لقد بات ثابتا أن حزب الله يلعب بالنار، فالتحقيقات التي أثبتت أن هناك أشخاصا يقومون بتجنيد شباب مصري للعمل لصالح الحزب والمقاومة الفلسطينية، والترويج للفكر الشيعي في مصر.. لم يعد بوسع أحد إنكارها. وفي ظني أن الحزب.. بعد اعتراف زعيمه السيد حسن نصر الله لقد خسر البقية الباقية له من حب واحترام وتقدير في نفوس المصريين.. وهي خسارة كبيرة ما كان حزب الله في حاجة إليها.. كما غاب عن بال قيادته أن مصر تؤيد.. دون مواربة.. فعل المقاومة في الأراضي العربية شرط أن تكون مقاومة للاحتلال وليست مقاومة ضد بعضنا البعض.. ففي الكلمة التي قالها الرئيس مبارك في قمة الكويت الاقتصادية شدد علي أن مصر مع المقاومة العربية.. وأن هذه المقاومة ليس بوسع أحد إيقافها مادام فعل الاحتلال قائماً وفاعلاً.. كما أكد أن مصر تنحاز حتما وبالضرورة إلي هويتها العربية والهم العربي المشترك.. لذلك فمحاولة حزب الله تجنيد شباب من مصر بأية صورة من الصور هو أمر غير مقبول لأن مصر لم تتأخر يوما في دعم المقاومين، وموقفها الدائم هو تقديم العون المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني.. وما تقوم به اليوم من إحلال الوئام محل الشقاق وتقريب وجهات نظر الفرقاء والفصائل المختلفة واحتضان المفاوضات بين الكتل السياسية الفلسطينية هو تأكيد علي نفس المعني الذي أعلنه الرئيس مبارك وهو أنه لا أمن ولا استقرار في المنطقة من دون حل واضح وصريح ومحدد للقضية الفلسطينية. وما نضال مصر في المحافل الدولية لتكريس مبدأ حل الدولتين سوي برهان آخر "ساطع" علي أن رؤية مصر هي الثاقبة، وأن أقوال مصر وأفعالها في حال تطابق دائم ومستمر.. وكلنا يعلم أن مصر أكثر الدول العربية التي قدمت تضحيات من أجل الشعب العربي الفلسطيني.. وها هم قادة فلسطين يعترفون بذلك في أكثر من مناسبة دون ادعاء أو مزايدة.. ولهذا فإن العبث داخل مصر تحت أي سبب من الأسباب ليس له ما يبرره. صحيح أن إسرائيل لا تريد استقراراً في المنطقة وها هي حكومتها الجديدة تعلن موت عملية السلام وتتراجع عن إنجازات سياسية اعترف بها المجتمع الدولي. وصحيح أن الهدف الإسرائيلي هو إشعال المنطقة في حرب ضروس تكون أطرافها إيران والدول العربية.. أقول إن مصر تعرف ذلك وتقدر خطورته وتقف علي ابعاد هذا المخطط ولذلك تسهر عيونها لحماية أمنها الداخلي وتكشف علي الفور هذا العبث وتضرب بيد من حديد علي أيدي هؤلاء العابثين لكنها أكثر وعيا من أن تلتقط طعماً مسموماً من إسرائيل. وحتما ستنقشع الغمامة وتصفو الأجواء العربية. مبررات فوز بوتفليقة ليس في الأمر ما يدعو إلي الدهشة، فكل اللغط الذي يثار اليوم حول نتيجة الانتخابات الرئاسية في الجزائر والتي فاز فيها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بنسبة 90%، كان متوقعا.. بل نستطيع القول إن هذه الحملة من التشكيك في عمليات التصويت والفرز بل ونسبة المشاركة في الانتخابات والتي بلغت نحو 74%.. كل ذلك كان أشبه بسيناريو تحفظه الذاكرة السياسية العربية وليس في الجزائر فقط.. ففي مناسبات متشابهة في عدد كبير من الدول العربية تخرج أصوات مماثلة تشكك في كل شيء. لكن الانصاف يقضي بأن نشير إلي أنه رغم توقع الفوز للرئيس بوتفليقة، إلا أن هناك جملة من الاعتبارات الموضوعية التي ترشحه في الأصل للحصول علي هذه النتيجة والفوز بالرئاسة للمرة الثالثة.. الاعتبار الأول هو أن بوتفليقة كان أحدث تعديلا جوهريا في الدستور الجزائري يسمح له بالترشيح للمرة الثالثة.. وحظي هذا التعديل بموافقة شعبية.. وهو ما هيأ الجزائر لقبول فكرة بقاء الرئيس الذي يعرفونه. الثاني أن الرجل نذر حياته في الولاية الثانية لرئاسته لمعالجة مرضين يعاني منهما الجسد الجزائري، المصالحة الوطنية التي تمثل هاجسا للكثيرين، والإرهاب التي يضرب أطناب المجتمع الجزائري ولا يكاد يمر يوم إلا وينزف دم جزائري طاهر وبرئ.. ولأن الشعب الجزائري يتوق لحقيق المصالحة، ويود لو تطوي صفحة الإرهاب، فإن بوتفليقة هو الفرس الرابح في هذا السباق أو هكذا ينبغي أن يكون.. الثالث أن الرئيس بوتفليقة يتمتع بكاريزما وطنية نادرة لم يعرفها الجزائريون منذ بن بيلا، وبومدين.. ولأنه ليس بعيدا عن نفس البئر الوطنية التي شرب منها هذان الرجلان.. فكان متوقعا أن يفوز بوتفليقة وهو ما حدث فعلا لا قولا. الاعتبار الرابع أن بوتفليقة يجسد في الذهنية الجزائرية صورة للكبرياء الوطني فهو القادر علي مواجهة ساركوزي وعدد من الزعماء الأوروبيين، وتختزن الذاكرة الجزائرية صدامه مع قصر الاليزيه عندما أصر علي أن تقدم فرنسا اعتذارا عن الفترة الاستعمارية والجرائم التي ارتكبت فيها.. كما تذكر أيضا تحفظاته علي مشروع الاتحاد من أجل المتوسط. بكلمة أخري إن عبدالعزيز بوتفليقة هذا الرجل الطاعن في السن، والذي لا يخلو جسده من أمراض وعلل يبقي هو "رمانة الميزان" في الواقع السياسي الجزائري الذي تتنازعه تيارات واستقطابات سياسية وايديولوجية متعددة.. وإذا وضعنا اعتبارا آخر هو فوبيا الجماعات الإسلامية التي تترصد لحظة أن تقفز علي مقعد السلطة في الجزائر.. أدركنا أن بوتفليقة كان لابد أن يبقي في مقعده الرئاسي دون عناء كبير بأمر من صناديق الاقتراع. عندما تكلم ليبرمان لست أري فارقا كبيرا بين حكومة نتنياهو ووزير خارجيته ليبرمان وبين حكومة أولمرت بل وحكومات إسرائيل السابقة إلا في شيء واحد هو أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة هي الأكثر صراحة وتعبر عن أفكارها وتوجهاتها دون مواربة.. فجميع هذه الحكومات السابق منها واللاحق اختارت أن تتحدث عن السلام لا أن تفعله أو تمارسه بمعني أنها انحازت إلي الأقوال لا الأفعال.. ومالت طوال الوقت إلي التسويف والوعود الكاذبة وكسب الوقت مع تخطيط دقيق لتهويد المناطق الإسرائيلية وتقزيم الوجود الفلسطيني. عندما تحدث ليبرمان عن عدم اعترافه بنتائج مؤتمر أنابوليس لأنها لم تعرض في الأصل علي الكنيست ولم تنل موافقة الحكومة، بدا وكأنه يتحدث عن الحقيقة والأهم أنه يتحدث عما يسنح في نفوس كل قادة إسرائيل وأطيافها السياسية المختلفة.. وعلينا أن نتذكر أن ليبرمان لم يبتعد كثيرا في تصريحاته هذه عن موقف حكومة أولمرت السابقة التي لم تلتزم بنتائج مؤتمر أنابوليس وأهمها عدم التوسع في بناء المستوطنات.. والواقع العملي يؤكد أن بناء المستوطنات لم يتوقف ولم يعترض أولمرت ولم يتشدق أحد بأن ذلك مناف لنتائج مؤتمر أنابوليس إذن لا معني للثورة علي ليبرمان لأنه تحدث معبرا عن موقف جميع الأحزاب والكتل السياسية وليس فقط عن حزبه المتطرف "إسرائيل بيتنا".. وهكذا وضعت ححكومة نتنياهو القضية الفلسطينية وعملية السلام علي المحك من جديد.. وأصبح اللعب علي المكشوف مع ليبرمان وقد كان مستورا مع أولمرت.. والمعني أن إسرائيل لا تريد سلاما وليست في موقف الضعيف الذي يجعلها تعيد حساباتها أو تفكر في تقديم تنازلات "صعبة" علي حد قول أحد أركان نظامها. صحيح أن ليبرمان كان حارسا لملهي ليلي في مالدوفيا من شرق أوروبا وتعوزه الحنكة السياسية، ولا يجيد استخدام اللغة الخبيثة.. لغة الدبلوماسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.. لكن ما نطق به ليس كفرا لأنه هو الواقع الذي يتنفس هواءه الجميع داخل إسرائيل.. وظني أن رفض ليبرمان لمبدأ حل الدولتين هو أمر ليس غريبا ولا يدعو للدهشة، وكذلك حديثه عن عدم الانسحاب من الجولان.. وإنما الغريب والعجيب أننا في العالم العربي أخذنا نولول، ونكاد نلطم الخدود والسبب هو أننا اعتدنا علي لغة الكذب والخداع الإسرائيلية وغاب عن بالنا أن الكذب والصدق الإسرائيليين، هما وجهان لعملة واحدة هي أن إسرائيل لا تريد سلاما.