بعد دخوله "وكالة عطية" رأفت الميهي يخرج للتليفزيون!؟ حدث بكل تأكيد، خصوصاً انه مقل في أعماله السينمائية، وغائب عن الساحة لسنوات طويلة، انشغل خلالها بما هو أبقي وأجدي وأنفع للصناعة، بعدما اختار أن يحول ستديو "جلال" التاريخي من "خرابة" إلي صرح فني يستحق أن يصبح مزاراً ثقافياً ومعلماً سياحياً. رأفت الميهي اجتاز وعكة صحية ألمت به أثناء إخراجه مسلسل "وكالة عطية" عن نص للكاتب الكبير خيري شلبي كافح "الميهي" سنوات ليقدمه للتليفزيون، بعدما كتب له السيناريو والحوار، وعندما تحقق الحلم بدا وكأنه غير سعيد! مفارقة بكل تأكيد أن يتم الاتفاق علي إخراج "وكالة عطية" في عهد فرج أبو الفرج وقت أن كان رئيساً لقطاع الإنتاج ثم يظهر العمل للنور في "المدينة"؟ - حدث هذا بالفعل، حيث تم الاتفاق مع فرج أبو الفرج والسيدة آمال مراد علي أن أقرأ رواية "وكالة عطية" للكاتب الكبير خيري شلبي، لأكتب لها السيناريو والحوار وسلماني نسخة من الرواية التي أعجبتني جدا، وظللت علي مدي "3سنوات" أكتب السيناريو والحوار التي أشهد أنها ممتعة وصعبة في آن واحد. وقررت أن أكون علي قدر التحدي وكتبتها علي نار هادئة وهذه لست ميزة بل واقع، لأنني كاتب مقل ومن هنا حدث التأخير. ولماذا انتقل المسلسل من قطاع الإنتاج إلي "المدينة"؟ - بعد أن غادر فرج أبو الفرج منصبه كرئيس للقطاع وأيضاً آمال مراد كنت عاكفاً علي كتابة السيناريو والحوار ولم أتردد عليهما.. ثم اتصل بي يوسف عثمان مستشار الإنتاج بالمدينة وهو إنسان لديه حس فني، وكانت لديه فكرة عن الموضوع لأن العمل كان سينتج بنظام المنتج المشارك، لكن لم يحدث اتفاق واستقر النص عند مدينة الإنتاج الإعلامي لتتولي إنتاجه مباشرة. ما العنصر المثير في "وكالة عطية" الذي دفعك للتخلي عن قناعتك ورحبت بالعمل في التليفزيون وانت ترفض منذ عام 1985 العروض التي تنهال عليك؟ - عالم خيري شلبي والوكالة والشخصيات "المنحوتة" فيها كل هذا أغراني واستفزني، فلم أستطع أن أعتذر عن العمل حتي أنني تحدثت مع المؤلف خيري شلبي وأعربت له عن إعجابي الشديد بالنص، وبعدها تفرعت لكتابة السيناريو بكل ما حوته الرواية من شخصيات كثيرة ومعقدة وكانت هذه إحدي المشكلات عندي وليس كثرة الشخصيات فقط، بل تشعبها خصوصاً أنني أضفت أيضاً شخصيات أخري أصبحت محورية. هل أضفت إليه الفانتازيا كعادتك في أفلامك؟ - العمل يغوص في أعماق النفس البشرية بكل صراعاتها وعلاقاتها ببعضها وبالدين وجموح النفس وهدوئها وأنا شغوف بهذه الزاوية إلي أبعد حد. أما الأحداث، فتبدأ منذ لحظة قيام ثورة 1952 وهناك فلاش باك عن فترة ما قبل الثورة ثم ننتقل لعدة مراحل تأخذ شكلاً ملحمياً وأعتبر أن العمل به سياسة في إطار غير مباشر. وكيف رأيت العمل بنظام الفيديو؟ - نظام إنتاجي مختلف جداً، فأنا أعمل بكاميرا واحدة لكن بنفس تكنيك السينما لكن نظام الإنتاج نفسه مختلف ولا يساعد علي إبداع فني حقيقي وعلي الرغم من هذا أحاول أن أقترب من تحقيق رؤيتي وأنقلها لعالم الفيديو لكن الغريب أن التعامل مع البشر في الفيديو مختلف تماماً، وبالتالي لغة الحوار أيضاً، لهذا قسمت العمل أثناء الكتابة بحيث أكتب خمس حلقات ثم أتوقف وأكتب الخمس الأخري تجنباً للثرثرة والتطويل وهكذا اقتربت من البناء السينمائي في هذا العمل.. وأتمني أن أنجح في هذه التجربة التي أنظر إليها بوصفها امتحاناً صعباً. هل وضعت شروطاً قبل الموافقة علي خوض هذه التجربة؟ - شرطي الأول أن أنفذ المسلسل كما أريد وألا أكون مقيداً بميعاد عرض مثل رمضان وألا أحدد بعدد حلقات بل أفعل ما تقتضيه الدراما فقط وفي النهاية وصل عدد الحلقات إلي ثلاثين حلقة، وأسجل هنا أن يوسف عثمان وافق علي كل شروطي، وبقدر الإمكان وفروا لي ما أريده.. لكن بوجه عام فالمناخ في الفيديو صعب لأن نظامه خانق ولوائحه كثيرة وعدم وجود خبرة في فهم الصورة، بالإضافة للسباق المجنون الذي أصبح منتشراً بين المخرجين لتصوير أكبر عدد من الساعات وهو سباق تعمدت الابتعاد عنه لأنه لا يعنيني ولن أدخله ولن أفرح إذا قالوا أنني أصور 7 دقائق في اليوم! هل تريد القول أنك لن تخوض التجربة مرة أخري؟ - بالفعل لن أكررها مرة ثانية، "ووكالة عطية" سيكون العمل الأول والأخير لي في مجال الفيديو لأنها تجربة صعبة ومجهدة أتعامل فيها مع المسلسل وكأنه 15 فيلماً لأن الحلقتين مدتهما 90 دقيقة، أي مدة فيلم بالكامل ومن الصعب جداً أن أصور "15 فيلماً" دفعة واحدة وأنا الذي أعمل فيلماً واحداً في العام، كما أن هذا المسلسل أرهقني بدرجة كبيرة لأنني جاد في عملي وأركز جداً لدرجة مرهقة. ولماذا استعنت في بطولة العمل بالمطربة اللبنانية مايا نصري؟ - أنا لا أعرف لبناني أو سوري ودائماً مصر هي البوتقة التي ينصهر فيها الإبداع وهي بحق هوليوود الشرق، وعندما أذهب لسوريا أو أي بلد عربي يرحبون بي جداً ويعرضون أفلامنا لذلك أعتبر أن ما يحدث الآن تهريج في نظري ليس أكثر. هل تشير إلي القرارات التي اتخذها نقيب المهن التمثيلية د. أشرف زكي ومجلسه؟ - لقد بلغتني بعض هذه القرارات واشمأزيت منها جداً واعتبرتها نتاج عدم وعي سياسي، وعدم إيمان بالفن، والأهم ان هذه القرارات في نظري وليدة ضغوط من بعض خريجي معهد الفنون المسرحية الذين يجتمعون بالنقابة ويريدون الحصول علي فرص عمل في الوقت الذي يتملئ فيه السوق بالعديد من الأسماء الجديدة والوجوه الشابة من ممثلين ومخرجين بما يعني أن الصناعة مستوعباهم لكن ما يحدث الآن كارثة لأنه يحرض علي الفرقة وأذكر أن المخرج نادر جلال كان يصور في سوريا منذ شهر ولم يهنه أحد ولدينا ممثلون في قطر والبحرين وتونس لا يعترضهم أحد، وهل يعقل أن تحرمنا قرارات كهذه من الاستعانة بالمخرج السوري الجميل حاتم علي والفنان الموهوب جمال سليمان أو العبقرية هند صبري؟ هذا غباء لأن هؤلاء يثرون الفن المصري، والموهوبون وحدهم هم الذين يفرضون أنفسهم.. وأنا من ناحيتي أبحث دائماً عن المواهب ولا أتردد في المشي بالشوارع لأنتقيهم حتي ولو كومبارس لأني "زهقت" من الوجوه التي نراها باستمرار ولا يستطيع أحد مهما كان أن يحرمني أو يحرم أحداً من فرصة في الوقت الذي نجري فيه علي العرب لنأخذ منهم أموالاً أو نسوق مسلسلاتنا لديهم وهذا في نظري شبيه بالموضة التي تحدث في نقابة المهن السينمائية عندما تقرر أن يدفع المخرج أو المنتج مبلغ 200 ألف جنيه حتي يرخص له بالإخراج علي اعتبار أنه من غير خريجي معهد السينما وهذا خطأ لأن الأفضل لهم أن يروا أولاً ما إذا كان الشاب يمثل إضافة أو مكسباً للمهنة أم لا؟ فهل يستطيع أحد أن يمنعني مثلاً من أن أكتب رواية أدبية أو أرسم أو أنظم معرضاً؟ "اشمعني" المخرج رغم أنني خريج آداب انجليزي ودرست 3 سنوات بمعهد السينما لتعلم حرفة كتابة السيناريو؟ عرض لك في ختام مهرجان جمعية الفيلم فيلم "شرم برم" فهل أثرت عوامل الزمن علي الفيلم بعدما مرت سنوات طويلة قبل أن يظهر للنور؟ - أتحدي لو أن أي إنسان شعر بأن هذا الفيلم أنتج منذ سنوات، فأبطاله ينظر إليهم الناس بوصفهم نجوماً جدداً مثل أحمد رزق وبسمة والشخص الوحيد الذي رحل عن الحياة هو مخلص البحيري، وهي واقعة تذكرنا برحيل نجيب الريحاني قبل عرض آخر أفلامه "غزل البنات" لكنني أعترف بأن فيلم "شرم برم" تعثر إنتاجياً لكنني اجتهدت لكي أجتاز هذه الفترة وأستكمله ثم أعرضه في جمعية الفيلم وسيعرض قريباً في دور العرض ولست حزيناً علي تأخره كل هذا الوقت لأنها ليست المرة الأولي بل حدثت معي من قبل. كنت تردد دائماً أن دمك ثقيل علي السينما هل مازال يراودك نفس الإحساس؟ - لو كان سوق السينما يحتاج لي كمخرج وسيناريست ما كان ليتركني أجلس في منزلي كل تلك السنوات، فالسوق بالفعل يرفضني ويلفظ غيري من الكبار بينما في هوليوود تري الشركات الكبري أن أمراً كهذا يمثل خسارة كبيرة عليها وعندنا في مصر يقولون "ارتحنا منهم"! وهل استطاع تفرغك للأكاديمية التي أسستها أن تعوضك عن غيابك كمخرج مبدع؟ - استطاعت أن تعوضني نفسياً لأنني كنت أشعر أنني أعمل شيئاً جيداً ومفيداً للصناعة بعدما وجدت أن مستوي الحرفة في الأفلام ضعيف وكان قراري بتأسيس الأكاديمية لتعليم الحرفة وأطلقت علي الطلبة لقب "عشاق السينما" لكونهم من مختلف الجنسيات مثل الأردن والكويت ومصر بكل محافظاتها ولا يبحثون عن وظيفة بقدر عشقهم للسينما لذلك شعرت أنني أسد ثغرة مهمة في صناعة السينما المصرية. وهل اجتزت أزمة الديون التي لاحقتك بسبب الأكاديمية أم مد أحدهم يد العون إليك؟ - علي الإطلاق لم يساندني أحد والكل يعلم أنني تسلمت استوديو خرابة وأطلالاً، وحولته إلي استوديو سبع نجوم ثم أضفت إليه استوديو ثالثاً وأصبح مفخرة للسينما المصرية، لكنني حاولت الاتصال بوكيل وزارة سابق ليري حجم الجهد المبذول ويقدره فأجابني: لا نستطيع أن نساعدك لأن الأكاديمية التي أنشأتها منافسة لوزارة الثقافة ولا يمكن للوزارة أن تدعم منافسيها، فأعربت له عن أسفي بالاتصال به لأنه ليس له علاقة بالثقافة أو السينما وأغلقت الهاتف. وهل كان لهذه الصدمة تأثير عليك؟ - في البداية.. حزنت حزناً شديداً لكن بعد مرور الوقت تأقلمت وأصبحت لا أصدم نهائياً بعد أن أصبحت لدي قناعة بأن من يصل لمنصب في زماننا هو الجاهل أو المنافق أو الكذاب وأن من يمتدحني لابد أن أشك في نواياه!. لكن كثيرين نظروا إلي شخصك بأنك مغرور؟ - هذا غير صحيح بل لدي كبرياء يجعلني أفكر في الاخرين، فأنا من "سوق السلاح" ولست العبقري فان جوخ بل مخرج متواضع. ما تقييمك للساحة السينمائية والفنية من ممثلين ومخرجين؟ - عدد كبير منهم موهوبون في التمثيل لكن القليل منهم لديه بريق النجومية وحتي من كان لديه هذا البريق منذ 5 سنوات أصبحت لهم "كروش" وفقدوا النجومية وكرروا أنفسهم مما جعلهم يحترقون سريعاً!