الفكرة السائدة بأن نجيب محفوظ وجيله قد أبدع وهو يحافظ علي وظيفته الي آخر يوم فيها حتي وصل الي سن المعاش.. فكرة صحيحة.. لكن تعليقي عليها بسيط هو : اعطني زمن نجيب محفوظ وسأعطيك أكثر من نجيب محفوظ في الأدب والرواية والشعر والفن التشكيلي .. الخ هكذا يقول الأديب يوسف أبورية.. ** قلت : ماذا تقصد. * قال: الحياة كانت أقل ضغوطا من التي نعيشها الآن.. الفارق بين المرتبات والدخول والأسعار لم تكن مجنونة كما يحدث لنا الآن.. بدليل ان الموظف في الماضي كان في مرتبة اجتماعية محترمة وكان الطالب يتخرج ويعمل بعد تخرجه بساعات.. ومن مرتبه يحصل علي شقة ويتزوج ويساعد أهله ويبدع اذا كان أديبا أو فنانا.. باختصار لم تكن الحياة بهذا العسر الشديد الذي نعيشه الآن.. في مجتمع استهلاكي من الألف الي ألياء.. وهل تكفي جنيهات التفرغ في سد رمق المبدع. * التفرغ لا يعطي أموالا طائلة بحيث تلبي الاحتياجات لكنه يمنح الأجر والوقت.. وأنا علي سبيل المثال أخذ نفس مرتبي الذي أتقاضاه من وزارة البحث العلمي من منحة التفرغ، بل ويكون ناقصا الحوافز والمكافآت لأن تحديد شريحة التفرغ تعتمد علي مفردات المرتب الاساسية.. والمفروض ان تكون منحة التفرغ متساوية مع كل ما أحصل عليه من وظيفتي مثل باقي زملائي.. لكن علي أية حال الامتياز الحقيقي الذي أحصل عليه من التفرغ هو تفرغي للكتابة والزامي بالعمل وعدم اضاعة الوقت في الاستيقاظ مبكرا والذهاب للعمل والعودة مساء "مهدود الحيل". ** كيف الزمك التفرغ علي الابداع وهل الابداع يمكن ان يتم بالالزام!! * طبعا الشعور بأن هناك وقتا أمامي لانجاز عمل ما جعلني انجز رواية تل الهوي والجزيرة البيضاء وشتاء العري وأحلام عنترة واعتقد انني ما كنت سأبدع هذه الأعمال مع أعباء الوظيفة. ** اختلط الحابل بالنابل وحصل علي التفرغ من يستحق ومن لا يستحق ولا يحصل عليها الكثير ممن يستحقون!! * ليس من حقي تقييم الآخرين، لكن اعتقد ان مشكلة التفرغ هي عدم وجود معيار وكل قاعدة ولها استثناء، واعتقد انه لو هناك معيار محدد وصارم ويكون بمثابة السيف القاطع علي الجميع سوف يحترمه الجميع ولن تجد شكوي. ** وأين مشروع التفرغ المصري بالمقارنة بالبلاد العربية والاجنبية. * العرب يحسدوننا عليه ويتمنون وجوده عندهم.. أما الغرب فهناك حكاية أخري. ** ما هي !! * نحن أخذنا منهم نظام اقتصاد السوق ولكن طبقنا بعضه وتجاهلنا بعضه الآخر. ** ماذا تقصد؟ * اخذنا النهب والاستغلال ولم نأخذ احترام الآخرين وحقوقهم الفكرية، الكاتب هناك لا يحتاج الي تفرغ أو منحة من الحكومة لأنه يمكن ان يعيش عمره كله علي عمل ناجح، يعيش من ناتج بيعه، هناك لا استغلال للمؤلف هناك وكيل اعمال للأديب يتفق له مع دور النشر ويراجع التوزيع ويحصل للمبدع علي حقوقه ويتفرغ الكاتب للابداع فقط اما هنا فالحكاية مختلفة وأشياء تجعلنا في نص هدومنا امام الأجانب. ** كيف؟؟ * في حوار مع التليفزيون الألماني سألنا لمذيع ببراءة ما هو دخلك من الكتابة.. رددت محاولا التهرب : خلي الطابق مستور، اصر علي السؤال قلت له أنا احصل علي أعلي اجر من دار الهلال وقال كم؟! قلت 500 جنيه. قال: يعني كم دولار رددت حوالي 70 دولارا بسعر السوق السوداء.. ذهل الرجل فرددت: أنا اسعد حالا، أنا لي بعض الأصدقاء يدفعون لدور النشر تكاليف الطباعة من قوت يومهم. ** نعود للتفرغ.. هل انت راض عن شكله الحالي؟ لابد من ضبط المعايير وتحديد الفلسفة فهل مثلا انشأنا التفرغ من اجل مبدعين لا دخل لهم ولا وظيفة يشغلونها وبالتالي أدعمه ماديا كي اقيله من عثرته المادية وأحمس موهبته وأحافظ علي وجوده الانساني. أم ان التفرغ لمبدع تأكل الوظيفة وقته ولا تعطيه فرصة لاستكمال مشاريعه الفنية ويكون التفرغ لكي يجلس في البيت ويتفرغ للابداع وأمنحه مرتبه. أم من أجل مساندة شيخوخة البعض ومنحهم المزيد من الدخل علي أساس ان معاشهم أقل من الدخل وأعوضه ما خسره من المرتب أم التفرغ أخيرا لأدباء شبان أريد مساعدتهم في أولي خطواتهم الأدبية والفنية. إذا حددنا المعايير سنمنع اختلاط الحابل بالنابل ونمنع أي ثغرات للاختراق فهو مشروع جيد جدا وراق لكن تنفيذه يحتاج لمعايير محددة.. وعلي فكرة انا أعرف أصدقاء خسروا كثيرا من جراء التفرغ نظير انخفاض دخولهم كثيرا عن الوظيفة، فتركوا التفرغ وعادوا لأعمالهم. ** بصراحة هل يلتزم الحاصلون علي التفرغ بتقديم مشروعات جيدة أم ان المسألة مجرد سببوة. * لابد من سؤال لجان التفرغ عن المشروعات التي تحققت ومن لم يحقق مشروعه يحرم من الحصول علي أي منحة في المستقبل ولن أقول نسترد له ما تم دفعه له. وعلي فكرة لو أقيم معرض لانجازات التفرغ كل عامين أو ثلاثة في كل الفروع تشكيلية وأدبية وفنية سيكون العائد أمام الجميع وأنا علي فكرة تم نشر بعض أعمالي في سلسلة التفرغ للأعمال الأدبية.