تكمل جماعة الإخوان المسلمين في مصر عامها الثمانين هذا العام وهذه المناسبة تطرح سؤالا مهما بعد مرور كل هذه الأعوام علي نشأة الجماعة في عام 1928 هل شاخت الجماعة بعد كل هذا العمر أم أنها نضجت؟ السؤال لا يمكن الإجابة عليه بنعم أولا... ولكن هناك قدرا من التفاصيل والمتابعة والتراكم الزمني يفرض علينا النظر فيه بعيدا عن التحامل أو المجاملة. الواقع يؤكد أن الجماعة اتسعت شعبيتها وقواعدها بصورة لن أقول كبيرة ولكن أقول بصورة ملحوظة وهذا ما يثبته الواقع علي الأرض لأنه في ظروف كثيرة العبرة تكون بالنتائج والجماعة تمكنت بدون غفلة من الحصول علي 88 مقعدا برلمانيا في الانتخابات الأخيرة وهذا الرقم الذي يعتبر ضخما قد يوحي بقوة الجماعة ولكن أيضا لا يجب أن ننسي أن الإخوان فازوا في غيبة أو تغييب الآخرين. جماعة الإخوان لها طقوس معتادة بخلاف مبدأ السمع والطاعة وحقيقي أن الجماعة تمكنت من خلال طقوسها وإجراءاتها الصارمة في التعامل الداخلي والسرية من الاستمرار والتكيف مع مراحل زمنية مختلفة وعصور كان موقفها موائما أو معاديا للنظام منذ أيام الملك في مرحلة ما قبل الثورة ثم مرحلة ما بعد الثورة. لاشك أن جماعة الإخوان تنظيم كبير ومهم في الشارع المصري ولا يمكن لمنصف وربما غير منصف، أن يتغافل أو يتجاهل وجودها ولكن أيضا لا يمكن أن نتغافل حالة الغطرسة والبرجماتية التي تسود بين كل معظم قيادات الإخوان بادعاء أنهم الوحيدون الذين لهم ثقل، وشعبية في الشارع رغم أن ذلك يتم بفعل فاعل وهي الحكومة التي تحاصر العمل السياسي وتقييد الحريات أملا في مواجهة الإخوان وتحجيمهم ولكنها في الوقت نفسه لا تقضي الإخوان ولكنها تقضي الحياة السياسية بأكملها ويظل الإخوان كما هم. من وجهة نظري جماعة الإخوان مثل السلحفاة تمشي لكنها تمشي ببطء شديد ولا تقدم ما يقنع الآخرين بادعاءات تطور الجماعة وانفتاحها علي العمل العام والقبول بالآخر، فكل ما تقوله الجماعة أقوالا مرسلة لا نجد لها واقعا عمليا علي الأرض وهذا ما أثبته برنامجها الأخير لمشروع الحزب السياسي. وأشد ما يدهشك في جماعة الإخوان التي تستخدم سياسية السلحفاء بالاختباء داخل نفسها عندما تشعر بأي خطر أقوالها المتناقضة فلا أعرف كيف تدعي الجماعة أنها تملك مشروع حزب سياسي ولكنها ترفض تقديمه للجنة شئون الأحزاب بادعاء أنها غير قانونية أو غير دستورية فهذا موقف شديد التناقض ولا أعرف ماذا سيضر الجماعة إذا قدمت مشروع حزبها وتم رفضه. فلا أعتقد أنه سيخدش حياءها أو يضر بسمعتها فلتضع الجماعة الكرة في ملعب الدولة حتي تثبت أنها لا تترك دربا إلا سلكته. الأغرب في سياسة الإخوان أنهم يملأون الدنيا ضجيجا مع كل عمل يقدمون عليه ولكن عندما ننتظر نتائجه يكون علي طريقة تمخض الجبل فولد فأرا وأحيانا أجهض فرغم أننا جميعا كنا ننتظر من الجماعة أن تقدم تغيرا مهما يثبت لمواليها أو معجبيها من أعدائها أنها تحولت وانتقلت إلي مرحلة زمنية وسياسية جديدة إلا أن الجماعة تظل علي عهدها وتخيب الظنون لمحبيها وتصدق رؤية معارضيها بأنها لم ولن تقدم جديدا. الجماعة تتحدث عن المرأة والأقباط وتتحدث عن الحقوق المتساوية والمتكافئة ولكن عندما تسألها عن موقفها منهم تكشف وجهها الحقيقي وتعلن رفضها لولاية القبطي والمرأة رغم أنها تتكلم عن الحريات وعن أن الأمة مصدر السلطات، في وقت تؤكد فيه أن احتمالات ولايتها مستحيلة بشكل نظري وعملي لأننا في مجتمع متدين أغلبيته للمسلمين فإن كانت الجماعة متأكدة من عدم قدرتهم علي الوصول إلي الحكم فلماذا لا تقدم للناس تأكيدا علي تحولاتها. ولا أعلم كيف تقول الجماعة إنها لاتزال تفتح الباب لحوار داخلي فضلا عن الحوار الخارجي السابق حول تفاصيل برنامجها رغم أنها اتخذت قرارا نهائيا في مكتب إرشادها أكدت فيه هذا الموقف فلماذا الحوار ولماذا يقبل إخوانيون أو غيرهم مثل هذا الحوار أم أنه حوار للطرشان؟ الجماعة انتقلت إلي العمل السياسي العام، ولكنها لم تتخل عن عاداتها القديمة وبعضها لايزال سريا... وهناك داخل الجماعة من يؤكد أن التمسك بالطريقة القديمة هو الذي حافظ وأبقي علي هيكل وقوة الجماعة إلي الآن، ولكن هناك أيضا من يري داخل الإخوان أنفسهم أن الأزمنة تتغير وأنه بات علي الجماعة أن تدخل مرحلة جديدة ومختلفة مثلما فعلت قبل ذلك وانتقلت عبر عدة مراحل سابقة حتي تتمكن من البقاء وسط متغيرات كثيرة في العصر الحديث بعضها كان انقلابيا.أعتقد أن الجماعة تمر بمرحلة حرجة في حلول العام الثمانين علي نشأتها والذي يتناسب مع بلوغ مرشدها العام أيضا مهدي عاكف عامه الثمانين أيضا الشهر القادم، وما بين عمر الجماعة ومرشدها يبقي مستقبل الجماعة مرهونا بجيل الشباب الطموح الذي يعارض كل سياسات مشايخ الجماعة ويسعي للتغيير والتجديد دون انقلاب وبين الأفكار التقليدية القديمة التي لا تري في استمرار الجماعة سوي منظومة السرية.