القرار الرئاسي بتحويل فرع جامعة قناة السويس ببورسعيد إلي جامعة تحمل اسم المدينة الباسلة.. جاء استمرارًا لنهج الدولة في إنشاء الجامعات بناء علي تعليمات عليا.. ولو كنت وزيرًا للتعليم العالي لقدمت للرئيس ملفًا كاملاً عن أحد أهم أسباب تخلف حالة الجامعات الإقليمية.. ومنها تداخل القرارات السياسية مع غياب استراتيجية للدولة فيما يخص العملية التعليمية. ورغم معرفة رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي أن الجامعة الوليدة لن تحمل من المعني سوي الاسم فقط.. فإنهما سيشرعان فورًا في تنفيذ القرار الرئاسي رغم ما يحمله من حسن النيات.. لكنه وفي المقابل يحمل خداعًا للطلاب عندما نصف تلك المنشآت بالجامعات. ما حدث في بورسعيد من موافقة رئاسية علي إنشاء جامعة إقليمية.. فعل مثله السادات وعبد الناصر.. فغالبية الجامعات الإقليمية تم إنشاؤها تنفيذًا لقرارات رئاسية واستجابة لضغوط شعبية.. ورغم أن التعليم ظل أحد القواسم المشتركة في معظم خطابات رؤساء مصر منذ الثورة وحتي الآن.. فإنه - وتحديدًا الجامعي- كان أكثر القطاعات التي غلبت عليها عشوائية القرارات.. لذا لم يكن غريبًا أن تكون جامعاتنا الإقليمية هي مجرد مدارس وأبنية تعليمية مفككة إداريًا وجغرافيًا.. ولا يوجد بينها رابط سوي صدور قرار سياسي بتعليق لافتة علي واجهاتها تحمل اسم الجامعة. ورغم أن معظم وزراء عهد مبارك جاءوا من داخل الحرم الجامعي ويحملون لقب أستاذ جامعي.. فإن أحدًا منهم لم يحاول أن يشرح لصانع القرار السياسي خطورة العشوائية في انشاء الجامعات في مصر دون وضوح للرؤية.. لكن أين هو هذا المسئول الذي يجرؤ أن يقف أمام رئيس الدولة ليشرح وجهة نظر تتعارض مع قرار رئاسي؟! الأكثر غرابة أن يتساءل البعض عن السبب وراء خروج جامعاتنا من التصنيف الدولي. جاءت ضربة البداية العشوائية عام «58» عندما أصدر عبدالناصر (قرارًا سياسيًا) بمجانية التعليم.. دون دراسة لمدي قدرة الجامعات الأربع الموجودة وقتها في استيعاب كل هذا الطوفان الطلابي.. ولم يكن أمام الحكومة وقتها سوي قبول كل الطلاب المتقدمين للتعليم الجامعي بما يفوق الطاقة الاستيعابية للجامعات.. حتي بلغ عدد طلاب جامعة القاهرة أربعين ألف طالب تنفيذًا للقرار الرئاسي وقتها.. ثم بصمت كل حكومة علي تلك السياسة خوفًا علي الكراسي.. فكانت الكارثة في زيادة الطلاب وضيق الجامعات عن الاستيعاب. كانت الفرصة متاحة في هذا الوقت أمام الدولة وقياداتها لتحقيق المواءمة بين فكرة اتاحة التعليم الجامعي لأبناء الشعب وبين إمكانيات الجامعات المصرية.. لكن لأنه لا صوت يعلو فوق صوت الرئيس.. فقد استمرت القرارات التعليمية العشوائية منذ «58» وحتي الآن وأصبح قرار إنشاء جامعة - رغم أهميته - أسهل من قرار إنشاء مدرسة. لا توجد دولة في العالم ترغب في إفساد نظامها التعليمي لأنه طريقها للتقدم وهو ما ينطبق علي الدولة المصرية لكن الطريق إلي جهنم مفروش أيضًا بالنيات الطيبة.. ما سبق يؤكد أن مصر ومنذ قيام الثورة لم تكن لديها استراتيجية محددة في ملف التعليم الجامعي.. حتي جاء طوفان الزيادة السكانية وازدياد الحاجة إلي إنشاء جامعات فتم تحويل المدارس إلي جامعات دون توفير استعدادات.. لكن كيف شارك وزراء التعليم في تلك الجريمة؟.. انتظرونا للغد إن شاء الله.