اعتاد العرب علي ان تكون السودان في حاله حروب أهليه وقلاقل داخليه منذ ثلاثة عقود ومع ذلك تبقي دارفور قضية خلافية، خلافية حتي في نقطة البداية ومنطقها وتختلف الآراء والمواقف في تقييمها فشق يتهم النظام الحاكم وشق يركز علي الدور الخارجي والتدخل الغربي،والبعض يراها مسألة خلاف اثني وعرقي او كما ان تكييف القضية يختلف بين هل هو تطهير عرقي ام قتل جماعي ام خلاف اثني وعرقي. ان إحدي المشاكل الرئيسية التي تواجه الأزمة الإنسانية في دارفور هو ان هذه المأساة قد طغي عليها حكم توقيف البشير فأصبح كثير من المثقفين بدلا من التركيز علي المأساة الإنسانية لإبادة النازحين وتهديد وحدة إرادة الدولة وتضاؤل التركيز لينصب علي البشير فقط. متناسين ان هناك مليون قتيل و ملبن و ثمان مائة الف نازح بالأضافة لاستغلال الأطفال في الحروب و العنف الذي تتعرض له المرأة في نطاق هذا الصراع. كل ذلك يجعلنا نطرح أسئلة حول الي أي حد يساعد تدويل القضية علي حلها ام تعقيدها؟ وهل يمكن الانتقال من تفعيل العدالة الدولية إلي العدالة الداخلية ؟ وما هو إمكانية تكاملها دون اتهام الاخيرة بالتقصير والولاء للسلطة واتهام الأولي بأنها تدخل وانتقاص في السيادة الداخلية؟ ان كيفية تناول الرأي العام العربي ورأي رجل الشارع في المأساة الإنسانية في دارفور قد انقسم بين مؤيد لقرار المحكمة الجنائية الدولية ورافض لها. الرافضون لقرار توقيف البشيريستندون علي ان هناك ازدواجية في المعايير حيث ان التركيز علي موضوع السودان يغفل ما حدث في فلسطين وغزه وما حدث من قبل قوات التحالف في العراق غافلين بذلك ان كلا من إسرائيل والسودان غير مصدقين علي اتفاقيه روما الا ان البشير والجرائم الواقعة في السودان وقد جاء من قبل قرار رقم1593 من مجلس الأمن في حين ان ليس هناك مجال لإدانة إسرائيل أو أمريكا او إحالة القضية للتحقيق من قبل مجلس الأمن كم هو الحال في السودان بسبب سيطرة الولاياتالمتحدة علي مجلس الأمن. هل معني ذلك ان المثقفين الذين يرفضون توجيه الاتهام للبشير يقبلون بالمأساة في دارفور ام أنهم رافضون لخلفيه مصدر المعلومات التي أدانت البشير فهناك ندره في المعلومات عما يحدث في دارفور وهناك نقص في مصداقيه تلك المعلومات وهل تسيطر عليها النوايا الغربية للسيطرة علي بترول السودان ومحاولة تقسيم السودان للتأثير علي دول الجوار. وان كان يصعب في عالمنا هذا الذي تحكمه العولمة والأقمار الصناعية ان يتفق المرء مع حجة نقص المعلومات او تضليلها. كما ان هناك من الرافضين لقرار إدانة البشير ماله خلفيه أيديولوجيه او دينيه ممتدة بين هل هو خلاف بين المسلمين وغير المسلمين هل محاكمة البشير هو استمرار لما قد اسماه ثم تراجع عنه بوش بالحرب الصليبية الا ان هناك شبه اتفاق عام بين الرأي العام العربي علي ان النظام الحاكم في السودان قد أساء اداره الازمه في دارفور وان التوجه العام يجب الا يكون علي القبض علي البشير انما علي إيجاد الحل لازمه دارفور فقط ولكن أيضا لأزمة جنوب السودان وان جذور الأزمه تنبع من التنمية غير العدالة ويبقي التساؤل الهام: أي يكن الرأي العام العربي مع او ضد قرار المحكمة الجنائية الدولية فهل لهذا الرأي العام ثقل سواء علي المستوي الإقليمي أوعلي المستوي الدولي؟ فحتي لو كان الرأي العام متفاعلا مع أزمة دارفور فهل النظام الإقليمي والدولي مستعد لوضع اعتبار لهذا الرأي العام خاصة ان أزمة دارفور تتزامن مع الغزو الأمريكي للعراق، والحرب علي أفغانستان، وارتفاع حده الصراع العربي الإسرائيلي وغزه وهل أعاقت قدرات المثقفين والمنظمات غير الحكومية نشر أرائها علي نطاق أوسع يكون له تأثير أقوي لتوجيه الرأي العام؟ في النهاية ان المأساة الإنسانية ستبقي وصمة علي جبين العالم فهي مأساة إنسانية ستظل ذكراها عالقة في ذهن أجيال متتالية ومنحوتة ليس فقط في أذهان وتاريخ السودان ولكن أيضًا في ضمير العالم، وهل لدينا من القوانين والقواعد الدولية ما يمنع تكرار ذلك ام ان هذا هو عالم قابيل وهابيل الذي ليس هناك مفر منه علي المستوي العربي طالما ظلت إرادة العمل الجماعي العربي غائبة.