فالأكاديمية التي أنشئت بناء علي فكرة تحمس لها صفوت الشريف وقت أن كان وزيراً للإعلام،وصدر بالفعل قرار وزارة التعليم العالي بتأسيسها عام 2002،"باعت نفسها" بشكل لا يمكن لعاقل تصوره،بل نجحت فيما يعجز عن تحقيقه، ولا يجرؤ علي القيام به،ألد الخصوم والمنافسين، بعدما تحولت في الفيلم الذي يحمل اسم "الأكاديمية" إلي مصدر للجهل ووطن للشرور والمؤامرات الساذجة،بل وظهرت وكأنها مرتع للإسرائيليين ! الأمر المؤكد أن مسئولاً واحداً في "الأكاديمية الدولية لعلوم وهندسة الإعلام" لم يتسن له قراءة سيناريو فيلم "الأكاديمية"،إذا كان هناك بالفعل سيناريو تم كتابته أو تقديمه قبل التصوير،وإلا هاله ماتضمنه من تشويه وإساءة لهذا الصرح الإعلامي . أما إذا كان هناك من قرأ ووافق بعدما تخيل أن الفيلم يسهم في الدعاية والترويج للأكاديمية الكيان لا الفيلم فلا بديل أمام وزير الإعلام سوي إحالة هذا "الخيالي الجاهل" إلي التحقيق،وإقالته من منصبه لو لزم الأمر؛فالفيلم الذي قيل أنه رؤية فنية للدكتور عادل حسني الخبير السياحي الذي تحول إلي منتج في ظروف غامضة،لا يحمل رؤية من أي نوع،وفي هذا السياق لا تدري إن كانت رؤية "الدكتور" الفنية تتعلق بالإنتاج أو اللغة السينمائية أم ماذا ؛فأول ماكان ينبغي عليه التفكير فيه،علي أقل تقدير، أن يدرك كيف يختار "السيناريو" الذي يصنع فيلماً تجتمع فيه عناصر الجودة الفنية،والرسالة الفكرية، وبالطبع القيمة والمصداقية وإقناع المشاهد بأن النية متوافرة لصنع "فيلم سينمائي"،والأمر المؤكد أننا نطالب بالمستحيل إذا ماتوقعنا تقديم "قطعة فنية إبداعية"،وهو الشيء الذي لا تري بصيصاً منه في الفيلم الذي أطلقوا عليه "الأكاديمية" ؛فالكتابة التي توزعت بين الشقيقين أحمد وعبد الفتاح البيه تتسم بالسطحية والجدب والضحالة ولا تلمح فيها شذرة تعكس قدرة علي الإبصار والبصيرة،وكل مافي الأمر أنهما كتبا عن مجموعة من الشباب تجمعوا،أسوة بما يفعله "شباب النواصي"،في "أكاديمية" لا مكان فيها سوي للثرثرة والمكائد الصبيانية "العبيطة"،وحتي الخلفية الاجتماعية للأبطال،والتي كان يمكن أن تُكسب الشخصيات،ومن ثم الفيلم بأكمله،عمقاً وواقعية،افتقدها السيناريو،وتحولت إلي "حواديت فارغة" حول الطالبة ريهام عبد الغفور وحيدة والدها التي تنظر إلي "الأكاديمية" بوصفها محطة مؤقتة قبل السفر إلي فرنسا للحصول علي الدكتوراة،والأخري ميرنا المهندس ورثت شركة عن أبيها مما اضطرها للدراسة في "الأكاديمية"،وكأنها لا تدري الفارق بين الإعلام والتجارة(!) أما الصعيدية نسمة ممدوح فهي شخصية هلامية خرافية لا تعرف من اللهجة الصعيدية سوي "ابن الفرطوس"،وفي أحايين كثيرة تنسي أنها "صعيدية"،وتتقمص شخصية لا تتبين ملامحها كبقية شخصيات الفيلم،وعلي رأسها الدكتورة علا غانم التي فجعت في زوجها الفرنسي لأنه انتزع منها طفليها،ولم يتح لها القضاء رؤيتهما سوي أسبوع في كل عام،فاختارت أن تمضي الوقت،وكأنها في فترة نقاهة،في التدريس بالأكاديمية،وزعمت أنها تظهر في ثوب جديد عندما استثمرت تقارب العمر بينها وبين الطلبة والطالبات في عقد صداقة ووطيدة معهم،والحال نفسه بالنسبة لمدير الأكاديمية محمود قابيل الذي يظهر ويختفي كالشبح في أفلام "الكارتون"،وكالعادة لا يخلو الأمر من نماذج تعكر الصفو كالشاب "صخر" الذي يلازم ابنة عمه كظلها،والشرير بلا منطق ياسر فرج الذي يتحرش بالدكتورة الحسناء،وبزملائه الأعداء منهم والأصدقاء،والذي جعل منه السيناريو "مستودعاً للشرور" ومروجاً للمخدرات قبل أن يبرر هذا بأنه "اسرا ئيلي" اندس بين طلبة "الأكاديمية" ليعيث فساداً بين أروقتها ومدرجاتها،ولما فشل اختطف رهينتين ليقايض بهما،وهدد بتفجير مؤتمراً ينعقد في "الأكاديمية" لخبراء الإعلام العرب والأفارقة، وفات علي كاتبي السيناريو والمنتج أن في هذه الإشارات إسقاطاً صارخاً علي تدهور الحالة الأمنية العامة قبل الإقرار بفساد "الأكاديمية" نفسها ! اسرائيلي في "الأكاديمية الدولية لعلوم وهندسة الإعلام"،التي ظهرت لافتاتها جهاراً بياناً طوال أحداث الفيلم .كيف ولماذا؟ سؤال لا تجهد نفسك كثيراً في البحث له عن إجابة ؛فالفيلم ينطلق من كل ماهو جاهل،ولا يعول علي المنطق في أي مشهد من مشاهده،والشاب الذي يفترض أنه اسرائيلي يهرب من الحصار والمطاردة "الصبيانية" بواسطة "لنش" يبحر به في النيل،وكأنه سيقوده إلي "ايلات"؛لأن أصحاب الفيلم لا يدركون الفارق بين الجغرافيا والتاريخ أوالنيل والبحر الأحمر،وبالطبع يتم القبض عليه،لكنه يظهر في نهاية الفيلم، وهو يتقدم بأوراقه إلي "اكاديمية" جديدة ليواصل اختراقه للمجتمع المصري،وهو المشهد الذي تؤكد تشويه كل صروحنا العلمية ؛سواء الخاص منها أو العام (!) وحتي المشهد الاستهلالي (الحفل الراقص) الذي يفترض أنه يقدم الشخصيات، ويعرف الجمهور بخلفياتها،لا ينفصل،في ثقل دمه وايقاعه البطيء وترهله وقطعاته الخشنة (مونتاج منار حسني) عن الخط العام للفيلم ؛فالسماجة سمة،والسذاجة هدف، واختيار طاقم التمثيل يخضع للعشوائية،و"مزاج المنتج" وحده"؛فالمخرج اسماعيل فاروق،الذي يبدو أنه لم يصدق نفسه لأن الفرصة جاءته ليصبح مخرجاً لم يقدم دليلاً واحداً علي أنه كذلك،ولم ينجح في تقديم أوراق اعتماده، بعد أن فشل في توظيف كل عناصره وأدواته الفنية؛فالتصوير (أحمد كردوس) يقدم مشاهد سقيمة لا مكان فيها لإبداع،وحتي المشهد الوحيد للأغنية التي قدمها أحمد الشامي في قيظ الصحراء مع ريهام عبد الغفور بدا "محشوراً" ولا علاقة لجمالياته المصنوعة بالخط الدرامي للفيلم،تماماً مثل أغنية نادر حمدي،التي صورت ليلاً هذه المرة،وكأن الهدف هو إحداث توازن بين عضوي فريق "واما"،وبالتالي لم يصب في خدمة الفيلم،الذي يمكن القول أنه لم يظلم "الشامي" و"حمدي" بقدر ماظلما أنفسهما بالموافقة علي تجربة لم تحسن توظيفهما،وكانا أقرب خلالها إلي "لوريل وهاردي" (!) وهو الحال نفسه الذي انطبق علي كل الممثلين،الذين كان من بينهم نجل المنتج وشقيق كاتبي السيناريو .. وميار الببلاوي،التي قيل أنها عادت كضيف شرف بينما الحقيقة إنها لم تكن سوي "كومبارس ناطق"! "الأكاديمية" لا يمكن النظر إليه بوصفه فيلماً سينمائياً بل فضيحة فنية بكل المقاييس ؛فالمنتج "صاحب الرؤية الفنية" تصور أن بمقدوره اختيار "عابري السبيل"،سواء من المقربين أو أصحاب المصالح المشتركة، واقناعهم بالتحرك أمام الكاميرا ليصنع منهم وبهم فيلماً، وكانت النتيجة "مسخاً سينمائباً" لا قوام له،ولا رأس أو رجلين، ويبدو أنه كان يدرك أنه قادر تماماً علي أن يفعل مايحلو له، في ظل غيبة القواعد واللوائح المنظمة للصناعة السينمائية، فما كان منه سوي أن تعامل مع الموقف "بدكتاتورية" شديدة فأطاح بالمخرج الذي رفض فيما يبدو التسليم بما يريده،كما حدث مع محمد أنيس المخرج الأول للفيلم، وتم استبداله بمخرج آخر لطيف ومسالم ينفذ التعليمات والأوامر هو اسماعيل فاروق، الذي فعل كل شيء أملاه عليه المنتج،ولم يتذكر في غمار هذا أن يمارس وظيفته الرئيسية، وهي الإخراج ؛فهو المسئول لأنه ترك الحبل علي الغارب لكل شخص، ممثل أو فني، ليفعل مايريد ؛فالسيناريو سطحي وفاتر، ربما لأنه يفتقر إلي التطور الدرامي، ولأنه يخلو من أي ومضة إبداعية خلاقة، بينما ارتدي الممثلون أقنعة زادتهم زيفاً وتصنعاً وصقيعًا في المشاعر والأداء. أما من حاول الاجتهاد مثل واضع الموسيقي التصويرية مصطفي الحلواني أومصمم التتر شريف فتحي فبدا وكأنه يحرث في البحر . آخر كلام : هاجم "الخبير" د.عادل حسني المخرج الكبير يوسف شاهين،في حوار مع الزميلة "المصري اليوم"، ووصف أفلامه بأنها "فاشلة". فهل ساقته الظروف لمشاهدة الفيلم الذي أنتجه بنفسه وأطلق عليه "الأكاديمية" ؟!