لم يكن الأمر يتطلب أكثر من مكالمة تليفونية لوزارة الداخلية غير أنه لم يفعل لأنه يؤمن بأن الأمن لا يجب أن يتدخل في أحوال الصحفيين مهما كان الثمن لم يحدث حرف واحد مما ستقرأه الآن، هي جميعا أحداث من نسج الخيال وليس لها صلة بالواقع وحتي لو كانت واقعا يحيط بنا ويحدث لنا هذه الأيام فأنا أرفض تصديق ذلك وأطلب من القارئ أيضا عدم تصديقه، لابد أنك قرأت الكثير عما حدث في نقابة الصحفيين المصريين يوم الجمعة الماضي وكيف أن مجموعة من أربعة أشخاص منعوا انعقاد مؤتمر ضد التمييز، وأنهم منعوا نقيب الصحفيين من دخول النقابة ثم نجح في دخولها وحاول المستحيل في إقناعهم بصحة قراره غير أنهم هددوه باستخدام العنف ضده وضد أعضاء المؤتمر فاضطر الرجل للذهاب لحزب التجمع القريب من القلب و من النقابة وطلب منهم عقد المؤتمر عندهم، وهرعت وكالات الأنباء لتغطية ما حدث، هكذا شاهد وسمع الناس في مشارق الأرض ومغاربها شخصا علي الأرجح هو عضو قيادي في جماعة الصمود والتصدي للديمقراطية وحرية الرأي، يتهم النقيب وأعضاء المؤتمر باتهامات فظيعة ومنها الكفر، بل واتهم البهائيين بأنهم لا أخلاق لهم وأنهم ينامون مع بناتهم وخالاتهم وأمهاتهم أي أنهم ليسوا كفارا فقط بل كفارا بامتياز، ثم أعلن أنهم سيموتون علي باب النقابة دفاعا عن الإسلام. ولكنه في الغالب وجد أن الطبخة ينقصها قليل من البهارات الوطنية فقال إن التليفزيون الإسرائيلي جاء في الصباح الباكر لينصب كاميراته لتغطية أخبار المؤتمر ولكنه طردهم وأنه واقف لهم بالمرصاد لمنع التطبيع، واتضح فيما بعد أنه لم يكن هناك تليفزيون إسرائيلي ولا يحزنون ولكن الاحتياط واجب، لابدأنك عرفت كل ذلك، أما الأمر الذي لم تعرفه فهي الأحداث التي دارت خلف الكواليس ومنها أن الأستاذ مكرم كان من السهل عليه السيطرة علي هذه المجموعة وإزاحتها من الطريق، لم يكن الأمر يتطلب منه أكثر من مكالمة تليفونية لوزارة الداخلية غير أنه لم يفعل لأنه يؤمن بأن الأمن لا يجب أن يتدخل في أحوال الصحفيين مهما كان الثمن المدفوع، ولقد صرح مسئول أمني رفض أن يذكر اسمه أن الأستاذ مكرم يدافع عن صحافة وصحفيين لم يعد لهم وجود إلا في خياله، أما الأمر الذي تكتمته وكالات الأنباء وحرص الجميع علي عدم الإشارة إليه فهو أنه بعد أن رفضت الجماعة دخوله اتصل علي الفور بعدد من الزملاء المحترمين، قالت لي مصادري أن من بينهم.. أحمد بهاء الدين، ومحمد التابعي وفكري أباظة، وطه حسين واحمد أمين، و كامل الشناوي، وصلاح حافظ وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وآخرون. وعندما فتح المتمردون الباب وشاهدوهم لم يعرفوهم وسألوه: مين دول..؟ فأسقط في يد الأستاذ مكرم واعتذر لهم فعادوا علي الفور إلي مقابرهم وقد علت وجوههم علامات التقزز والقرف. في تلك اللحظة كان هناك مسئول في جهاز سيادي كبير يتصل بمسئول في وزارة البحث العلمي وهو أحد علماء النفس المشهورين يدعوه للقائه علي الفور، كان العالم قد تقدم للمسئولين في الوزارة بمذكرة منذ شهور تنبأ فيها بظهور نوع جديد من البشر هو الإنسان السلعوة، وهو الامتداد الطبيعي لموظفي الأموال تحت شعار الدين والتدين، وأنه يمكن معرفته بسهولة عن طريق البادج الذي يضعه علي وجهه، ومن صفات الإنسان السلعوة أنه لا يؤمن بأي شيء ولا أي قيمة، وغرائزه جميعا ميتة ما عدا غريزة واحدة هي غريزة العدوان، وأن أهم ما يميزه هو قدرته علي إشاعة الأكاذيب والخرافات وادعاء التدين والوطنية واتهام الآخرين بالخيانة. لم يأخذ أحد مذكرة العالم علي سبيل الجد غير أنهم بعد حادث النقابة أعادوا التفكير في مضمونها وكان السؤال هو: هل تحول الإنسان إلي سلعوة هو تطور طبيعي أم هي لخبطة في الجينات تحوله إلي سلعوة. وأجاب العالم: الإجابة علي هذا السؤال في حاجة إلي المزيد من الأبحاث غير أن ما وصلت إليه هو أن عنصر انعدام الكفاءة وسقوط الحرفة تشعره بالضعف والضعة فلا يكون أمامه غير العدوان علي الآخرين لكي تتاح له فرصة الظهور كبطل قومي منقذ أمام الكاميرات، هو في أعمق أعماقه يؤمن أنه ينتمي للأغلبية العاجزة، وأن هؤلاء العجزة سيصلون إلي الحكم يوما ما ، وعليه أن يقدم لهم الآن الأدلة علي أنه كان منهم وأن من حقه أن يكون رئيسا للتحرير هو يستفيد من الثغرات الموجودة بين القوانين وبين القيم أيضا تماما كما يحدث في الحروب، الجيوش المعادية دائما تستغل الثغرات، هو يشتم فئة من الناس بضراوة وأعلي قدر من قلة الحياء وانعدام التهذيب لأنه واثق أنهم ضعفاء عاجزون عن رفع قضايا ضده وحتي لو فعلوا ذلك فدفاعه جاهز.. هو يدافع عن الإسلام تماما كأسامة بن لادن وأيمن الظواهري ويشتم رئيسه المنتخب ويتهمه بالتطبيع مع إسرائيل لأنه علي يقين من أن أحدا لن يدافع عن التطبيع الواقع أن الأستاذ مكرم لم يحدث يوما ما أن طالب بعلاقات طبيعية مع إسرائيل وكل زياراته وحواراته معهم كانت مهنية بحتة وذلك عندما كانت المهنة مهنة وقبل ظهور السلعوات السؤال هو: هل كل شخص منعدم الكفاءة من المحتم أن يتحول إلي سلعوة؟ وكانت الإجابة: هناك احتمال كبير لحدوث ذلك أما الأمر المؤكد فهو أن تعيين شخص منعدم الكفاءة في منصب كبير في الصحافة يكون عادة السبب في زيادة معدل ظهور السلعوات..لأنه إذا كان انعدام الثقافة وقلة الحيلة وانعدام الكفاءة ميزات ترشح الإنسان لمنصب كبير في الصحافة، ألا يفجر ذلك عناصر السلعوة الكامنة داخل منعدمي الكفاءة ويشجعهم علي الحركة والصمود والتصدي للحرية والديمقراطية وحرية الرأي. حدث بعد ذلك اجتماع مهم للغاية دعي إليه عدد كبير من المسئولين، ومازال هذا الاجتماع منعقدا حتي مثول هذه الجريدة للطبع.