أثرت أن أؤجل مقالي عن معركة اليونسكو حتي تهدأ الأقلام ويجف الالم المصري لفقدان مصر فرصة ان تشغل منصباً هاماً يضيف لها ثقلاً علي الصعيد الدولي. أثرت ان أؤجل مقالي لأنني أثرت ان اكتب بعد ان تهدئ المشاعر التي تؤثر أحيانا علي الموضوعية المفروضة علي من هم مثلي من الاكاديميين. ولانني قد وجدت نفسي غير متفقة تماما مع شبه الاجماع بين المثقفين علي نظرية المؤامرة والصراع بين الشمال والجنوب علي المناصب وصراع الحضارات الذي ادي لهزيمة الوزير الفنان فاروق حسني، فقد اثرت الابتعاد عن منظومة فكرية لم اجد نفسي علي اتفاق او تناغم معها. سأبدأ مقالي بتذكير القارئ إنني في يونيو 2006 قد كتبت مقالاً عن السيد الوزير الفنان فاروق حسني اعبر فيه عن ان كل مصري يشعر بالفخر وهو يتابع الجهود المضنية التي بذلت في متاحف مصر سواء متحف محمد محمود خليل بالجيزة، ومتحف الخزف بالزمالك، ومتحف سوزان مبارك للطفل، ومتحف الأقصر وغيرهما الكثير. وأعربت عن فخر كل مصري وهو يتابع ما يبذل لاستكمال المتحف المصري علي مساحة 117 فدانا بطريق مصر أسكندرية الصحراوي والجهود المضنية التي بذلت في ترميم القصور كقصر محمد علي، وطاز، والمنسترلي، وكذلك ترميم الآثار وهو ما يجعل كل مصري متفق وممتن لسياسات الوزير الفنان فاروق حسني. الا إنني سيدي الوزير لا أزال علي اختلافي معكم، لان الثقافة ليست فقط ترميم وإنشاء متاحف، والمهرجانات السينمائية، وان كان هذا جهد لابد منه، ان الثقافة تشمل مناحي عديدة ان اكتملت استطعنا ان ننقذ شبابنا في ضلاله التطرف وعدم الوسطية. ففي كل مرة ادخل فيها ساقية الصاوي لحضور عرض مسرحي من الشباب او الاستماع لفرقة كورال او حضور معرض فني لا يسعني سوي التحسر علي شباب الأقاليم الذي يقطنون بعيدا عن تلك الساقية الثقافية الرائعة، ولا يستطيعون التمتع بما فيها من فرص لإخراج قدراتهم وشغل وقت فراغهم بما هو مفيد ومتزن. كم كنت أتمني ان يكون ذلك حال كل قصر ثقافة في ربوع مصر وان يلعب ذلك الدور فيمتليء بالمسرحيات، وفرق الموسيقي، والرقص ومعارض الفنانين، وصالات القراءة. اعرف ان هناك الكثير من التطوير قد تم بالفعل في العهد القريب إلا إنني لا استطيع أن أجد العذر لعدم التطوير الشامل أواستطيع ان اتقبل التعذر بالميزانية كما يقال فان هذه الهيئة هي احد عناصر الأمن القومي التي يخرج فيه الشباب قدراتهم وإبداعهم وتثقل فيه مواهبهم في عصر شح فيه ذلك فالمدرسة مثقلة بأعداد الطلبة التي تفوق قدرة ألابنية التعليمية، والتلاميذ مثقلون بهم الواجب المدرسي الثقيل والدروس الخصوصية فلا يترك لهم متنفس لإشباع هوايتهم الثقافية والفنية سوي تلك القصور التي لو استعين بالمتطوعين فيها وتم عمل حملة من التبرعات من قبل الأفراد والشركات التي تستطيع ان تقوم بذلك من خلال دورها في المسئولية المجتمعية لاستطعنا ان ننمي تلك القصور دون الإثقال علي كاهل الدولة. بذلك يتحقق المكسب المعنوي الذي يواجه المخاطر اللينة التي تتراكم في ترك الشباب في يد الفكر المتشدد او لضياع تجار الكيف الذين يستثمرون الجهل الثقافي والاحباطات لدي الشباب الذي يتحول لتحرش جنسي وغيره من الموبوءات التي صرنا نسمع عنها وكأن هذه ليست مصرنا التي نعرفها. السيد الوزير: قد لا يكون خسارة المنصب بالشيء المر فهو جدير بان يملأك بالحماس لتطبيق الكثير من الخطط الثقافية التي قد تنهض بثقافة الشباب المصري وبأفكار مبتكرة دون ان تثقل علي كاهل الدولة. ان الثقافة سيدي الوزير هي المتاحف والترميمات وأيضا بيوت الإبداع والتذاكر المخفضة للشباب لحضور العروض المختلفة وعدم وجود المسرح المدرسي فلتجعل من كل قصر من قصور الثقافة مسرحا وفي حدائق تلك القصور ان وجدت مجالاً لتعلم أسس الزراعة وفي حجرها أماكن للقراءة والإبداع الشعري وان عدمت المكتبة المدرسية فلتكن هناك المكتبات المتنقلة المليئة بالكتب المتبرع بها كتابنا ودور النشر ومخازن هيئة قصور الثقافة الكفيلة بإمتاع المصريين وان تشمل حملتك الشباب المتطوع للقيام بدور يغذي عنده الانتماء للوطن ويبعده عن الموبقات فلتتعدد المهرجانات الثقافية في الشوارع وفي المناطق التي يعاني أهلها من نقص في الشعور بالانتماء. إن عودتك لوزارتك بعد معركة اليونسكو ربما تكون بداية لنظرة جديدة، نظرة يكون فيها المهرجانات للسينما وأيضا لرجل الشارع المصري العادي والطفل الذي يتوق لإخراج قدراته الإبداعية، والشباب الذي يستطيع التطوع في المساعدة بالنهضة الثقافية بمصر، ولجيل يسعد بالفن ويمكن رغم قدراته المادية التي قد لا تكون كبيرة بالاستمتاع والإمتاع الثقافي. نحن ننتظر منك الكثير فلتبدأ مرحلة ما بعد اليونسكو لرجل وطفل الشارع المصري.