شهد العالم منذ عام 1971 ما يقرب من 24 أزمة اقتصادية بمعدل أزمة كل سنة ونصف السنة، وقد اختلفت تأثيراتها وحدتها علي الاقتصاد العالمي. ولكن الأزمة الاقتصادية التي تشهدها الولاياتالمتحدة في الوقت الراهن تُشكل تهديداً لباقي الدول التي تدور في فلك الاقتصاد الأمريكي، أو بعبارة أخري المرتبطة بواشنطن اقتصادياً. فالولاياتالمتحدةالأمريكية تُشكل قطباً اقتصادياً رئيسياً في العالم، فهي شريك تجاري مهم لمعظم الدول المتقدمة وتلك الصاعدة اقتصادياً لاسيما النفطية منها. وتُشابه الأزمة الحالية إلي حد بعيد أزمة الكساد العالمي الكبير التي واجهه العالم عام 1929. وتأتي الأزمة الاقتصادية الأمريكية في وقت يعاني الاقتصاد العالمي من أزمة اقتصادية طاحنة، سواء من ناحية الاقتصاد النقدي، حيث الأزمة المالية التي تواجه أسواق المال والبنوك والوسطاء الماليين، أو من ناحية الاقتصاد الحقيقي حيث أزمة ارتفاع أسعار السلع والخدمات وأسعار النفط علي مستوي العالم، الأمر الذي جعل كثيراً من الاقتصاديين يفكرون في هوية العولمة وهل عادت بالمكاسب علي العالم أجمع أم أن ضررها قد فاق مكاسبها. وقد بدأت شرارة الأزمة الحالية في الولاياتالمتحدة بأزمة الرهن العقاري، التي أدت إلي حالة من الركود في القطاع العقاري، وتعثر البنوك وحدوث أزمات في البورصات الأمريكية والتي انتقلت إلي نظيرتها الأوروبية مروراً بالآسيوية وصولاً إلي العربية والناشئة. وتُعد الأزمة المالية الراهنة في العالم هي الأسوأ منذ أزمة الكساد الكبير التي اجتاحت العالم عام 1929 حسب آراء الاقتصاديين الأمريكيين. ويأتي ذلك في الوقت الذي وصلت فيه معدلات النمو الأمريكي لأدني مستوياتها علي الإطلاق، فقد توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بتوقف نمو الاقتصاد الأمريكي في الربع الثاني من العام الحالي (2008) إلي مستوي صفر . والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة حالياً يتبلور في: لماذا تأثرت الاقتصاديات العالمية بأزمة الاقتصاد الأمريكي؟، ولماذا هبت كل الجهات لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي؟. وتزامن مع أزمة الرهن العقاري انخفاض حاد لسعر صرف الدولار، حيث تعرض الدولار الأمريكي منذ مطلع عام 2002 لانخفاضات عديدة وصلت إلي أدني مستوياتها مقابل العملات الرئيسية، وذلك لتداعيات مشكلات أسواق الائتمان علي الاقتصاد الأمريكي. فقد سجل اليورو عدة مستويات قياسية مقابل الدولار ليصل إلي مستوي 1.59 دولار لأول مرة في تاريخه، الذي بدأ بإطلاق العملة الأوروبية الموحدة عام 1999. وفي الوقت ذاته انخفض الدولار في مقابل الين الياباني ليصل لأقل من 100 ين ياباني مقابل الدولار محققاً هبوطاً قياسياً. كما انخفض الدولار إلي أدني مستوياته أمام الجنيه الاسترليني والفرنك الفرنسي والفرنك السويسري، وسجل الدولار مستوي قياسياً وهو 72.7 أمام سلة من ست عملات رئيسية، وهو أضعف مستوي يسجله الدولار منذ أن أُنشئ هذا المؤشر عام 1973. ومن الناحية الاستثمارية فإن الولاياتالمتحدة هي الجاذب الأول للاستثمارات في العالم. ففي دراسة وُجد أن الولاياتالمتحدة تستأثر وحدها بنحو 70% من الأموال العربية المستثمرة في الخارج، والبقية موزعة بين الأسواق الأخري. وجري العرف لدي البنوك المركزية في أغلب دول العالم بالاحتفاظ بجزء من احتياطاتها النقدية في صورة سندات الخزانة الأمريكية؛ لأنها أكثر القنوات الاستثمارية أماناً في العالم. ومع الانخفاض المتوالي لسعر صرف الدولار فقدت هذه الاحتياطيات جزءاً من قيمتها، وهربت الاستثمارات إلي مجالات أخري أكثر استقرارا وربحية، مثل: الاستثمار في الذهب الأمر الذي أدي لارتفاع أسعار الذهب لأسعار قياسية تزيد عن 1000 دولار للأوقية . أو الاستثمار في أسهم شركات البترول نتيجة لارتفاع أسعاره وربحيته؛ الأمر الذي أدي لزيادة المضاربات في أسواق المال وخصوصاً شركات البترول؛ والذي أدي لارتفاع أسعار البترول كنتيجة مباشرة للمضاربات، وليس لزيادة الطلب العالمي عليه. الأمر الأكثر تأثيراً في الاقتصاد العالمي هو سعر صرف الدولار الأمريكي حيث يسيطر الدولار الأمريكي علي ثلثي احتياطيات النقد الأجنبي في العالم، و80% من مبادلات سعر الصرف الأجنبي، كما يتم دفع أكثر من 50% من صادرات العالم بالدولار. وفي الجملة يصل حجم التداول بالدولار حول العالم حوالي ثلاثة تريليونات دولار. وأي تحرك لسعر صرف الدولار يؤثر علي أسعار السلع والخدمات في العالم كله، ومن ثم فاتورة الصادرات والواردات والاستثمار لكل دولة.