غدا تشهد الجزائر انتخابات رئاسية جديدة تبدو نتيجتها محسومة بنسبة مائة في المائة لصالح الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة، الذي سيظل رئيسا للجزائر لدورة رئاسية ثالثة بعد ان انضمت الجزائر إلي قائمة الدول العربية التي رفعت شعار "رئاسة بلا حدود" وعلي الرغم من ان النتيجة محسومة، إلا ان الإثارة وجدت طريقها إلي الحياة السياسية في الجزائر، في ظل انتهاز مرشحي المعارضة فرض الانتخابات لطرح برامج سياسية واقتصادية وثقافية مختلفة، ومحاولة العثور علي فضائح رجال النظام لنشرها تحت بند الدعاية الانتخابية وموسم الانتخابات فرصة للحصول علي مزايا اقتصادية واجتماعية، وكان نصيب المزارعين الجزائريين الأكبر من حيث اعفائهم من ديونهم التي تراكمت عليهم، كما حصلت الأقلية العرقية المعروفة باسم "الامازيغ" من سكان المناطق القبائلية علي مكاسب أخري نحو تدعيم الاعتراف بثقافتهم المختلفة ولغتهم التي جري تجاهلها عدة عقود ومنع تدريسها أو استخدامها في أي مكاتبات أو لدي أي جهة رسمية. وحظيت الجماعات الإسلامية المسلمة بفرصة جديدة لتفعيل قانون "السلم والمصالحة" الذي يقدم عفوا عاما عن المسلحين الذين يلقون السلاح ويتوقفون عن استخدام أي من أشكال العنف، وقد استفاد عدد كبير من أعضاء جبهة "الانقاذ" وجماعات متطرفة أخري بعضها أقرب إلي اسلوب تنظيم القاعدة في العمل من تلك التسهيلات القانونية، ونزلوا من الجبال وتركوا العمل المسلح وسط موجة من "المراجعات" الفقهية والسياسية مثل تلك التي قام بها أفراد الجماعات الإسلامية والجهاد في مصر. الاستقرار والتغيير الجزائر انقسمت إعلاميا إلي خطابين، الأول خطاب الأغلبية الساحقة يمثله الائتلاف الحاكم الذي يضم حزب جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم، وهذا الائتلاف يسيطر علي البرلمان بأغلبية مريحة جدا يسيطرون علي 254 مقعدا من أصل 389 مقعدا. ويرفع الائتلاف شعار الاستقرار والاستمرار، للمضي قدما في تنفيذ الاصلاحات الشاملة التي بدأها عبدالعزيز بوتفليقة، فيما يرفع معسكر المعارضة شعار التغيير علي الرغم من انقسامها إلي عدة قوي واحزاب تتنافس ايضا فيما بينها للحصول علي أكبر نسبة تصويت لمرشحيها في تلك الانتخابات من أجل تعزيز تواجدها في الشارع. وأهم الأحزاب المشاركة حزب العمال والتوجه الماركسي المتشدد وتقوده رئيسة الحزب "لويزه حنون" وهي شاركت في عدة منافسات انتخابية سابقة، ثم حزب "عهد 54" في الاشارة إلي انطلاق ثورة التحرير ضد الاحتلال الفرنسي، وحزب الجبهة الوطنية ذو التوجه القومي. وطبقا لقانون الانتخابات يستلزم للمرشح الحصول علي تأييد نسبة محدودة من توقيعات الناخبين المسجلين ونواب في البرلمان والمجالس المحلية، وهو نظام أقرب إلي ما يحدث في مصر، وهو مشتق علي كل حال من النظام الفرنسي الانتخابي، وبسهولة شديدة حصل بوتفليقة علي توقيعات 4 ملايين ناخب والقانون يلزمه بالحصول علي توقيع 75 ألف ناخب فقط كما حصل علي تأييد 12 ألفا من نواب البرلمان والمجالس المحلية و48 ولاية، فيما يلزم القانون بالحصول علي تأييد 600 نائب في 25 ولاية. واضافة إلي ذلك حصل بوتفليقة في "هوجة المبايعة" علي تأييد جماعي للنقابات والاتحادات، وهو ما أثار سؤال غالبية الصحف الأجنبية وبصفة خاصة الفرنسية التي تابعت الحملة الانتخابية بتساؤل عن مدي أهمية الانتخابات إذا كانت النتائج محددة سلفا وتساءلت تلك الصحف ايضا عن حقيقة الانفتاح السياسي في الجزائر وما إذا كانت عملية إنهاء نظام الحزب الوطني سنة 1989 قد استبدلت بنظام "ديكوري" للتعددية الحزبية، حيث ظهر أكثر من 60 حزبا كان عدد كبير منها يعمل بشكل سري، وهو ما ساعد علي ظهور ربيع الجزائر الديمقراطي الذي اقتصر علي فترة لم تتجاوز العامين وكان التطور الأبرز هو ظهور عشرات الصحف التي امتلأت بمقالات نقدية ضد النظام ورجاله الكبار. الجيش يحكم وقد تعرضت التجربة الديمقراطية إلي ضربة قاصمة سنة 1991 مع الفوز الكاسح الذي حققته جبهة الانقاذ في الانتخابات العامة التي لم تستكمل مرحلتها الثانية، بعد تدخل الجيش لايقاف زحف الإسلاميين نحو الحكم، وتحت دعوي حماية الجزائر ونظامها السياسي المدني التعددي وسع الجيش في نفوذه ومجال تحركه لمواجهة المنظمات الإسلامية التي لجأت إلي الجبال ومهاجمة القري والولايات في إطار حرب أهلية مصغرة اوقعت آلاف القتلي وعمليات تهجير واسعة. واستطاع الجيش منع جبهة الانقاذ من اقامة الجمهورية الإسلامية التي كانت علي وشك الظهور، وحظي بوتفليقة بتأييد الجيش باعتباره من الجيل القيادي للثورة الجزائرية وهو ما اتاح له تأييد معظم القيادات الباقية علي قيد الحياة ويتقدمهم الرئيس الاسبق أحمد بن بيلا، الذي تعرض للاعتقال أكثر من عقدين بعد الانقلاب الذي قاده ضد زميله الرئيس الراحل هواري بومدين. الديمقراطية الغربية.. غير مناسبة وتحت دعوي ان الديمقراطية الغربية تحدث فوضي هائلة وانها غير مناسبة للمجتمعات العربية الإسلامية، عادت الجزائر إلي مرحلة أقرب إلي نظام الحزب السياسي الواحد، وسيطر التحالف السياسي العسكري علي الحياة السياسية بدعوي الاستقرار والاستمرار في تنفيذ عملية التنمية وساعدت ايرادات الجزائر النفطية الهائلة العام الماضي علي تخلص الجزائر من كل ديونها الخارجية واستمرار عمليات إنشاءات ومشروعات واسعة، ولكن تظل مشكلة البطالة قائمة والاستقطاب السياسي بين حزب جبهة التحرير الذي فقد الكثير من قوته وتراثه التاريخي، لصالح جماعات الغضب والاحباط وهو نفس المأزق الذي واجهته الأنظمة الوطنية بعد انتهاء معركة الاستقلال والتحرير، حيث أصبحت المعارك السياسية العربية كلها تحت نفس الشعار "الاستقرار أو التغيير".