◄ ثورة في كشف اللوحات المزيفة عبر تحليل مليارات من ضربات الفرشاة ◄ ما الفارق بين ذكاء اصطناعي ينفذ ما يُطلب منه فقط وآخر يسعى لإنتاج أفكار إبداعية مستقلة؟ بعد النجاح المدوي الذي حققه مع فريق من الموسيقيين المحترفين قبل 4 سنوات في إكمال سيمفونية بيتهوفن العاشرة، يكشف العالم المصري الدكتور أحمد الجمّال مؤسس ورئيس معمل الفنون والذكاء الاصطناعي بجامعة روتجرز الأمريكية في حوار ل"آخر ساعة" ملامح مشروعه الثوري الجديد وهو تطوير ذكاء اصطناعي يبدع من تلقاء نفسه، ويخص المجلة بصور حصرية تُعرض لأول مرة تكشف النقاب عن هذه التقنية التي ستغيّر مفهوم الإبداع إلى الأبد. أخطر ما فى هذا الحوار هو أن البروفيسور الجمّال توقع اختفاء مهن إبداعية خلال 10 سنوات، في ظل ولادة كائنات رقمية قادرة على الابتكار بشكل مستقل من دون الاعتماد على البشر، فهل نحن على أعتاب عصر جديد يصبح فيه الذكاء الاصطناعي شريكًا إبداعيًا أو منافسًا للإنسان؟ الإجابة في السطور التالية: لقد أثبت الذكاء الاصطناعي فاعليته كأداة إبداعية فى إنشاء الصور ومقاطع الفيديو والموسيقى. تتيح الموجة الحالية من الذكاء الاصطناعي، القائمة على نماذج لغوية واسعة، للمستخدمين إدخال مُطالبة (prompt) واستخدامها لإنشاء صور ومقاطع فيديو وموسيقى. خذ الصور كمثال، يمكنك كتابة مُطالبة، ويمكن للذكاء الاصطناعي إنشاء صورة عالية الجودة بناءً عليها ومع ذلك، فإن الأمر متروك للإنسان الذى يكتب المُطالبة ليكون مبدعًا في ترتيب الكلمات لدفع الذكاء الاصطناعي إلى إنشاء شيء مثير للاهتمام، لذا فإن مصدر الإبداع هنا يعود للمُبدع البشرى. يتم تدريب الذكاء الاصطناعي على الحصول على صورة عالية الجودة بناءً على المُطالبة، لكنه غير قادر على ابتكار شيء فريد. لنفترض أنك تريد تصميم سيارة جديدة، لن يتمكن الذكاء الاصطناعي من مساعدتك فى ذلك يمكنه فقط إنشاء صورة لسيارة نموذجية نريد أن نتجاوز الذكاء الاصطناعي التوليدى إلى الذكاء الاصطناعى الإبداعى. نريد أن يكون الذكاء الاصطناعي قادرًا على ابتكار تصاميم جديدة فريدة ومفاجئة من تلقاء نفسه بمجرد أن أطلب منه تصميم سيارة جديدة، وربما أخبره ببعض التلميحات حول هذه التصاميم الجديدة. ◄ ما أبرز التحديات التي تواجهكم في تطوير ذكاء اصطناعي قادر على الإبداع بشكل ذاتي؟ من الصعب تعريف الإبداع، فهناك جدل طويل ومستمر حول كيفية تعريف الإبداع، إذ لا يرتبط الإبداع بالنتيجة فحسب، بل بالعملية العقلية التعريف الأكثر اتفاقًا هو أن الشيء يكون إبداعيًا عندما يكون جديدًا ومفاجئًا، ولكنه فى الوقت نفسه له قيمة وموضع تقدير. يمكن أن تكون بعض الفنون أو التصاميم جديدة للغاية وصادمة لمعظم الناس، لكن هذا يحد من تقديرها وقيمتها، لذا فإن التوازن بين الحداثة والقيمة أمر شخصي ويعتمد على الفنان والمشاهد أو المستمع، وهذه مسائل صعبة للغاية وتحديات عندما يتعلق الأمر بدمجها في نظام الذكاء الاصطناعي.. كيفية تحديد الحداثة والمفاجأة والقيمة، وكيفية دمج التفضيلات الذاتية البشرية في أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية. ■ أول معرض لإنتاج صور ولدها الذكاء الاصطناعي بنفسه - لوس أنجلوس 2017 (4) ◄ ألا ترى أن هذا المشروع يهدد المبدع البشري الحقيقي؟! قد يُشكّل الذكاء الاصطناعي تهديدًا حقيقيًا للمهن الإبداعية البشرية، وقد يكون أداةً فعّالة لهم أيضًا. المبدعون الحقيقيون هم من سيتمكنون من استخدام هذه الأدوات الإبداعية كمتعاونين هذا ما حدث مع كل تقنية جديدة كان الفنانون الذين تبنوا هذه التقنية روادًا عبر التاريخ بالطبع، ستختفي بعض المهن الإبداعية، كما حدث دائمًا مع كل تقنية جديدة. وكمثال على ذلك، فكّر فى كيفية تغيير الكاميرات لطريقة التقاط الصور العائلية بدءًا من القرن التاسع عشر. ◄ لديك مشروع آخر متعلق بكشف اللوحات المزيفة، ما الذي يجعل الذكاء الاصطناعي قادرًا على مضاهاة أو تجاوز قدرات خبراء الفن؟ يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على تحديد التفاصيل الدقيقة والكبيرة، مثل تفاصيل آلاف ضربات الفرشاة في لوحة فنية، ومقارنتها بملايين ضربات الفرشاة التي رسمها الفنان نفسه، واختلافها عن مليارات ضربات الفرشاة التي رسمها فنانون آخرون. لا يمتلك أي إنسان القدرة على جمع هذا الكم الهائل من البيانات. لطالما خُدع الخبراء البشريون في العديد من فضائح الفن الشهيرة، ومن هنا تبرز أهمية الذكاء الاصطناعى فى اكتشاف الأعمال المقلدة أو المزيفة. ◄ اقرأ أيضًا | جوجل تطلق «وضع AI» باللغة العربية ضمن تجربة بحث مدعومة بالذكاء الاصطناعي ◄ هل هذه التقنية يمكن أن يتم اعتمادها رسميًا في أسواق الفن أو المحاكم لحسم القضايا الخاصة بتحديد مدى كون اللوحة أصلية من عدمه؟ من المؤكد أن هذا سيكون الحال في المستقبل القريب عندما تثبت هذه التقنية جدارتها. تُستخدم تقنيات أخرى بالفعل فى المضاهاة وإثبات أصالة اللوحة، مثل التأريخ بالكربون، وتحليل الصبغات، والتصوير بالأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية. جميع هذه التقنيات لم تكن موجودة أو لم تكن موثوقة قبل 50 عامًا. الآن، تستخدمها جهات إنفاذ القانون والمحاكم والمتاحف للكشف عن الأعمال المزيفة. ◄ نجحت مع فريق متخصص من الموسيقيين في استكمال سيمفونية بيتهوفن العاشرة، كيف وازنتم بين التزام الأسلوب التاريخي وإتاحة مساحة للإبداع الاصطناعي؟ لطالما آمنّا بأن الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون مُتعاونًا إبداعيًا يخدم الفنان البشري، كانت هذه وجهة نظرنا عندما شرعنا فى تنفيذ مشروع بيتهوفن، أشرف على العمل ملحنون وعلماء موسيقى بشريون حلّلوا مسودة بيتهوفن الموسيقية، وكُلّف الذكاء الاصطناعي بإكمال المسودة ومهمة التوزيع الموسيقي، لكن الملحن البشرى كان دائمًا هو من يُقرر ما يُؤخذ وما يُترك، بناءً على رؤيته. ◄ كيف يمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي في كشف القطع الأثرية المهربة وربطها بالآثار المصرية المسجلة؟ هذا تطبيق ممتاز للذكاء الاصطناعي، وبكل تأكيد يمكن القيام به. لقد طورنا بالفعل تقنية مماثلة أثبتت فائدتها. قبل عامين، دُعيتُ للتحدث فى فعالية نظمتها وكالات إنفاذ قانون دولية كبرى، مثل الإنتربول، ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، بالإضافة إلى متاحف عالمية كبرى، لاستكشاف استخدام الذكاء الاصطناعى فى وقف الاتجار بالتحف الثقافية والقطع الأثرية. تُباع آلاف القطع الأثرية فى المزادات سنويًا. من الممكن بناء نظام يفحص كل قطعة تُعرض فى المزاد، ويتحقق مما إذا كانت مسروقة من متحف أو موقع تاريخي، لكن هذا الأمر يتطلب أولًا أن نبدأ بتوثيق ورقمنة محتويات قوائم جرد الآثار التى لدينا. ◄ كيف ترى مستقبل العلاقة بين الفنان والذكاء الاصطناعي.. تعاون أم منافسة؟ على مدار السنوات العشر الماضية، عملت مع العديد من الفنانين الذين كانوا يستكشفون استخدام الذكاء الاصطناعي في إبداعهم، دائمًا ما يجد الفنانون قيمة كبيرة فى استخدام الذكاء الاصطناعى ضمن منهجية عملهم. على وجه الخصوص، يحب الفنانون الإلهام الذى يحصلون عليه من الذكاء الاصطناعي، ونظرًا لأن الذكاء الاصطناعي لا يرى العالم بنفس الطريقة التى نراه بها، فإن لديه القدرة على تزويدنا بصور ومقاطع فيديو مدهشة يجدها الفنانون ملهمة ويسعون لدمج ذلك فى أعمالهم. من ناحية أخرى، يجدون أن الذكاء الاصطناعى يساعدهم فى الإبداع على نطاق واسع أو الإبداع بشكل أكثر كفاءة. هذا مهم لبعض الفنانين الذين تكون عملية إبداعهم شاقة وتستغرق وقتًا طويلاً، مثل فنانى المؤثرات البصرية ومصممي الألعاب. عمومًا، يوفر الذكاء الاصطناعى أداة تعاونية رائعة، ومع ذلك، لا شك فى أن الذكاء الاصطناعى سيهز العديد من المهن فى العقد المقبل، بما فى ذلك العديد من المهن الفنية. ◄ ما الخطوة التالية التي تطمح لتحقيقها فى مختبر الفنون والذكاء الاصطناعي خلال السنوات المقبلة؟ كان المختبر رائدًا فى إظهار كيف يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مُبدعًا بالفعل. على مر السنين، طوّرنا العديد من خوارزميات الذكاء الاصطناعي في الفن والموسيقى. والآن أصبح استخدام الذكاء الاصطناعي شائعًا جدًا في الإنتاجات الفنية. نهدف إلى مواصلة مهمتنا في دفع الذكاء الاصطناعي ليكون مُتعاونًا إبداعيًا مع المُبدعين البشريين، فى جميع المجالات. أعتقد أننا لم نكتشف سوى القليل، وهناك العديد من الإمكانيات التى تحتاج إلى استكشاف. ◄ عالم مصري حوّل الآلات إلى فنانين مبدعين الدكتور أحمد الجمّال أستاذ علوم الحاسب بجامعة روتجرز الأمريكية، مؤسس ورئيس معمل الفنون والذكاء الاصطناعي، وهو معمل رائد يركز على تطويع علم البيانات فى مجال الإنسانيات الرقمية، كما يشغل عضوية المجلس التنفيذي لمركز العلوم الإدراكية بالجامعة. ■ مع عدد من خبراء الموسيقى العالميين أثناء بروفات السيمفونية العاشرة لبتهوفن يحتوي السجل العلمي للبروفيسور المصري على أكثر من 180 إصدارًا بحثيًا محكمًا في مجالات الرؤية الحاسوبية والتعلم الآلي، لكن تميزه الحقيقي يكمن في أبحاثه الرائدة التي تدمج بين الذكاء الاصطناعي والإبداع الفني، فقد قاد الفريق التقني الذي استكمل السيمفونية العاشرة لبيتهوفن باستخدام نماذج اللغة الكبيرة، فى مشروع وصَفَته الوسائل الإعلامية العالمية بأنه "معجزة تقنية". حظيت إنجازاته باهتمام إعلامي واسع، حيث تناقلَت كبرى الصحف العالمية مثل "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" و"الجارديان" أخبار أبحاثه، كما حصل تقرير PBS عن أعماله على جائزة إيمى عام 2016. وفى اعتراف فنى لافت، أشادت منصة Artsy المتخصصة بعمله في مجال الفن المُنتج بالذكاء الاصطناعي معتبرةً إياه "أكبر إنجاز فني لعام 2017". لم يقتصر تأثير الجمّال على الأوساط الأكاديمية والإعلامية، بل امتد إلى المعارض الفنية الدولية، حيث عُرضت أعماله في مساحات إبداعية مرموقة فى لوس أنجلوس وفرانكفورت وسان فرانسيسكو ونيويورك. ويظل حصوله على جائزة CAREER المرموقة من مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية شاهدًا على تميزه الأكاديمي، ورسالته المستمرة في كسر الحواجز بين التقنية والإبداع تثبت أن الآلات يمكن أن تكون شريكةً للإنسان في الإبداع الفني.