منذ أن بدأت الأزمة المالية العالمية في الظهور أواخر سبتمبر الماضي وما ارتبط بها من تداعيات وانهيار للأسواق المالية في عدد كبير من دول العالم واختفاء لعدد أكبر أيضا من كبريات المؤسسات المالية والبنوك بجانب الأزمات وشبح الافلاس والانهيار الذي يهدد عدداً آخر من الشركات والمصانع في مختلف دول العالم وعلي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الأوروبية وهو ما استدعي حكومات هذه الدول الرأسمالية من للتدخل بضخ آلاف المليارات من الدولارات لانقاذ هذه الصناعات والمؤسسات، وسؤال مهم مطروح.. ما علاقة التعليم بهذه الأزمة؟.. وكيف ستؤثر الأزمة علي أوضاع التعليم والبحث العلمي في هذه الدول وكيف سيتم مواجهة ذلك، هل ستتراجع أهمية وأولوية التعليم لدي هذه الدول لصالح الاصلاح المالي والاقتصادي لمحاولة تقليل أقل قدر من الخسائر، خاصة أن أغلب دول العالم ان لم يكن جميعها فإن تمويل مؤسسات التعليم والبحث العلمي هو مسئولية الحكومات في المقام الأول وليس القطاع الخاص وماذا عن مصر ستتأثر موازنات التعليم المحدودة الموارد أصلاً بسبب هذه الأزمة؟ الإجابة عن هذا السؤال المهم لم تتأخر عالمياً كثيراً، ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية أعلن البيت الأبيض الشهر الماضي وعقب تولي باراك أوباما مقاليد الحكم عن ضخ المزيد من الموازنات لدعم البحث العلمي ومؤسساته وابحاثه واستجاب لنداء مطلب العلماء الأمريكيين لزيادة الاعتمادات المالية لمواصلة الجهود وحتي تستمر أمريكا في مكان الصدارة بالنسبة للبحث العلمي العالمي بل الأكثر من ذلك ان أوباما أعلن أيضاً عن زيادة معدلات الانفاق للتعليم الجامعي والهدف كما قال ان كل انفاق زائد للتعليم الجامعي يعني زيادة اعداد المقبولين بالتعليم العالي والفني أيضا وهذا هو المهم زيادة في فرص العمل المتاحة وتشغيل للعمالة لاستيعاب نسبة من البطالة وبمعني آخر أن ضخ الأموال سوف يوفر بجانب اماكن للدراسة بالتعليم العالي.. فرصاً لوظائف جديدة تخدم هذا التوسع وبالتالي كان التعليم أحد أبواب مواجهة الأزمة المالية العالمية، وإذا انتقلنا من الولاياتالمتحدةالأمريكية إلي أوروبا سنجد ان هذه القضية تشغلهم أيضا فخلال الأيام الماضية استضافت مصر ديمير تولد لبينجر رئيس اكبر الشركات الصناعية الألمانية وبدعوة من د. أشرف منصور رئيس مجلس أمناء الجامعة الألمانية وهو أيضا من أكبر أساتذة البحث العلمي في ألمانيا فقال ان الأزمة المالية العالمية يشعر بها الجميع ليس فقط علي النطاق الاقتصادي بل أيضا علي نطاق الصناعة والإنتاج والأهم هو علاقتها (الأزمة المالية) بالبحث العلمي وتمويله لذلك فإن هذه القضية معروضة للنقاش والحوار داخل كافة دول الاتحاد الأوروبي وهم يبحثون الآن كيفية عدم تأثر مؤسسات التعليم بذلك خاصة الجامعات لأنه أكد علي مفهوم ان وظيفة الجامعات ليست من بينها ان تبيع علمها لذلك يجب استمرار الدعم لها لكي تستمر في أداء وظيفتها. وما يحدث الآن في فرنسا ليس بعيداً عن ذلك فالمظاهرات والاضرابات التي دخلت أسبوعها العاشر الآن وقودها من مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي وكلها تطالب بزيادة الموازانات لهذا القطاع ورفض اقتراحات وخطة وزيرة التعليم العالي الفرنسية ضد خفض الميزانية في اطار برنامج متكامل وضعته الوزارة لمواجهة الأزمة واصلاح مؤسسات التعليم هناك، وهو ما دعا الحكومة الفرنسية إلي سحب مشروعها وتأجيل التنفيذ لاشعار آخر. أما نحن هنا في مصر فلم تكن هذه القضية مطروحة بالحاح كما هو الحال في أوروبا وأمريكا خاصة في ظل تأكيد الحكومة المصرية ان حجم التأثير (لن يكون كبيراً) ولكن كان هناك خوف مكتوم في المؤسسات التعليمية من تأثير موازنات التعليم في العام المالي القادم (يوليو 2009) بتلك الأزمة خاصة ان المجموعة الاقتصادية قد أعلنت أن معدل النمو سوف ينخفض من 2.7% إلي 5.4% ولكن هذا الأسبوع حمل مفاجأة سارة للقطاع التعليمي حيث أعلن د. أحمد نظيف رئيس الوزراء عن ارتفاع مخصصات التعليم في الموازنة الجديدة إلي 48 مليار جنيه بعدما كانت 36 مليار جنيه في العام الماضي وبنسبة زيادة تبلغ 10 مليارات جنيه بعد خصم موازنة كادر المعلمين أي زيادة حجم الانفاق بنسبة تصل إلي 30% اضافية في العام القادم ولكنه في بيانه الذي ألقاه بمجلس الشعب لم يفصح رئيس الوزراء عن أين ستذهب هذه المليارات الاضافية ولأي بند وما هو العائد المنتظر وهو ما نتمني أن يفصح عنه وقبل كل ذلك ان يدرس التجربة الأمريكيةالجديدة في دعمها لموازنة التعليم ليس من "أجل عيون التعليم.. إلي آخره" كخطة اقتصادية لمواجهة الأزمة المالية وانخفاض معدلات النمو وارتفاع نسبة البطالة.. لأن التجربة العالمية توضح ان هذه الدول قد ادركت ان زيادة الانفاق علي التعليم والبحث العلمي معناه زيادة كبيرة في المكاسب المالية بجانب تقليل نسب البطالة ففي الولاياتالمتحدة مرة أخري، زادت نسب الوظائف التي تتطلب مستويات عليا من التعليم والمهارات (التعليم الجامعي المتخصص) من 23% من نسبة الوظائف عام 1999 إلي 33% خلال نفس الفترة وزادت الصادرات بسبب نواتج البحث العلمي خمسة اضعاف ما كانت تحققه بمعني أن الصرف علي التعليم ليس أموالاً مهدرة بل كله مكاسب وهو ما يحاول ان يؤكده العالم المصري د. مصطفي السيد بقوله ان كل دولار يصرف علي التعليم يكون عائده يساوي خمسة أضعاف فهل نحلم باليوم الذي نفكر فيه هكذا وبطريقة اقتصادية بأن زيادة الانفاق علي التعليم وزيادة الاماكن في التعليم العالي ليس ترفاً بل هو حل للأزمة.