كما اعتدنا دائما مع نهاية كل عام و بداية عام جديد امتلأت الصحف و المجلات بتصريحات وردية من المسئولين و الوزراء حول انجازاتهم القادمة في العام الجديد و مشروعاتهم الرائدة التي سوف ينفذونها لخدمة المواطنين و التخفيف من حدة الفقر و التوسع في الخدمات و رفع مستوي الدخول و تقليل التضخم والقضاء علي الفساد ... الخ و اعتقد أن هذه العادة أصلها فرعوني لان نفس الوعود تتكرر منذ سبعة آلاف سنة (بالهيروغليفية ) لذلك فان تصريحات السادة المسئولين في بداية كل عام تحمل جوانب تراثية و فلكلورية شديدة الخصوصية تميزنا عن باقي شعوب الأرض التي اعتادت علي محاسبة المسئولين في نهاية كل عام علي ما تم انجازه بالفعل و ليس ما سوف يقومون بانجازه و تنشر الصحف هناك القوائم السوداء لكل مسئول لتوضح إخفاقاته او سوء إدارته لموارد وزارته او عدم تحقيق تطورات ملموسة و غالبا ما تكون تلك المقالات سوداوية و قاسية علي هؤلاء المسئولين و علي المواطنين بما لا يتناسب مع فرحة العام الجديد لذلك نحن نختلف فعلي مبدأ (فرحني و افرح ) تأتي جميع تصريحات المسئولين المصريين في نهاية كل عام .. وردية حالمة تحمل الكثير من التفاؤل و الأمل و القليل من المنطق و الحقائق.. و لنترك تلك الأحلام الفرعونية جانبا و لنتكلم بموضوعية عن ملامح مصر في 2009 بدون شعارات رنانة أو أهداف معادة .. فعلي المستوي الاجتماعي من المتوقع أن تظل حالة الاحتقان و العنف و النفور الاجتماعي الذي تعيشه كل الطبقات و الفئات السكانية في مصر و سوف تزيد حدته مع قلة الموارد و ضعف الدخول المالية الناتجة عن تأثرنا بالأزمة المالية العالمية و سوف يلاحظ زيادة غير طبيعية في جرائم القتل و الاغتصاب و السرقة مع تزايد أعمار و قدرات أطفال الشوارع و انعدام الفرص المتاحة لهم لان يعيشوا كآدميين .. و سوف ترتفع نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر خاصة بعد الانقباض المتوقع لسوق العمالة الموسمية او المؤقتة و الذي نتج عن انخفاض حركة السياحة وأنشطتها المختلفة و تأثر العديد من الأنشطة الاقتصادية بالركود العالمي الراهن . سيظل رجال الأعمال و التجار و السماسرة علي قمة الهرم الاجتماعي في مصر متمتعين بعلاقة شاذة مع السلطة تتيح لهم مميزات خرافية في السيطرة علي المجتمع و الثراء الفاحش من خلال احتكار جميع موارده و ممتلكاته و من المتوقع ان تظهر العديد من الفضائح و القضايا المالية و الأخلاقية لهذه الطبقة في 2009 أما علي المستوي الاقتصادي .. فمن المتوقع ان تشهد الأسواق كساداِ غير طبيعي في كل المنتجات و ستقل السيولة المتوفرة في السوق كنتيجة لضعف التعاملات و الأنشطة التجارية و الصناعية . و ستقل الأسعار تدريجيا و ببطء بسبب جشع المصنعين و التجار و عدم وجود ضوابط حكومية علي مستوي الأرباح و تسعير المنتجات المختلفة مما يزيد من حدة التضخم و من المعاناة الاقتصادية لمحدودي الدخل . و سوف تظهر العديد من السلبيات لنظام التقسيط خاصة في قطاع السيارات و العقارات و الأراضي و الذين سيشهدون انخفاضاً شديداً في حجم التعاملات و في القيمة السعرية و لكن من المتوقع أن يزيد حجم الأنشطة الزراعية و استصلاح الأراضي كنتيجة لانهيار الاستثمار في الأراضي ( التسقيع ) و بسبب زيادة حجم المعروض عن طلب الفئات القادرة علي شراءه و سوف يرتبط ارتفاع الأنشطة الزراعية بانخفاض أسعار الأسمدة والمبيدات و التي يجب أن يكون سريعا لتشجيع الأفراد في الاستثمار في هذا المجال الذي يحمل بعض الأمل .. و بشكل عام سوف يعاني السوق من عدم وجود معايير سعرية ثابتة لكافة الأصول (عقارات أراضي سيارات) و ستكون حركة البيع و الشراء معتمدة علي معايير نسبية مختلفة.. تلك الملامح المأساوية هي السبب في احترامي الشديد لنظرية فرحني و افرح الذي يتبعها المسئولون المصريون في التبشير الدائم بعام أفضل فان لم نكن نمتلك براعة التعامل مع الأزمات فعلي الأقل نمتلك براعة التعامل بالكلمات. وربنا يستر.