ما هو مصير القضية الفلسطينية في ظل التطورات المتلاحقة هذه الأيام وآخرها عملية المقاومة الفلسطينية في مدينة "ديمونه" حيث المفاعل النووي الإسرائيلي وقبل ذلك عمليات اقتحام حركة حماس للحدود مع مصر، وما يتردد عن تسلل فلسطينيين مسلحين بأحزمة ناسفة ومتفجرات عبر الحدود المصرية إلي إسرائيل؟ هل توجد خطة فلسطينية بدعم عربي واقليمي لتفجير عملية السلام وإنهاء مسار التفاوض الإسرائيلي - الفلسطيني، بحيث أننا أصبحنا أمام فريق فلسطينيين أحدهما وتمثله حركة حماس ضد المفاوضات الحالية وفريق آخر تمثله السلطة الفلسطينية يعمل علي اتفاق المفاوضات واستمرارها للتوصل إلي اقامة دولة فلسطينية علي الأراضي التي تم احتلالها سنة 1967. وإذا ما تركنا الساحة الفلسطينية قليلا للاقتراب مما يحدث في لبنان فاننا نري انقساما مماثلا وتوجهات متعارضة ومضادة تماما، فلبنان هو الآخر انقسم بين معسكرين، الأول وقد أصبح معروفا باسم معسكر "8 مارس" الذي يضم حزب الله بزعامة الشيخ حسن نصر الله وحلفاءه في حركة أمل برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري ومجموعات إسلامية أخري صغيرة إلي جانب زعيم التيار الوطني الحر ميشيل عون رئيس لبنان الاسبق. وعلي الناحية الأخري معسكر "8 مارس" الذي يضم تيار المستقبل برئاسة النائب سعد الحريري ابن رئيس الوزراء الذي تم اغتياله منذ عامين رفيق الحريري ورئيس اللقاء الديمقراطي والزعيم الدرزي وليد جنبلاط ابن الزعيم التقدمي الاشتراكي كمال جنبلاط الذي اغتيل في التسعينيات، إلي جانب اعداء الأمس رئيس حزب الكتائب الرئيس الاسبق بشير الجميل الذي اغتيل ابنه وزير الصناعة والنائب في البرلمان بيار الجميل منذ عدة أشهر، كما اغتيل شقيقه الأكبر أمين الجميل بعد ان تولي منصب الرئاسة في الثمانينيات ولم يمكث سوي عدة أيام بعد مذبحة صابرا وشاتيلا الشهيرة عام 1982، وإلي جانب هذا المعسكر زعيم القوات اللبنانية الجناح العسكري لحزب الكتائب الدكتور سمير جعجع الذي امضي عدة سنوات في السجن بتهمه اغتيال عدد من معارضيه السياسيين مثل سليمان فرنجيه الرئيس الاسبق للبنان. الانقسام في لبنان مثل الانقسام في فلسطين، يجعل مصير الشعبين اللبناني والفلسطيني في علم الغيب، فلا أحد مهما أوتي من قدرة في قراءة الأحداث السياسية والتطورات المحتملة في هذين البلدين يستطيع التنبؤ بما سوف يحدث في لبنان وفلسطين حتي كل الاحتمالات ممكنة. مفاوضات أم اجتياح شامل؟ علي الصعيد الفلسطيني ساهمت حركة حماس بتعقيد الموقف إلي درجة كبيرة بعد قيامها بتفجير الحدود مع مصر، ودفع الاف الفلسطينيين للعبور للأراضي المصرية في رد فعل علي الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة. وبدلا من ان تتحدي حماس جيش الاحتلال الإسرائيلي وتحاول إزالة الحواجز التي اقامتها إسرائيل لحصار غزة ومنع مواطنيها والبضائع من الخروج فانها اتجهت إلي النقطة الاسهل بالضغط علي مصر، ادراكا منها لضعف التواجد المصري المسلح علي الحدود طبقا لاتفاقيات كامب ديفيد، حيث يوجد 750 جنديا مصريا فقط علي الحدود مع غزة في المنطقة "أ" بتسليح شخصي خفيف. وقد فشلت عملية الضغط علي مصر بعد ان استوعبت مصر عمليات الاقتحام، وسهلت حصول الفلسطينيين علي احتياجاتهم المعيشية، وردت مصر الكرة إلي الملعب الفلسطيني - الإسرائيلي. وأفهمت حركة حماس أنها لن تسمح بأي تجاوزات علي حدودها، ومحذرة قيادات الحركة خالد مشعل وموسي أبو مرزوق من الخارج والقادمين من دمشق وسعيد صيام ومحمود الزهار القادمين من غزة بخطورة العبث علي الحدود المصرية، ومحاولة العودة لتفجير الحواجز من جديد، ومحاولة اعادة حفر الانفاق التي تم اغلاقها. وأكدت مصر ان الحل الوحيد المقبول لها هو العودة إلي اتفاق المعابر طبقا للبتروتوكول الخماسي الموقع عام 2005 بمشاركة إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وأن فكرة إبرام اتفاق جديد بين مصر وحركة حماس هو إجراء مستحيل، ولا يوجد أمام حماس سوي القبول بعودة رجال الشرطة الفلسطينيين التابعين للسلطة الفلسطينية بالعودة لإدارة المعابر، علي ان تقوم حركة حماس بالسيطرة علي المناطق الحدودية، ومنع أي عناصر في محاولة اجتياز الحدود بالقوة من جديد. وأكدت مصر ايضا للرئيس الفلسطيني محمود عباس دعمها له في استمرار مسار التفاوض مع إسرائيل القائم علي مؤتمر أنابوليس للسلام وقرارات مؤتمر باريس وفي نفس الوقت دعته لاتخاذ خطوات جديد لاحتواء حركة حماس باستعادة الحوار معها، وفقا لخطة تضع مصالح الشعب الفلسطيني في المقدمة مع استعداد مصر لاستضافة أي حوار. إسرائيل سلطة احتلال وفي نفس الوقت ردت مصر الكرة التي حاولت إسرائيل ان تقذفها إلي الملعب المصري اليها، عبر التأكيد علي ان انسحاب إسرائيل من غزة لا يعفيها في كونها دولة احتلال وطبقا للمواثيق والقانون الدولي فهي مسئولة عن الشعب الفلسطيني الذي تحت الاحتلال، وان فكرة توطين فلسطينيين في سيناء هي فكرة مرفوضة جملة وتفصيلا ولا مجال لطرحها كي تهرب إسرائيل منذ تنفيذ قرارات الأممالمتحدة الخاصة بحق العودة ومنها القرار 191 الصادر من مجلس الامنة سنة 1949. والقرارات اللاحقة التي لا تجيز طرد المواطنين وضم الأراضي بالقوة. عودة الاتحاد الأوروبي وكما شهد الاسبوع الماضي زيارات عباس ووفد حماس للقاهرة، فقد عاد الاتحاد الأوروبي من جديد للاضواء من خلال الزيارة التي قام بها المفوض الأعلي للشئون الخارجية خافيير سولانا للقاهرة حيث كان الملف الرئيسي هو عودة الاتحاد الأوروبي للإشراف علي تشغيل معبر رفح وفقا للبروتوكول القديم. كا جرت مناقشة لقضية الامدادات التي يدفع الاتحاد الأوروبي ثمنها لإسرائيل من وقود وكهرباء وضرورة عودتها فورا لسكان قطاع غزة وانهاء إسرائيل سياسة العقاب الجماعي ضد الشعب الفلسطيني. صواريخ حماس وصبرعباس ورغم الجهود المصرية في اعادة ضبط الأوضاع علي الساحة الفلسطينية فان الانقسام الفلسطيني دخل إلي مرحلة خطيرة بين صواريخ حماس التي لم تؤد عمليا إلا إلي قتل 7 إسرائيليين في 8 سنوات ودفع الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا نتيجة تلك الصواريخ عديمة الفاعلية، فيما عباس يحاول الحفاظ علي الصبر وعدم الانجرار إلي أي موقف خاطيء في مواجهة اعتداءات إسرائيل اليومي علي الفلسطينيين في غزة وفي الضفة، وكذلك استفزازات حركة حماس حيث يحاول التمسك بمسار التفاوض واستمراره علي أمل انتزاع معاهدة سلام في نهاية هذا العام تتيح للفلسطينيين اقامة دولة فلسطينية بشروط أفضل من اتفاق أوسلو الذي دمرته اطراف عدة منها حركة فتح نفسها وحركة حماس والجهاد الإسلامي وفي المقدمة إسرائيل التي تخلصت من الاتفاق ومضت في دعم سياسة الاستيطان. إلي لبنان من فلسطين إلي لبنان لا تبدو الأمور أفضل أو اسهل فالعد التنازلي يمضي بسرعة نحو جلسة 11 فبراير التي سيعقدها مجلس النواب لانتخاب الرئيس الجديد، ورغم توافق معسكري 8 مارس و14 مارس علي اسم المرشح قائد الجيش العماد ميشيل سليمان، فان الخلاف مازال مستمرا حول عدد مقاعد حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية الجديدة، حيث تقدم عمرو موسي باسم الجامعة العربية بمبادرة للحل تقوم علي توزيع المقاعد بنسبة 10 مقاعد للاغلبية "معسكر 14 مارس" و10 مقاعد يقوم الرئيس باختيار من يشغلها، ضمانا للتوافق، و7 مقاعد للمعارضة وهي صيغة لا تسمح لمعسكر 14 مارس بالحصول علي الغالبية البرلمانية، ولا تسمح تلك الصيغة للمعارضة بتعطيل قرارات الحكومة حيث تصر المعارضة علي الحصول علي 10 مقاعد أي نسبة الثلث داخل الحكومة لتعطيل صدور أي قرارات لا توافق عليها وهو ما يسمي بالثلث المعطل أو الثلث الضامن. وفي هذه الاجواء فشلت جهود الجامعة العربية حتي الآن وأصبحت فرص انقاذها هي الأخري تتضاءل بشدة وهو ما سيجعل لبنان يتجه نحو انفجار خطر بدأت بوادره باطلاق النار علي تظاهره لانصار حزب الله في الضاحية الجنوبية قتل فيها عدد من المتظاهرين بعد اغتيال مسئول الشرطة اللبنانية وهو ما يقرب لبنان من انفجار أكبر. تهديد القمة العربية وفي ضوء الانقسام الخطر في فلسطين ولبنان فان الانقسام امتد إلي الجسد العربي نفسه، ورغم محاولات التوافق بين مصر والسعودية في ناحية وسوريا في الناحية الأخري، فان ملامح أزمة تتشكل تهدد القمة العربية المقرر عقدها الشهر القادم في دمشق حيث تلقي التطورات السلبية في لبنان وفلسطين بظلالها علي القمة القادمة في اطار لعبة الشطرنج العربية والاقليمية وفي ظل تحرك اطراف اقليمية ودولية للتأثير في تلك الأحداث بشدة قبل انعقاد القمة العربية القادمة التي أصبحت مهددة اصلا بتأجيلها بدلا من تدميرها.