وللحق فإن ما هو سائد لدينا يكاد يكون سائدا في العالم كله حول منطقتنا فهي ديكتاتورية وفاشلة وتعيش حالة صراع دائم مع نفسها والعالم من حولها، وهي في كل الأحوال عاجزة تماما عن اللحاق بالعصر كثرة من الصحفيين في مصر يقولون ان مهمتهم هي البحث عن "الحقيقة"، ولكنهم في نفس الوقت يقولون ان الحقيقة لكي تكون حقيقة حقا فلا بد وأن تكون مأساوية وكارثية، وما لم تكن سوداء فلا بد وأنها "تنتمي إلي الألوان الغامقة نوعا"؛ وما عدا ذلك سوف يكون نوعا من صحافة "الدنيا ربيع والجو بديع"، وصحافة "التنويم" التي تنافق وتسمع الكلام ولا تخبر ولا تحلل ولا تتابع. وبشكل ما فإن كل من يقول غير ذلك متهم في عرضه وماله ومنطقه، رغم أن البحث عن الحقيقة يفترض منذ البداية أنك لا تحدد الألوان مسبقا، وأنك لا بد وان تنظر إلي كل جوانب الصورة التي تقدمها للقارئ أو المشاهد. خذ حتي مثلا بسيطا من ذلك الإصرار علي أن نسبة الفقراء في مصر هي 40% والمنسوبة إلي أقوال البنك الدولي حتي ولو كانت الدراسات المعلنه لبرنامج الأممالمتحدة للتنمية وليس الحكومة المصرية عن الفقر في مصر تضعها عند نصف هذه النسبة. فهل معني ذلك أن 60% من المصريين ليسوا من الفقراء ويمكن حسابهم ضمن الطبقات الوسطي والعليا؟ وإذا كان ذلك هو "الحقيقة" فلماذا يتحدث الجميع عن انهيار الطبقة الوسطي، ومتي كانت المرة الأخيرة التي تناول فيها تحقيق صحفي أو لقاء تلفزيوني عن حالة 60% من المواطنين وهم الذين في النهاية، واعتمادا علي توفيرهم واستثماراتهم سوف يمكن تقليل نسبة الفقراء في مصر. ولكن مثل هذا الذي يخص 60% من المواطنين، أو قرابة 48 مليون مواطن من المنتجين والمستهلكين والمتعلمين أيضا، ربما يحمل أخبارا سعيدة، أو فرصا جديدة، تخل بالحالة الكلية التي تحول عيشة المصريين إلي حالة من العزاء المستمر في النفس والمجتمع والدولة. والمهم أن ذلك أصبح نوعا من الثقافة العامة تجد سيطرتها وهيمنتها ثقيلة جدا إلي الدرجة التي يكاد يعتذر عندها كل من لديه خبر سعيد أو تطور مثير يستحق لفت النظر إليه، أو فرصة يطالب المجتمع بانتهازها. وللحق فإن ما هو سائد لدينا يكاد يكون سائدا في العالم كله حول منطقتنا فهي ديكتاتورية وفاشلة وتعيش حالة صراع دائم مع نفسها والعالم من حولها، وهي في كل الأحوال عاجزة تماما عن اللحاق بالعصر. وبحكم المهنة فإنني أشارك في مؤتمرات وندوات دولية كثيرة تجد فيها العرب يصفون أحوالهم بكل أنواع الكوارث والمآسي ثم يلقون بمسئوليتها علي الولاياتالمتحدة وإسرائيل؛ ثم يحدث العكس تماما ويتفق الأجانب علي الوصف، وكل كارثة، وكل مأساة، ولكنهم يلقون المسئولية عنها علي أكتاف أهل المنطقة وفاشيتها الكامنة، مع إشارة وتلميح لحضارة ودين. وفي العادة ينشب خلاف كبير لا يقصر فيه أحد في البرهنة والبيان؛ وبعيدا عن المسئولية فإن الوصف متفق عليه. المشكلة مع ذلك أننا في مصر والمنطقة العربية نصبح جماعة واقعة تماما خارج العلم والتاريخ، فلا يؤثر فيها تطور تكنولوجي، ولا تلعب بأشجارها نسائم عولمة، والكل يعيش في حالة من السكون والتحلل. ويتغير السؤال تماما من كونه له علاقة برصد التغيرات الجارية لكي يكون ما هي أسباب بقاء الأحوال علي ما هي عليه؟ وهو سؤال طالما ألح علي طوائف من كتاب مصر، إذا كان الحال بمثل هذه السوداوية فلماذا لا يغضب الناس ولا يثورون؟ وفي مؤتمر أخير عقد في مدينة هامبورج من قبل مؤسسة ألمانية حول الأوضاع في المشرق العربي قررت أن أطرح عرضا مخالفا لما هو سائد من تصورات يوم القيامة عنا وعن المنطقة العربية حينما رصدت خمسا من الفرص الجديدة التي تبحث عمن يقتنصها وسط المآسي والكوارث. أولاها القفزة الكبيرة في أسعار النفط، وهي قفزة ينبغي قياسها ليس فقط إلي التضخم، وإنما أيضا إلي الفترة التي كانت فيها الأسعار قد تدهورت إلي 8 دولارات للبرميل بينما أسعار كل شيء في العالم ترتفع. هذه القفزة خلقت قدرات جديدة تبحث عمن يحولها من مال إلي صناعة وخدمات وفرص عمل، ويجري ذلك بأشكال متنوعة بالفعل وبشكل من المنافسة بين دول منتجة باتت مستعدة للاستفادة من خبرات عالمية. وثانيتها تتوازي مع الأولي حينما دخلت دول المنطقة إلي خطوات ليس فقط من التراكم الرأسمالي والريعي، وإنما إلي خطوات من الإصلاح الاقتصادي، وكان هذا وذاك في دول مختلفة من العالم أولي خطوات الغني والتقدم والانتقال من العالم النامي إلي عالم متقدم. وحينما تسجل منظمات دولية ما يحدث، وحينما يؤدي ما تسجله المنظمات الدولية إلي جذب الاستثمارات الدولية إلي بلدان المنطقة، بما فيها مصر، فإنه يصبح من قبيل العسف المطالبة بتحقيق ما لم يتحقق في التاريخ المصري من قبل وهو أن يكون زوال الفقر هو البرهان الوحيد علي التغيير. وثالثتها أن المناخ الإقليمي يتغير بدوره، فبعد الكارثة العراقية ووصولها إلي الحضيض تراجعت معدلات العنف إلي مستويات يمكنها أن تسمح بالحياة الطبيعية بالعودة، حتي ولو كانت لا تزال بثمن عال. ومع التراجع تم استئناف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين مرة أخري، وهو ما كان متوقفا منذ عام 2000. وربما لا يكون هذا أو ذاك كافيا، ويمكن رصد أشكال العنف المتبقية، والمستوطنات التي تبني، ولكن المسألة ليست أن العنف والدمار لا يزالان باقيين، وإنما هل ينمو إلي جانب العنف والدمار محاولة لبناء الحياة أم لا؟ وهل تستحق هذه المحاولة للبعث وسط الدمار والدخان والدماء أن ترصد، والأهم أن تنتهز الفرصة فيها؟ ورابعتها أن هناك تغيرا ملحوظا في سياسات الولاياتالمتحدة، من العنجهية إلي التواضع، ومن الإنفراد بالقرار إلي السعي للتعاون مع الآخرين، وكان ذلك بسبب فشل سياسة في العراق وغيرها كنا جميعا معارضين لها. فلماذا توجد لدينا صعوبة كبيرة في التعامل مع أوضاع جديدة توجد فيها فرص بقدر ما يوجد فيها مخاطر. وخامستها أن الإعلام المصري والعربي أصبح رغم كل القيود قوة لا يستهان بها، وهو علي سوداويته الشديدة، له قوة إيجابية حيث لا يبقي الحكومات علي حالها، وتبرق منه أصوات ومواهب وفنون. وبشكل ما خسر المستبدون العرب احتكارا أساسيا للمعلومات كان واحدا من أهم أدوات التحكم والسيطرة. ووسط مئات من الصحف، ومثلها من المحطات الفضائية، فإن الحقيقة لا تغيب كثيرا، ومن الجائز أن يتعلم الإعلام في يوم ما القدرة علي الاحتفال بالنصر!. كان ذلك ما قلته، وفهمه النظارة علي أنه ليس حديثا عن طقس الربيع والجو البديع وإنما نظرة علي جدل الواقع وما يجري فيه من تغيرات هي الحقيقة ذاتها التي يقول الجميع بالسعي للبحث عنها. فالحقيقة دائما جدلية يخرج فيها الحي من الميت، والضوء من الظلام، والعلم من اكتشاف الجهل، والغني من الفقر. وفي بلادنا حيث الموت والظلام والجهل والفقر فإن وظيفة الفكر أن يبحث عما يغير ويبدل أما لطم الخدود وشق الصدور فهو وظيفة أخري. ولله في خلقه شئون كثيرة!. من ناحية أخري يفتتح رئيس قطاع الفنون التشكيلية معرض الفنان الكبير حسن عثمان في السابعة والنصف من مساء اليوم بأتيليه القاهرة، حيث تستقبل قاعتا "راتب صديق" و"إنجي أفلاطون"أعمال الفنان النحتية والتي يقدم من خلالها رصداً فنياً للوجه الإنساني في رؤية فنية ميزها استخدامه للمفردات الفرعونية في أداء معبر عن مختلف المشاعر الإنسانية.. كما يفتتح في نفس التوقيت بأتيليه القاهرة معرض الفنانة الليبية زهرة البيباص التي ولدت بإعاقة في يديها وقدميها فلجأت للرسم بفمها وواصلت تحديها للإعاقة حتي تخرجت عام 2000 في كلية (الفنون والإعلام) بطرابلس وتعرض الفنانة بقاعة "محمد ناجي" مجموعة من لوحاتها في الرسم والتصوير الزيتي والتي تشبه لوحات الانطباعيين. وتختتم المعارض مع أعمال الفنانة إيمان الباز بقاعة "تحية حليم" والتي تنوعت بين الرسم والتصوير في أداء فني رفيع. أما "لقاء 3" فهو عنوان المعرض السنوي الذي يقيمه قطاع الفنون التشكيلية لفن التصوير الفوتوغرافي والذي يفتتح في السابعة والنصف مساء الخميس القادم بمتحف الفنون الجميلة بالإسكندرية ويشارك في المعرض 145 فنانا من بينهم 17 فنانا عربيا وأجنبيا يمثلون كرواتيا سلوفينيا الكويت العراق السعودية عُمان إلي جانب 128 فنانا مصريا من أعضاء نادي الكاميرا نادي الصيد بالقاهرة جماعة الرواد للتصوير الفوتوغرافي وفناني بورسعيد. وفي السابعه والنصف مساء أمس الاثنين استقبل مركز سعد زغلول الثقافي بمتحف بيت الأمة معرضين للفنان العراقي زياد رحال والفنانة المصرية رقية الشناوي، حيث يضم معرض زياد رحال الذي يحمل عنوان "تجليات عراقية" مجموعة من أهم أعماله في التصوير والرسم والتي تنوعت بين التجريدية والتعبيرية الرمزية لأفكاره ومشاعره عن الوطن والسلام والأمن وبراءة الطفولة. أما معرض الفنانة رقية الشناوي فيحمل عنوان "شرقيات" وطوعت من خلاله منحوتاتها لأفكار تميزت بالرشاقة ودفء التفاصيل وتليين المعدن وانسيابية التشكيل