بوازع من الحب لهذا الوطن، والرغبة في تشكيل حائط صد ضد مظاهرالقبح التي اجتاحت حياتنا في الفترة الأخيرة، اختار الفنان المبدع د.محسن أحمد مدير التصوير السينمائي المعروف، أن يقدم وجهة نظره فيما أطلق عليه البعض تجميل "القلعة" من خلال توظيف الإضاءة، وتسليط بعض الأنوار عليها ليلاً، وهو الأمر الذي أجمع الخبراء أنه أبعد مايكون عن التجميل، بل هو أقرب إلي التشويه، ودعموا رأيهم هذا بالقول أن ثمة فارقاً كبيراً بين الاحتفال بمعلم سياحي شهير مثل "برج القاهرة"، وإضاءته بالألوان الحمراء والزرقاء والخضراء، وبين إلقاء الضوء علي أثر ديني أو تاريخي مثل "القلعة"، إذ أن توظيف الإضاءة هنا لابد أن يكون مختلفاً، وينطلق من رؤية علمية، وهو ماأكد عليه د.محسن أحمد في رسالته التي اختار أن تكون مفتوحة إلي وزير الثقافة، وشدد من خلالها علي أنه يشارك متطوعاً بالخبرة والمعرفة، ولم ينس توجيه الشكر لكل من يحاول فهم دور الاضاءة في إبراز، أو تشويه، جماليات المدن والاثار بعيدا عن كم التلوث الضوئي والبصري الذي نعاني منه في بلادنا، منوهاً إلي أننا سنحاسب جميعاً، خصوصاً من يعمل بالفن والإعلام، عن "حالة الصمت طويل الأمد"، علي حد تعبيره، حيال كل أنواع التلوث الذي نعيشه اليوم، ولم يكن له وجود أو نظير في مدننا وقرانا في الماضي القريب، وكأننا نعود إلي الخلف. ووصف رسالته بأنها بعض هموم من يملك ذاكرة بصرية، ويحلل كل ما يري ويترحم علي مصر الماضي الجميل. ومن هذا المنطلق رحبنا بنشر الخطاب المفتوح إلي الفنان فاروق حسني وزير الثقافة، ونظرنا إلي ماتضمنه بأنه يمثل قضية محورية لا تقبل أهمية عن قضايانا المصيرية الأخري، ومن ثم نعلن تبنينا لكل ماجاء فيه. "المحرر" يقول الخطاب: "السيد الوزير الفنان فاروق حسني.. نشكر لكم أولا الانتباه مؤخرا لأهمية استخدام الاضاءة في ابراز جماليات المدن والمباني والأثار التاريخية، ولطالما نادينا بذلك كثيرا خاصة واننا نتمتع بكم ملحوظ من التلوث الاضائي الذي يهدر الكثير من قيمة ماتحتويه بلادنا ذات الحضارة الرائعة من اثار تاريخية نتيجة عدم المعرفة باساسيات تصميم الإضاءة للمدن كعلم له قواعد واسس تتبع في الدول المتحضرة. ارجو في صورة رجاء مشفوع بالشكر علي المحاولة وكذلك شكر القائمين علي تنفيذ ذلك المشروع الانتباه الي النقاط التالية. 1- ان ما يصلح لاضاءة "ديسكوتيك" لا يصلح لمبني اثري عتيق له صفة دينية (مسجد او كنيسة او معبد) وذلك عند الشروع في تصميم الاضاءة التي يجب ان تلائم طبيعة الاثر وتساهم في ابراز جمالياته بشكل لا يتعارض وقيمته التاريخية. 2- إن ألوان الإضاءة المستخدمة يجب ان تدرس بعناية فائقة بحيث يراعي فيها قيمة الاثر التاريخية والدينية وتخيل مسجد اوكنيسة بلون احمر متحرك مثل الاعلانات التجارية والتي ايضا لها قانون وقواعد خاصة في الدول المتحضرة. 3- موقع وشكل المعدات المستخدمة في الاضاءة ودراسة أثر التشويه الحادث نتيجة اختلاف الشكل بين الأثر والمعدات المعدنية والوانها واحجامها واماكن تواجدها وطريقة التركيب وتوصيل التيار - الكبلات ووصلات الاضاءة - لتلافي تشوه الاثر عند الرؤية النهارية عن قرب وعلي سبيل المثال ما تم عند تطوير قصر البارون عند الزيارة النهارية فقد فؤجت رغم جودة التصميم الي حد ما واستخدام اللون الطبيعي الملائم لطبيعة الاثر بحفر وتركيب معدات في جسم الاثر ووصلات غير محكمة التركيب تتناثر علي المبني والاسطح وذلك بالطبع يخل بمبدأ المحافظة علي الاثر والتحايل علي التصميم بشكل مدروس لا يشوه رؤية الاثر النهارية. 4- الامكانيات الحديثة لمعدات الاضاءة الذكية والتي يمكن من خلالها تغيير كم كبير من الوان الاضاءة وتحريكها واضافة الاشكال المرسومة لا يعني بالضرورة انها هي الامثل عند تصميم الاضاءة لاثر معماري ولا يعني توافر كل الوان الطيف في معدة اضاءة ان يتم استخدام كل الالوان المتاحة لمجرد تواجدها_ يجب دراسة اللون المناسب لطبيعة الاثر وما يمكن استخدامه لمبني حديث لا يتوافق بالضرورة مع مبني اثري. اخيرا اتمني ان تكون هذه الملاحظات نوعا من النقد البناء، ويستفاد بها خاصة وان ما يحدث حاليا في تطوير إضاءة قلعة صلاح الدين اعتقد انه في طور التجارب ويمكن تدارك الامر من خلال القائمين علي التنفيذ، ومرة اخري أشكر لكم، ولهم، شرف محاولة التطوير ودائما البدايات تتطلب الترشيد وتصحيح المسار بروح الجماعة وتغليب المصلحة العامة للوطن مع رجاء الاستفادة بالخبرات المتوافرة بشكل تطوعي من السادة مديري التصوير ومهندسي الديكور والفنانين التشكيليين للتقييم وتقديم المشورة. 5- دراسة إمكانية إنشاء أقسام داخل أكاديمية الفنون والكليات الفنية لدراسة تصميم الاضاءة للمدن والمباني والاثار بشكل علمي مع الاستفادة بنماذج متاحة في الدول المتحضرة وعواصم العالم الكبري التي تحافظ علي الشكل الاثري لكل مبانيها التاريخية، علي سبيل المثال: رومالندن وباريس، ودراسة كيفية تعاملهم مع الأماكن المشابهة، ولا يفوتني أن اشيد بالجهد الرائع المشهود في تطوير شارع المعز لدين الله الذي أعاد للقاهرة رونقاً وبهاءً يليق بها، وأتمني أن يمتد إلي منطقة أخري رائعة هي منطقة مار جرجس القبطية، التي لحظة أن يتم الاهتمام بها فمن المؤكد أنها ستناظر مواقع مشابهة في روما وعواصم العالم الكبري كما ان منطقة قلعة صلاح الدين كلها، وليس المسجد فقط، من الممكن ان تصبح واحدة من أهم المزارت الليلية للقاهرة.