في الآونة الأخيرة هناك كثير من الشواهد المهمة التي تستحق المتابعة فيما يتصل بتطور العلاقات الإستراتيجية بين إسرائيل من جهة والمعسكر الغربي ممثلا في الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو من جهة أخري. فمن المتوقع خلال الأشهر القادمة أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بالكشف عن خطط لنشر قطع بحرية في البحر الأبيض المتوسط بصورة دورية. ابتداء من منتصف هذا العام في إطار عملية' السعي النشيط' التي أطلقها حلف الناتو عقب أحداث11 سبتمبر2001, بهدف مراقبة أية أنشطة متصلة بتهريب الأسلحة عبر المتوسط أو لها علاقة بالإرهاب. هذه الخطوة هي الأولي من نوعها في تاريخ إسرائيل, حيث لم تسمح إسرائيل من قبل بوضع وحدة بحرية تابعة لها تحت قيادة عسكرية غير إسرائيلية. ويبدو أن التعاون بين إسرائيل والحلف لن يقتصر علي ذلك فقط في المستقبل, بل سوف يمتد إلي مجالات أخري مثل تحقيق التوافق بين أسلحة ومعدات إسرائيل ودول الحلف, حتي يمكن للطرفين العمل معا في عمليات عسكرية مشتركة, كذلك التعاون في مجال منع الانتشار النووي في منطقة الشرق الأوسط, بالإضافة إلي التدريبات المشتركة نظريا وعمليا علي الدفاع ضد تهديد الصواريخ بعيدة المدي والمنتشرة بصورة مقلقة في المنطقة. هذا المستوي من التنسيق بين إسرائيل والحلف يجري حاليا من خلال لجنة ثنائية مهمتها وضع أجندة مشتركة للتعاون في إطار حوار الناتو المتوسطي, ويتكرر ذلك مع باقي دول الحوار, ومن بينها مصر بدرجات مختلفة طبقا لرؤية الحلف من جهة ومدي استعداد الدولة المعنية ورغبتها في توسيع التعاون العملي مع الناتو وليس فقط الحوار معه من جهة أخري. هذه النقلة النوعية في مستوي التعاون بين الحلف وإسرائيل قد تحققت بعد مفاوضات ثنائية في إطار الحوار' السياسي-الاستراتيجي' بين الطرفين علي مدي يومين(-24 نوفمبر2009) وفي حضور نائب السكرتير العام للحلف, ورئيس اللجنة العسكرية للناتو, وفي وجود الفريق جابي أشكينازي رئيس الأركان الإسرائيلي. هذا الزخم في العلاقات بين الناتو وإسرائيل يجري وسط أوضاع إقليمية متغيرة تؤثر فيها العوامل المتعلقة بالنشاط النووي الإيراني, وتصاعد القتال في أفغانستان, وانتشار العمليات الإرهابية, وتعرقل جهود السلام في الشرق الأوسط. ويضاف إلي ما سبق تنامي التنسيق العسكري بين إسرائيل والولاياتالمتحدة في أكثر من مجال حيوي انعكس بقوة أخيرا في التدريبات العسكرية المشتركة في مجال نظم الصواريخ المضادة للصواريخ وأساليب استخدامها في التصدي للتهديد الصاروخي المتزايد في الشرق الأوسط. يعود اهتمام إسرائيل بحلف الناتو إلي سنوات الخمسينيات من القرن الماضي, وعقب حرب السويس, وجهد إسرائيل الحثيث في ذلك الوقت لضمان توفير دعم غربي دائم لحماية أمنها ووجودها طبقا للرؤية الإسرائيلية. وفي نفس التوقيت فكرت إسرائيل أيضا في ضرورة امتلاك السلاح النووي بدعم سري من فرنسا. أما الولاياتالمتحدة فلم تكن مستعدة لتقديم هذا الضمان الأمني بالطريقة التي تفكر بها إسرائيل, فلم تكن متحمسة لإقامة تحالف تعاقدي صريح معها وإن كانت مستعدة للتصدي لأي هجوم يمكن أن تتعرض له إسرائيل من أية دولة عربية. وفضلا عن ذلك لم تكن أمريكا في عهد الرئيس كيندي مستريحة للتعاون النووي الإسرائيلي-الفرنسي وتداعياته الإقليمية. لم يكن ذلك كافيا لإسكات هواجس بن جوريون وشعوره المستمر بأن إسرائيل يمكن أن تمحي من الوجود وسط منطقة لا تعترف بوجودها, فقرر في1957 شن حملة دبلوماسية تدعو إلي انضمام إسرائيل لحلف الناتو. من الناحية العملية لم يكن ممكنا ضم إسرائيل كعضو كامل في الحلف, لأن ذلك كان يعني إشعال مواجهة بين دول الحلف كلها والعالم العربي. لذلك طالب بن جوريون بنوع ما من' الشراكة' الاستراتيجية مع الحلف بصورة تسمح لإسرائيل بإقامة تنسيق متبادل فيما يخص السياسات الأمنية والدفاعية, وبضغط من الولاياتالمتحدة رفض مجلس حلف الناتو الطلب المقدم من إسرائيل. لكن تجدد التفكير في الموضوع مرة أخري في1994 وسط أصداء سلام مؤتمر مدريد, فقدمت دعوة إلي سبع دول من بينها إسرائيل والباقي دول عربية لإقامة حوار مع حلف الناتو تطور مع الوقت إلي شراكة تمثلت في بعض الأنشطة العملية ومنها عملية' السعي النشيط' التي تنوي إسرائيل المشاركة فيها بقوة, بالإضافة إلي تنامي تعاونها مع الولاياتالمتحدة في المتوسط, وفي مجالات أخري ذات طابع استراتيجي متطور مثل مجال الدفاع ضد الصواريخ الباليستية. انتهت إذن أو تقلصت مرحلة الخجل الغربي من مشاركة إسرائيل علانية في أنشطة عسكرية واضحة وصريحة وتجري في أكثر من مسرح عمليات في الشرق الأوسط. وعلي المستوي الأكاديمي والسياسي أثير في2008 و2009 فكرة انضمام إسرائيل بشكل كامل إلي الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو كحل لمعضلتها الدفاعية التي تقوم علي فرضية أنها محاطة بدول لا تعترف بها برغم كل ما بذل من مبادرات وجهود لتحقيق السلام الشامل والعادل معها. والدافع إلي ذلك لا يقتصر فقط علي حل مشكلة إسرائيل الأمنية بالتحديد, ولكن استجابة إلي تحولات' جيوبوليتيكية' تراكمت منذ نهاية الحرب الباردة وسمحت بالتعامل مع معضلة إسرائيل في إطار مختلف أوسع وأرحب مما كانت عليه الأوضاع خلال زمن الاستقطاب الذي ميز فترة الحرب الباردة. فلاشك أن حرب الخليج1991 وحرب كوسوفا1998 وأحداث11 سبتمبر2001 ثم حربي أفغانستان2001 والعراق2003 قد تزامنت مع تمدد الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو إلي قرب حدود العراق, ليخلق هذا الوضع في حالة انضمام تركيا الكامل للاتحاد الأوروبي نظاما أوروبيا-أطلسيا-عربيا-شرق أوسطيا لا يمكن تجاهله برغم كل النقاشات المنكرة لوجوده. ومن تجليات هذا التحول أن الاتحاد الأوروبي في طريقه الآن إلي منح كل من أوكرانيا وإسرائيل والمغرب ومولدوفا وضعا خاصا في التعامل معه, الأمر الذي يتيح لهذه الدول في المستقبل نظريا علي الأقل الانضمام إلي كل من حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. وفي هذا الإطار الجديد من الممكن التفكير في دور عملي لحلف الناتو في عملية السلام, حيث يمكن للحلف تقديم ضمانات أمنية مرنة وكافية للأطراف المشاركة فيها, فضلا عن القيام ببعض الأدوار الضرورية مثل حفظ السلام, ومراقبة تنفيذ الاتفاقيات المبرمة بين أطراف النزاع. وبالإضافة إلي ما سبق يفكر البعض في تطوير علاقات إسرائيل بالاتحاد الأوروبي وحلف الناتو علي أساس أن تصبح إسرائيل في النهاية عضوا كاملا في المنظومتين الغربيتين, الأمر الذي قد يغريها بالخطو في مشوار السلام الصعب بخطوات ثابتة. في هذا الإطار الإقليمي الواسع قد تتضمن الأجندة أمورا أخري شائكة ومازالت عصية علي الحل مثل الموضوع النووي الإسرائيلي, والإيراني, وعلاقة ذلك بتحقيق حلم إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. وفي مقابل سيناريوهات الانضمام تأتي تحليلات مضادة متشائمة من داخل إسرائيل تري أن انضمامها إلي الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو قد يضيف إليها شرعية دولية كاملة هي في حاجة إليها, لكن ذلك قد يحد كثيرا من قدرتها علي الحركة والمناورة واتخاذ قراراتها باستقلال تام بعيدا عن ضغوط القوي الكبري والمؤسسات الإقليمية والدولية العملاقة وهو فن تجيده إسرائيل وتمرست عليه لفترة طويلة.