أعلن في أعقاب ذلك الرئيس بوتين والذي يتمتع بشعبية كبيرة تأييده لانتخاب ميدفيدف لمنصب الرئاسة، واستعداده لتولي منصب رئاسة الحكومة عقب انتخاب ميدفيدف رئيسا للبلاد. لقد حسمت هذه التطورات نتائج انتخابات الرئاسة منذ أكتوبر الماضي، إلا أنها لم تحسم بعد تركيبة السلطة وأسلوب تطبيق مبدأ تداول السلطة، ومازالت المرحلة القادمة غامضة تثير العديد من التساؤلات التي لن تجد إجابات قبل أن يتولي ميدفيدف رئاسة البلاد. ومما لاشك فيه أن حديث البعض عن وجود منافسة في معركة انتخابات الرئاسة أمر غير واقعي، ويعبر عن عدم معرفة بحجم الثقة التي يتمتع بها بوتين من قبل الناخبين الروس، بل ويتجاهل النفوذ السياسي للكرملين وحزب الأغلبية (روسيا الموحدة). وقد بات واضحا للمجتمع الدولي أن بوتين لن يترشح لفترة رئاسية ثالثة، ولكن ما تأثيرات ذلك كله علي السياسة الخارجية؟ شهدت موسكو منذ أكتوبر الماضي سلسلة من الزيارات العربية، من مختلف أطراف منطقة الشرق الأوسط، بدءا من وزير الخارجية المصري أحمد ابوالغيط، مرورا بزعماء الأغلبية اللبنانية وانتهاء بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وكانت الحصة الكبري للمسئولين السعوديين، حيث استقبلت موسكو ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز في نوفمبر الماضي، والأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي. واعتبر العديد من المراقبين أن زيارات القيادات العربية إلي موسكو تستهدف التأكد من استمرار التعاون، وإلتزام موسكو بالأتفاقات المعقودة خلال رئاسة بوتين للبلاد، وبالرغم من أن هذه الرؤية قد تكون معبرة عن جانب من مواقف بعض القيادات العربية. إلا ان الأوساط السياسية الروسية استقبلت هذه الزيارات والمحادثات انطلاقا، من قناعاتها بأن ميدفيدف سيواصل تنفيذ توجهات سياسات الكرملين، التي انتقلت منذ سنوات من مرحلة الرهان علي العلاقات علي الغرب إلي مرحلة إدراك موقع أسواقها الأساسية، وحلفائها الذين يمكن أن تحقق بالتعاون معهم المصالح المشتركة المتفق عليها خلال فترة رئاسة الرئيس بوتين. إلا أن هذه الزيارات استهدفت بالدرجة الأولي إقناع روسيا بالتجاوب مع سياسات الدول العربية المعتدلة، وتقليص التعاون والتنسيق مع الدول المتشددة وعلي رأسها إيران، فقد حمل وزير الخارجية السعودي رسالة من الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلي الرئيس الروسي تناولت القلق السعودي بشأن التعاون الروسي الإيراني. ومنذ زيارة ولي العهد السعودي الأمير سلطان إلي العاصمة الروسية، دار الحديث عن وجود خطة سعودية لدرء "الخطر الإيراني" عن الشرق الأوسط، وتتضمن الخطة تخلي روسيا عن مواصلة التعاون مع إيران، و بشكل خاص في المجال النووي والعسكري. ونظرا إلي أن روسيا ستواجه خسائر مالية في هذه الحالة فإن السعودية ستتعاقد علي شراء ما تنتجه روسيا من معدات عسكرية.ومن المتوقع أن توقع السعودية مع روسيا صفقة مدرعات "ب إم ب 3" بقيمة إجمالية تقارب 200 مليون دولار وصفقة دبابات "ت 90 س" بقيمة إجمالية مقدارها 600 مليون دولار وصفقة مروحيات بقيمة إجمالية تقارب 6 .1 مليار دولار. ويمكن القول أن تحركات طهران الأخيرة قد أثارت قلق موسكو،التي تسعي لاقتحام أسواق الطاقة في أوروبا الغربية، علي حساب روسيا، حيث أعلنت طهران عن استعدادها للمشاركة في مشروع مد خط أنابيب (ناباكو) وخط الغاز الأبيض الذي يمر عبر أوكرانيا وكلاهما لا يمران بالأراضي الروسية، ويجري الأعداد لتشييدهما تحقيقا للخطة الأوروبية الساعية لتجنب دور روسيا، إضافة إلي أن إيران تقدمت بعروض للدول الأوروبية بتوريد الغاز الإيراني كبديل عن الغاز الروسي. ويربط العديد من المحللين تحسن علاقات روسيا مع دول الخليج بمستوي علاقات التعاون الروسي الإيراني، ويرون أن الزيارات الأخيرة للمسئولين العرب تأتي في إطار مساعي هذه الدول لإقناع روسيا بتقليل دعمها لإيران، ولاشك أن روسيا تواجه خيارا صعبا. إلا أنه في نفس الوقت لا يؤثر فقط علي مصالح موسكو وعائدات الخزينة الحكومية من العقود الإيرانية، وإنما سيؤدي ذلك لضعف الحليف السياسي لروسيا في السيطرة علي ثروات بحر قزوين، والذي ينسق مع روسيا لمنع أي تواجد أجنبي عسكري في حوض البحر، ما يعني إضعاف القطب الرافض للهيمنة الغربية علي ثروات البحر. وهو ما يتعارض مع مصالح دول المنطقة، التي تحمل إيران مسؤولية تأزم الأوضاع في لبنان وفي الأراضي الفلسطينية. وبالرغم من تقارب رؤية روسيا ودول المنطقة، إلا أن مصالحها مع إيران تفرض عليها أن توقف آية محاولات لإضعافها اقتصاديا وسياسيا. في ظل هذا التشابك في المصالح كان من المنطقي أن تواصل الدول العربية حوارها مع موسكو للبحث عن مخرج الوضع الراهن، والذي تسبب في عدم استقرار الأوضاع في الشرق الأوسط.