ألمحت إدارة أوباما إلي احتمال تراجعها عن الهدف الذي أعلنته سابقاً بزيادة معدل العون الخارجي الأمريكي إلي الضعف بحلول نهاية ولايته الأولي، وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية التي تواجهها بلاده. ويثير التراجع عن ذلك الهدف الطموح، قلقاً علي صورة أمريكا في نظر العالم الخارجي، خاصة الدول النامية، بقدر ما يثير المخاوف من التأثيرات السلبية لهذا القرار علي التنمية والصحة العالميتين. يذكر أن الولاياتالمتحدة قد زادت مساعداتها المالية خلال السنوات الأخيرة الماضية للحملات الدولية التي تستهدف وباء الإيدز وفيروس HIV المسبب له، وكذلك مرض الملاريا، في إطار زيادة الإنفاق الدولي علي الصحة. وقد حققت هذه الزيادات نتائج باهرة للغاية، خاصة في بعض الدول الأفريقية. ومصدر القلق الآن هو التراجع عن هذا الاتجاه. لكن ومع ذلك، لاحظ بعض خبراء التنمية أن ميزانية الرئيس أوباما للعام 2010 تضمنت زيادة نسبتها 10 في المائة تقريباً في العون الخارجي، وهي تعد إيجابية بالنظر إلي سوء الأوضاع الاقتصادية في الوقت الحالي. ومع تزايد احتمالات تفاقم الأزمة إلي أسوأ مما أشارت إليه التقديرات السابقة، ألمح ''مكتب الإدارة والميزانية'' التابع للبيت الأبيض، إلي تأجيل هدف مضاعفة العون الخارجي الأمريكي إلي الولاية الثانية للرئيس أوباما، بدلا من تنفيذه خلال ولايته الأولي حسبما وعد. وعلي رغم إيجابة استجابة الوسط التنموي لهذا التلميح علي حد قول ستيف رادليت -من مركز التنمية الدولية بواشنطن- إلا إنه لا يزال يسود سلوك ''دعنا ننتظر ونري ما يحدث'' بين الخبراء التنمويين. وكانت فكرة مضاعفة العون الخارجي بمعدل 50 مليار دولار سنوياً بحلول عام ،2012 من بين الوعود الرئيسية التي قطعتها الحملة الانتخابية لأوباما علي نفسها، بهدف تحسين صورة أمريكا عالمياً وتمتين علاقاتها مع العالم الخارجي، لا سيما مع الدول النامية. وكثيراً ما يتحدث المنتقدون عن ضعف مساهمة أمريكا في العون الخارجي العالمي، قياساً إلي إجمالي دخلها المحلي، حيث لا تزيد نسبة مساهمتها عن 0,16 في المائة فقط. وبالمقارنة تنفق دولة مثل النرويج ما نسبته 0,95 في المائة من إجمالي دخلها المحلي في برامح العون الخارجي، وفقاً لمعلومات ''منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية'' في باريس. ويري بعض الخبراء التنمويين أن الركود الاقتصادي العالمي، يمثل فرصة ملائمة لإصلاح نظام العون الخارجي الأمريكي، حتي يكون مواكباً لظروف عصرنا الحالي. ولكن تبقي التساؤلات حول ما إذا كان الكونجرس سوف يساند المقترحات التي يتبناها أوباما في هذا الشأن، في وقت يحسب فيه ألف حساب لكل دولار ينفق في ظروف الأزمة المالية الاقتصادية الخانقة. يذكر أن آمال دعم الكونجرس لمقترحات كهذه تراجعت الآن أكثر من ذي قبل. والسبب إصدار ''مكتب الميزانية'' التابع له، بيانات مالية يوم الجمعة الماضي لا تبشر بقرب التعافي الاقتصادي مطلقاً. أشارت البيانات المالية إلي عجز قياسي في الميزانية العامة، بلغ حجمه 1,8 تريليون دولار خلال العام الحالي، بينما يرجح حدوث انخفاض طفيف للغاية لذلك العجز بحلول العام المقبل، إذ يتوقع له أن ينخفض إلي 1,4 تريليون دولار فقط. ومما لا ريب فيه أن هذه البيانات المالية سوف تعزز معارضة كل من ''الديمقراطيين'' و''الجمهوريين'' من أعضاء الكونجرس للزيادة التي تقترحها ميزانية أوباما. وكان الكونجرس قد صادق مؤخراً علي ميزانية قياسية بلغ حجمها 900 مليون دولار في شكل منحة ل''الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والملاريا والسل الرئوي''. وتعد تلك المنحة أكبر مساهمة مالية منذ إنشاء الصندوق في عام .2002 غير أن مسئولي ''الصندوق'' قالوا إنهم سوف يراقبون عن كثب ميزانية أمريكا لعام ،2010 ليروا ما إذا كانت تتضمن أي تطور إيجابي في القسم المخصص منها للعون الخارجي. ومن رأي ''رادليت'' أن البيئة المالية الاقتصادية الراهنة بالذات، تعد وقتاً سيئاً للغاية لخفض العون الخارجي الذي تقدمه الولاياتالمتحدة لمساعدة الدول الفقيرة والنامية بصفة خاصة. والسبب أن شعوب تلك البلدان تعتقد أن أمريكا هي المتسببة في الأزمة التي يعاني ويلاتها الفقراء أكثر من غيرهم. فهذه هي الحقيقة سواء اقتنعنا بها أم لم نقتنع، وسواء شئنا أم أبينا. وطالما أن الفقراء في مختلف أنحاء العالم يحملون أمريكا مسئولية ما حل بهم، ثم تأتي واشنطن لتعلن تراجعها عن تقديم العون اللازم لهم، فإن في ذلك ما يؤذي جداً صورة أمريكا خارجياً، ويحد من دورها القيادي العالمي. ومن رأي ''رادليت'' وغيره من الخبراء والقادة التنمويين الدوليين، أن الوقت الحالي ليس فرصة ملائمة لزيادة ميزانيات العون الخارجي فحسب، بل فرصة لإصلاح برامجه ونظامه في ذات الوقت. ''فهناك فرصة لتحسين أدائنا في مجال العون الخارجي، وإنفاق ما لدينا من ميزانيات مخصصة له علي نحو أكثر كفاءة''. ذلك هو تعبير ''رادليت'' الذي يشارك كذلك في رئاسة ''شبكة تحديث العون الخارجي''. هذا ويدعو تحالف يضم ما يزيد علي 150 خبيراً من خبراء التنمية والضباط العسكريين والمنظمات غير الربحية وقادة الاستثمارات، إلي إجراء إصلاحات جوهرية في نظام العون الخارجي الأمريكي خلال القرن الحالي.