محمد عبد القدوس يحاور رئيس لجنة التعليم بمجلس الشعب مدرجات الجامعات مكدسة بالطلبة قبل أيام بدأت الدراسة في الجامعات والمعاهد العليا المصرية، ويبلغ عدد الطلاب في بلادنا 5.2 مليون طالب وطالبة يتوزعون علي 17 جامعة حكومية و23 جامعة خاصة و135 معهداً عالياً خاصاً، وجامعة الأزهر، بالإضافة إلي مؤسسات تعليمية لا تخضع للقوانين المصرية وهما الجامعة الأمريكيةبالقاهرة التي أنشئت سنة 1919، والأكاديمية العربية للنقل البحري التي ظهرت إلي الوجود سنة 1974 بقيادة مؤسسها الدكتور جمال مختار. ويلاحظ وبوضوح أن التعليم الراقي والمتميز بأرض الكنانة للأثرياء فقط، برغم أن الدستور عندنا ينص علي مجانية التعليم! أما الفقراء فهم يتلقون تعليماً «أي كلام»!! وبعد تخرجهم ينضم معظمهم إلي شباب العاطلين وعددهم في مصر بالملايين.. فإلي متي تستمر تلك التفرقة؟ وهل هناك أمل أن يتلقي أولاد الغلابة تعليماً يضاهي أبناء الأغنياء؟ عرضت هذا السؤال الذي يشغل بالك علي الدكتور فاروق إسماعيل رئيس لجنة التعليم بمجلس الشوري ويشغل منصبه هذا منذ سنوات، وكان قبلها عميداً لكلية الهندسة، ثم نائباً لرئيس جامعة القاهرة وبعدها رئيساً لتلك الجامعة العريقة، وهو حالياً المسئول الأول عن جامعة الأهرام الكندية يعني «حضرته» جمع بين الحسنيين أقصد الوصول إلي أرقي المناصب بالتعليم العام والخاص وهذا لم يتوفر إلا لندرة من القيادات الجامعية تعد علي أصابع اليد الواحدة. التعليم المجاني في ذمة الله!! كانت إجابة المسئول المحترم عن سؤالي واسعة ومتشعبة شملت مختلف الموضوعات التي تتعلق بموضوعنا الأساسي الذي يشغل بال حضرتك. بدأ حواره معي قائلاً: قبل مجيء «ناصر» إلي الحكم كان التعليم قبل الجامعي مجاناً، وذلك علي يد حكومة الوفد برئاسة النحاس باشا! ولوزير التعليم في ذلك الوقت المفكر العملاق «طه حسين» مقولة مشهورة: التعليم كالماء والهواء وكان ذلك سنة 1950، وجاءت الثورة بقيادة جمال عبدالناصر وأقرت مجانية التعليم بالجامعات المصرية سنة 1958، وكان الطالب وقتها يدفع 24 جنيهاً في السنة بالكليات النظرية و36 جنيهاً بالكليات العملية وهو مبلغ ضخم وقتها إذا علمت أن الراتب الذي يحصل عليه الموظف في المتوسط لا يزيد علي 17 جنيهاً. ويقول الدكتور فاروق إسماعيل: لا شك أن مبدأ مجانية التعليم غرضه الشريف، وهو صحيح من الناحية النظرية، ولكن لم يكن هناك استعدادات كافية خاصة مع تزايد الطلاب ونقص الإمكانيات، ولذلك بدأ التدهور في الجامعات الأربع الحكومية التي كانت موجودة بالتدريج ومع ذلك استمر التعليم قوياً، لكنه نقص من جيد جداً إلي جيد ثم مقبول وأخيراً تعليم غير كاف أو لا يسمن ولا يغني من جوع. والجامعات الأربع هي القاهرة جامعة فؤاد الأول سابقاً وجامعة الإسكندرية فاروق الأول التي أنشئها سنة 1941، وعين شمس إبراهيم باشا سابقاً وقد ظهرت إلي الوجود سنة 1949، ثم جامعة محمد علي باشا الكبير أول صرح تعليمي بالصعيد، وبدأت فكرة إنشأها أواخر العهد الملكي ثم قامت الثورة بوضعها موضع التنفيذ سنة 1958، وسميت باسم جامعة أسيوط وهي المدينة التي أقيمت بها. ويضيف رئيس لجنة التعليم بمجلس الشوري قائلاً: الجامعة الأمريكية كانت موجودة طيلة هذا الوقت، والمكان الموجودة عليه بميدان الإسماعيلية نسبة إلي الخديو إسماعيل واسمه حالياً «ميدان التحرير» كان المبني في الأصل يتبع مقر الجامعة الأهلية المصرية وهو «قصر جانكليس»، لكنها تخلت عنه لغلو إيجاره وتركته للجامعة الأمريكية التي أنشئت سنة 1919 باتفاقية بين الحكومة الأمريكية والمصرية.. ومن أهم الرواد الذين كانوا وراء إنشاء أول جامعة مصرية الأمير أحمد فؤاد الذي أصبح سلطاناً علي بلادنا سنة 1918 ثم ملكاً عليها وعدد من كبار المفكرين الليبراليين علي رأسهم لطفي السيد.. المهم أن الجامعة الأمريكية لم تكن لها قيمة كبيرة لسنوات وسنوات برغم أن ما يدفعه الطالب كان قليلاً، وربما يرجع ذلك إلي الخلافات السياسية بين عبدالناصر والحكومة الأمريكية أو لأن الجامعة الأمريكية ببيروت كانت محطاً للأضواء وكانت قد أنشئت أواخر القرن التاسع عشر لتكون أول وجود ثقافي أمريكي بمنطقة الشرق الأوسط. والجامعة الأمريكيةبالقاهرة لفتت الأنظار لأول مرة أواخر عهد عبدالناصر عندما قرر إلحاق ابنته «مني عبدالناصر» بها بعد أن فشلت في دخول جامعة القاهرة لضعف مجموعها!! ولكن المجد الحقيقي لتلك الجامعة بدأ في عهد السادات وتحديداً بعد إقرار سياسة الانفتاح سنة 1974، حيث حرص أبناء الأثرياء علي أن يكون أبناؤهم خريجي الجامعة الأمريكية، ولذلك توسعت توسعاً كبيراً حتي أنها نقلت مقرها إلي مكان جديد قبل عام، وارتفعت المصروفات بدرجة لم يعد لها مثيل حتي أنها وصلت في السنة الماضية إلي 100 ألف جنيه عداً ونقداً!! أما الجامعات المصرية فقد أصبحت مجانية التعليم بها في ذمة الله وعلي الورق فقط! وثمن الكتب الدراسية وحدها يزيد علي ألف جنيه! كذلك حدث ولا حرج عن الدروس الخصوصية التي تجري هناك، ولم يكن لها وجود من قبل. الجامعات الخاصة.. برافو عليها! ويقول رئيس لجنة التعليم بمجلس الشوري إن الجامعات الخاصة بدأ إنشاؤها في عهد كمال الجنزوري سنة 1996، وكانت البداية بأربع جامعات وهي حالياً تضم 23 جامعة خاصة يدرس بها مئات الآلاف من الطلاب. وفي أوائل القرن الحادي والعشرين الميلادي شهدت مصر نوعاً جديداً من الجامعات لم يكن موجوداً من قبل وتتمثل في صروح تعليمية أجنبية يمتلكها مصريون مثل الجامعة الألمانية التي أنشئت سنة 2002 والجامعة الفرنسية والجامعة البريطانية وأخيراً الروسية، ويظن البعض أنها أجنبية. ولكن هذا غير صحيح وإن كانت الدولة الأجنبية المشار إليها تقدم لها كل المساعدات الممكنة لأنها تقدم لها خدمة جليلة في نهاية المطاف. ويقول الدكتور فاروق إسماعيل إن الجامعات الخاصة علي اختلافها ذات مصاريف باهظة - مش أقل من عشرين ألف جنيه - لكن لا يمكن لأحد أن يفكر في إلغائها بحجة تحقيق المساواة في المجتمع!! فهؤلاء الطلاب استوعبتهم مصر بدلاً من أن يدرسوا في الخارج، ولذلك فهذه الجامعات تؤدي خدمات جليلة لبلادنا وتستطيع أن تقول برافو عليها إذا حققت الهدف من إنشائها وهي الارتقاء بالتعليم وتقديم خدمات مميزة للطلاب، وعدم استغلال ثراء آبائهم من أجل تحقيق مكاسب غير مشروعة لأصحاب تلك الجامعات! والمفترض أن جامعات التعليم الخاص لا تستهدف الربح أساساً بل الفلوس التي تأخذها من طلابها، غرضها بالدرجة الأولي الارتقاء بالعملية التعليمية المقدمة إليهم. قرار المجلس الأعلي للجامعات مخالف للدستور! ويطلق رئيس لجنة التعليم بمجلس الشوري مفاجأة حين يقول إن قرار المجلس الأعلي للجامعات الصادر سنة 2006م بإنشاء برامج متميزة بالفلوس بالجامعات الخاوية المصرية مخالف للدستور والقوانين والأعراف التي تؤكد علي المساواة! فالمفترض في تلك الصروح العلمية ولو من الناحية النظرية أن الدراسة بها مجاناً وما يدفعه الطالب من أموال يكون بغرض الحصول علي الكتب الدراسية! فكيف يأتي قانون ليوجه لمبدأ عدم التميز في تلك الجامعات لطمة قاسية وطلاب الهندسة مثلاً يدفعون 17 ألف جنيه في نظام الساعات المعتمدة وذات المبلغ تقريباً يتم دفعه في طب الإسكندرية إذا أراد الطالب أن يدرس علومها باللغة الفرنسية!! وكذلك في الدراسات المتميزة بالزراعة والصيدلة وغيرهما! ويؤكد الدكتور فاروق إسماعيل أن هذا النظام ليس له مثيل في دول العالم الأخري فهناك جامعات حكومية ومصاريف القبول بها قليلة وأخري خاصة ومصاريفها باهظة ولا توجد جامعة حكومية وخاصة في ذات الوقت!! أربع وسائل للنهوض بتعليم «الناس اللي تحت» وفي رأي رئيس لجنة التعليم بمجلس الشوري أن هناك أربع وسائل للنهوض بتعليم ابن المواطن العادي حتي يرتقي بتعليمه إلي ما يتلقاه أبناء الأثرياء. أولاً: إعادة النظر في هذا المتميز الذي أقره المجلس الأعلي للجامعات 2006 بما يسمح لأولاد الفقراء أن يدرسوا البرامج المتطورة بالكليات المختلفة دون أن يضطروا إلي دفع الأموال الطائلة التي يدفعها زملاؤهم من الأثرياء. ثانياً: وضع حد لهذا العبث الذي تمارسه المعاهد العليا الخاصة وتضم نصف مليون طالب لا يدرسون شيئاً يذكر وهم يمثلون 20% من الطلاب الجامعيين لكنهم لا يتلقون أي تعليم جامعي مفيد بل هم عبء علي الدولة والمجتمع والسبب أن هذه المعاهد ليس فيها إمكانيات تذكر والطالب هناك يدفع مبالغ تتراوح بين ألف وعشرة آلاف جنيه! وقد طالبت بإلغاء هذه المعاهد كلية وعددها 135 وهناك أكثر من دراسة حول بدائل لها ومنها إنشاء جامعة تحت إشراف الدولة تضم طلابها جميعاً، بعد توفير الإمكانيات اللازمة. ثالثاً: العمل علي إصلاح الجامعات الإقليمية والارتقاء بالتعليم فيهاوهي تضم مئات الآلاف من الطلاب الذين ينتمون إلي الطبقات الكادحة خاصة أن تلك الصروح العلمية قد نشأت بطريقة غير سليمة علي أنقاض معاهد زراعية وصناعية وتجارية تم تجميعها من هنا وهناك لإقامة جامعة داخل المحافظة دون الاستعدادات الكافية لذلك. رابعاً: من المهم جداً تشجيع هيئة جودة التعليم علي العمل والانطلاق ودورها غاية في الأهمية للارتقاء بالتعليم الجامعي وهي هيئة مستقلة بعيداً عن سيطرة وزارة التعليم العالي وتتبع رئاسة مجلس الوزراء مباشرة ورئيسها الدكتور مجدي قاسم يقوم بدور عظيم ويحب العمل في صمت بعيداً عن الأضواء. لغتنا الجميلة مظلومة ختام هذا اللقاء كان بسؤال عن أسباب غياب لغتنا العربية عن كل برامج التطوير والجامعات الخاصة التي أنشئت في السنوات الماضية. أجاب: هذه بالفعل مصيبة! الدراسة باللغات الأجنبية غاية في الأهمية لأنها تعني الانفتاح علي العالم المعاصر وكان يجب أن يكون إلي جانبها مواد يتم دراستها بلغتنا الجميلة وهذا أمر لم يحدث وهو أمر يؤسف له جداً. سألته: وماذا فعلت حضرتك لمواجهة تلك الكارثة خاصة أنك رئيس جامعة الأهرام الكندية من ناحية، ومسئول لجنة التعليم بمجلس الشوري من جهة أخري؟ أجاب: بالنسبة للجامعة أدخلت مادة تدريس الصحافة باللغة العربية إلي جانب دراستها بالإنجليزية وكذلك إحدي مواد الإدارة أما في مجلس الشوري فقد طالبت دوماً بأن تأخذ اللغة العربية مكانتها اللائقة وأنا مؤيد تماماً لما ذهب إليه أستاذنا محمود حافظ - رئيس مجمع اللغة العربية - الذي طالب بتعريب العلوم لكن هذا يفترض أولاً ترجمة تلك العلوم إلي اللغة العربية بواسطة خبراء متخصصين، والمدهش أن سوريا سبقتنا إلي ذلك وبدأت هذا المشروع العظيم منذ ما يقرب من نصف قرن وأتمني أن تكون لنا العزيمة والإصرار لنلحق بها.