علي المنصة ردد المحاضرون أن التعليم الجامعي في مصر ملئ بالمشاكل والعثرات، وأن كثيرا من الحلول تأتي عن طريق كان يوما عاديا من أيام نشاطنا الجامعي، تناول كثير من طلاب جامعتنا الحكومية إفطارهم المعتاد من الفول المدمس بالزيت الحلو والبصل الناشف والفلفل الأخضر، أما أنا فقد تناولت إفطاري من الفول المدمس بالزيت الحار والطحينة مع البصل الأخضر، وحين تغلغلت أبخرة الفول المدمس في تلافيف الأدمغة، أصبح الأمر جاهزا لأن أدخل قاعة الدرس لأحاضر أربعين طالبا جامعيا في بعض قضايا التفكير الاحتمالي في حياتنا المعاصرة، وران علي الجميع صمت جليل واستسلام رائع لمقومات العلم وأفكار العلماء. بعد دقائق طرق باب القاعة أحد رؤسائي في العمل، وعلي غير عادة الرؤساء بدا رئيسي مهموما طيبا باسما، ألقي علينا بتحية ودودة رائعة فتوجسنا شرا، نظر للطالبات وأمطرهن بوابل من معسول الكلام واصفا إياهن بالجميلات فهربت أبخرة الفول من أدمغة الجميع وتشدقت الطالبات بالابتسام وتقلقلت مقاعد الطلاب، ولما كان علي أن اضبط إيقاع الهدوء بين الحضور، أعلنت أن الطالبات من أكلة الفول المدمس خفر دميمات فعاد الوقار للطالبات وانتشي الطلاب، عندها أعلنت أن الطلاب من أكلة الفول المدمس خفر مساطيل، فابتسمت الطالبات، هكذا تعادلت الصفات وعاد الهدوء للجميع0 ظهر رئيسي في العمل كصديق يرجوني أن أسحب الطلاب إلي قاعة محاضرات أخري تعقد فيها ندوة لمناقشة قضايا التعليم في مصر بين الواقع والطموحات، ذلك بأن قاعات محاضراتنا العامة يملأها سيف السلطة بجثث موظفين وطلاب يتم سحبهم من أماكنهم الأصلية كي تطلع الصورة حلوة ويصبح الأمر سائغا لتسوية نفقات مالية تنفقها الإدارة علي محاضرات صورية في خدمة صورية للمجتمع، وأسرف رئيسي في الوعود، مشروب بارد لكل طالب يحضر الندوة مع تسهيل امتحانات آخر العام، ووعدني رئيسي الرائع بالمشروب البارد مع دعوة للغداء في مطعم مجاور. علي المنصة ردد المحاضرون أن التعليم الجامعي في مصر ملئ بالمشاكل والعثرات، وأن كثيرا من الحلول تأتي عن طريق التعليم الجامعي الخاص، تكلم محاضر يملك مؤسسة للتعليم الجامعي الخاص مكلفا سكرتيرة رائعة الجمال بتشغيل جهاز يعرض صورا لكلامه علي شاشة بيضاء في قاعة هادئة الإضاءة، وحين روج المحاضر للتعليم الخاص، تساءل بعض الجالسين عمن يدفع راتب تلك الحسناء، وهاجت أبخرة الفول علي أدمغة الحضور وتثاءب الكثيرون، محاضر آخر أثني علي قرار المحكمة الدستورية العليا بأن التعليم الجامعي الخاص لا يتعارض مع الدستور ولا يضيع فرصة المساواة بين المواطنين، وبأن المستفيد من إنفاق الدولة علي التعليم الجامعي هم الأغنياء، فالفقراء في مصر حوالي عشرين في المائة ولا يدخلون أولادهم الجامعة، وتساءل بعض الحاضرين عن مدي المصداقية والحياد في إحصاءات الأممالمتحدة عن مصر التي تقرر أن أربعين في المائة من المصريين يعيشون تحت خط الفقر، ومع إدراك فقرنا العام هاجت أبخرة الفول علي أدمغة الكثيرين وفقد المحاضرون جاذبية حديثهم، وتراوحت أدمغة الحضور بين التثاؤب المدفوع الأجر وبين ذلك الصمت البهيم المصاحب لأكلة الفول المدمس. ذهبت غمامة الفول المدمس عن أدمغة البعض فصرح بأنه يري منهجين لحلول مشاكلنا في التعليم، منهج يري أصحابه أن التعليم موقف ذاتي لا يعني أحدا غير صاحبه، هكذا التعليم مشروع تجاري يسمح لكل من هب ودب بأن يفتح محلات التعليم الخاصة تداعب غرائز البعض وأن حلول المشاكل التعليمية تعتمد علي التكنولوجيا فقط، ومنهج آخر يري أصحابه أن التعليم قضية قومية تعمل علي تحقيقه كل قوي المجتمع وان حلول المشاكل التعليمية تعتمد علي وسائل سياسية وفكرية وتكنولوجية، ويصبح لزاما علي الدولة أن تنفق علي التعليم لصالح المواطنين. في اليوم التالي انتظر كثير من الموظفين أن تفرج الإدارة عليهم بندوة أخري يتثاءبون علي مقاعدها الوثيرة، وسألني طالب عن مصير المشروب الذي لم يعط له في الندوة، وأصرت طالبة علي تعويض ملائم بأن تضع إدارة الكلية امتحان آخر العام سهلا ولذيذا0