذا لم يكن من قبيل الصدفة أن يعلن أوباما عن نيته الترشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية من مدينة سبرينج فيلد مسقط رأس لينكولن الذي أكد أفضلية جميع الكتب المقدسة علي أي رئيس أمريكي. ولم يتوقف أوباما عند هذا الحد وإنما استلهم فكر رينولد نيبهار اللاهوتي الأمريكي والناشط الاشتراكي - ظهر في ثلاثينيات القرن الماضي- بخصوص ما يعتري الفكر البشري - دون الأمريكي- من قصور، ولهذا لا يجب علي الأمريكيين بذل الجهد في إقناع أنفسهم بالكمال. يتضح هذا من خلال تصريحات أوباما في حفل تنصيبه رئيسا للبلاد:" علي الأمريكيين اختيار الأفضل، فالتاريخ الأمريكي مزيج من الإنجاز والتميز". هو يعتقد في اختلاف أمريكا رغم أنها لم تولد طاهرة، ولذا يجب عليها أن تنتصر علي الظروف المروعة التي أجبرت عليها. أسود يدعي حسين: تطرق جيتلين إلي قرار الرئيس الأمريكي حول بناء المركز الإسلامي، بدعوي إجازة القانون، محاولا إثبات أن أمريكا بلد يعارض التمييز والعنصرية. وأنا أتصور أن الولاياتالمتحدة في حالة حرجة، بسبب انتشار البطالة والأزمة الاقتصادية. هذا في الوقت الذي تستغل فيه المعارضة الأمريكية شعور الاحباط لدي المواطن في تأجيج مشاعر الغضب تجاه المهاجرين المسلمين الذين يسود بينهم اعتقاد أن المشكلة الأمريكية تكمن في الإيمان بكونها خُلقت للسيادة. حاليا هناك من يستغل فوبيا الإسلام التي تجتاح الغرب بشكل عام، في تصوير قرارات أوباما بالمؤامرة التي تهدف إلي أسلمة أمريكا، بما يثير المخاوف اليهودية. وهذا الأمر لا يقل خطورة عن المليشيات التي تستهدف يهود أمريكيا ومسلميها. بمعني آخر يعاني المسلمون في أمريكا حاليا نفس الضغوط التي تعرض لها اليهود في الماضي، بما سوغ عملية تشويههم. لقد شعرت بخجل شديد كيهودي بعد إقرار تعديل قانون الجنسية، وإلزام المرشحين لنيل الجنسية الإسرائيلية أيا كانت ديانتهم بأداء قسم الولاء لإسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، الصدمة الكبري كانت في استعداد السواد الأعظم من الإسرائيليين للدفاع عن سياسة الحكومة وضبط المعايير بطريقة غير أخلاقية، الأمر الذي استدعي إلي ذهني تصريحات سارة بالين:"عندما تسمح لنا السعودية ببناء كنيسة او معبد في مكة سنسمح لهم بالبناء في نيويورك". هذه ليست أمريكا التي أعرفها. الإسرائيليون أيضا تجتاحهم فكرة جنون العظمة، بما يجعلك تنتقد السياسات الإسرائيلية حتي بعد موتك. الرئيس الامريكي السابق "جيمي كارتر" المعارض للكيان الإسرائيلي اعتاد في نقده علي أسلوب ليس فقط مدمراً ولكنه أيضا غير مناسبة للقيم اليهودية. المثير للاهتمام أن إسرائيل تحظي بشعبية كبيرة في الأوساط الأمريكية، ويسود اعتقاد بحاجة الشعبين إلي التواصل ليس فقط بسبب الجذور الثقافية المشتركة، ولكن أيضا للإيمان بالوضع الخاص لإسرائيل في نظر الخالق، لهذا تجد المسيحيين الاصوليين والإنجيليين وأمثالهم من أكثر الفئات الأمريكية المؤيدة للسياسات الإسرائيلية، فهم يتضامنون مع الشعب الذي خرج من بينه المسيح، شعب الأرض المقدسة بالرغم من عدم الإعتراف بأن جذور المسيح كانت يهودية، ولكنهم يعرفون أن كتابهم هو امتداد لكتاب التناخ اليهودي المقدس". لهذا سوف يقع علي أوباما عبء أي مخاطر سياسية تحدث خلال العامين القادمين، وسيدفعه أي خلل في الانتخابات إلي ممارسة المزيد من الضغوط علي إسرائيل للتوصل إلي اتفاق مع الفلسطينيين، هذا الأمر يحتاج إلي شجاعة كبيرة تعمل علي زعزعة التحالف خاصة بين اليهود والأمريكيين، وعلي امريكا أن تحاول تعزيز السلام وخدمة إسرائيل ومساعدتها علي أن تكون مصدر إشعاع يبث القيم والأخلاق للعالم.