لا شك أن هذا يدق ناقوس الخطر ويستدعي إجراءات عقلانية وخططاً مدروسة لمواجهة ذلك علي غرار ماهو حادث في دول مثل كندا أو استراليا، فالفكر التقليدي تجاه العلاقة بين العمالة الاجنبية والمواطنين لم يعد صالحاً في القرن الحادي والعشرين. كثيرة هي الدول العربية المتجاورة والتي يمكن اعتبارها بمثابة توائم متشابهة أو متنافرة، ولعل أكثر التوائم العربية تشابها مصر والسودان في الشمال الافريقي، والبحرين وقطر في الخليج العربي، فقد تحرركل توءم تقريباً في نفس الوقت، فمصر حققت الجلاء في عام 1956م، وكذلك السودان حصلت علي استقلالها في نفس العام، قطر والبحرين استقلتا عام 1971م، بعد قرار بريطانيا الانسحاب من شرق السويس، كلاً التؤمين خضعا للاستعمار البريطاني بسياستة العتيدة (فرق تسد) بهدف إضعاف الدول حديثة الاستقلال وإثارة الخلافات الحدودية فيما بينها، ولعل مشكلة حلايب هي أبرز تلك المشاكل بين مصر والسودان ، ومشكلة جزر (حوار) كانت أبرز المشاكل بين قطر والبحرين، وقد احتكمت الدولتان للعقل ورضيتا بحكم القانون ولجأتا إلي محكمة العدل الدولية وهكذا أرتضت الدولتان بالقرار الدولي وحسم النزاع الذي كاد يؤدي إلي حرب بين الدولتين. ولقد اتسمت القيادتان بنوع خاص من الحكمة، إذا ادركتا ان التكامل الاقتصادي الحقيقي يأتي عبر البنية الاساسية التي تربط البلدين، ومن ثم لن يكون من السهل تفكيكها بل ستخلق مصالح مشتركة بين الطرفين وتدفع نحو مزيد من التكامل. الاكثر من ذلك نجد أن دينامية الشعب البحريني دفعته لإنشاء لجان لمناصرة شعب فلسطين، وأخري لمقاومة التطبيع وهكذا، ولكن هذه اللجنة الجديدة فريدة في نوعها، إنها ليست لجنة شعارات وهتافات بل لجنة عمل علي مستوي القواعد الشعبية أقصد الجمعية الشعبية للتكامل بين قطر والبحرين استناداً إلي قرار الدولتين إنشاء جسر المحبة وما أجملها تسمية، وربما يمكن أن نضيف إليها طريقا أو طرقا يطلق عليها أسماء مثل: طريق المودة وآخر يطلق عليه طريق الوصل وهكذا التعبيرات المصطلحات الجميلة ربما تحفز الطرفين علي مستويات عدة بالاسراع بعلمية التكامل، وربما التصاعد بها إلي مستويات أعلي. ولقد عقدت الجمعية الشعبية للتكامل القطري البحريني اجتماعاً أو ندوة علمية تحدث فيها نخبة من أبناء البحرين وفي مقدمتهم الدكتور علي فخرو والدكتور عبدالله الصادق ورئيس الجمعية المهندس عبدالله الحويحي وآخرون، وأدار الندوة باقتدار السيد غزي عبدالمحسن مدير العلاقات العامة والإعلام في مجلس النواب. وما يهمنا في هذا الصدد هو مادار في تلك الندوة من أفكار وطروحات وتعليقات، وفي مقدمة تلك الافكار والتأملات نسوق الملاحظات التالية: الأولي: إن دعاة الفكر القومي العربي مازالت تنبض عروقهم ودماؤهم بالحياة رغم التراجع الواضح في ذلك الفكر وممارسته في ظل الهجمتين الامريكية والإسرائيلية، ويمكن أن نضيف إلي ذلك هجمة الفكر الإسلامي بشقية السني والشيعي الذي يرفض الفكرة القومية ويدعو للوحدة الإسلامية. الثانية: إن المتحدثين أكدوا علي ضرورة التكامل البحريني القطري، وإن ذلك في مصلحة الطرفين وله فوائد اقتصادية واجتماعية، وإنه سيعزز السياحة وخاصة العلاجية، ويقوي حركة انتقال العمال ورؤوس الاموال والسلع، وإن هذا يمكن أن يكون خطوة في الطريق نحو تكامل خليجي وربما في مرحلة لاحقة تكامل عربي. الثالثة: برز في النقاش عدد من المخاوف لاختلاف مستوي الاجور وأيضاً حول كيفية تمويل مشوع الجسر وكيفية ضبط حركة السكان ونحو ذلك من الامور التفصيلية. الرابعة: ولعلها أهم ما طرح أن مشكلة التوحيد النقدي أو الجمركي أو الوحدة الاقتصادية وغيرها من المشروعات لا تتوقف فحسب علي الاعتبارات الاقتصادية لأن الاعتبارات الاقتصادية تدعو لها وستستفيد الشعوب منها، ولكن المشكلة العويصة هي في القرار والإرادة السياسية الموحدة والتي هي ضرورية لبلوغ الاهداف المرتجاه. الخامسة: إن أهم ركيزة لدفع القرار السياسي هي تكوين لوبي شعبي يضغط علي المسئولين للسير للامام نحو التكامل وعدم التراجع. السادسة: إن أخطر التحديات التي ستواجه دول مجلس التعاون وبخاصة قطر والبحرين هي التحديات الناجمة من المشكلة الديموغرافية(السكان) فقطر في طريقها ليصبح الشعب أقلية في حدود 15% علي غرار وضع الإمارات العربية المتحدة والتي يتراوح المواطنون فيها بين 10: 15%، والكويت يبلغ المواطنون 30% أما البحرين فقد كانت نسبة المواطنين الثلثين والاجانب الثلث، ولكن الإحصاءات الاخيرة اظهرت تراجع نسبة المواطنين واصبح السكان مناصفة تقريباً بين المواطنين والوافدين. ولا شك أن هذا يدق ناقوس الخطر ويستدعي إجراءات عقلانية وخططاً مدروسة لمواجهة ذلك علي غرار ماهو حادث في دول مثل كندا أو استراليا، فالفكر التقليدي تجاه العلاقة بين العمالة الاجنبية والمواطنين لم يعد صالحاً في القرن الحادي والعشرين. السابعة: مما لا شك ان القيادتين في قطر والبحرين ملتزمتان بالعمل من أجل التكامل، وإن ثمة لجنة عليا مشتركة برئاسة ولي عهد قطر وولي عهد البحرين، وكذلك هناك تنسيق علي مستويات عدة، ولكن تجارب العمل العربي المشترك لا تطمئن لأن العرب عادة يتصحافحون في نفس، ويختلفون في نفس آخر، هذا واضح علي المستوي الخليجي ومستوي الاتحاد المغاربي وعلي المستوي العربي الأعم، ولعل عقدة التوءم المصري والسوداني من الدلائل علي ذلك اللقاء والفراق المستمرين، وكثيرة هي الاتفاقات الوحدوية بين البلدين، وكثيرة هي الخلافات والحساسيات التي لا مبرر لها وتتسم بالمبالغة في كثير من الاحيان. وربما كانت الجمعية الشعبية للتكامل القطري البحريني، وجسر المحبة المرتقب الاسراع في إنشائه تمثل أداتين هامتين لهذا العمل الوحدوي الفعلي الذي يربط بين الدولتين، وربما يكون ذلك دافعاً للاقتداء بمثل هذه التجربة الرائدة، ونقول إنها تجربة رائدة لانها تقوم بإرادة من القيادتين وتعكس تطلعات الشعبين، وتسعي للرباط الاساسي من خلال البنية التحتية، وحبذا لوأن اللجنة المشتركة بين الدولتين اتخذت قرارات للتنسيق بينهما بالنسبة للمشروعات الاقتصادية الاخري وإن يكون إنشاء المشروعات علي أساس التكامل وليس التنافس. أخيراً نقول ان رجال الاعمال عليهم مسئولية خاصة في الدفع بعوامل التكامل والوحدة بين الدولتين، فهذا من شأنه توسيع مجال السوق وتسهيل حركة الانتقال للسلع والخدمات والعمالة، وأيضاً تعزيز أمن الدولتين بمفهومه الشامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي.