إنه لأمر لافت للانتباه ويستحق التسجيل أن يكون المتحدث الرئيسي في المؤتمر السنوي ل"معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني" هو وليد جنبلاط زعيم دروز لبنان. والرجل المعروف بكراهيته العميقة للإدارات الأمريكية المتعاقبة. ففي التاسع عشر من أكتوبر الماضي، ألقي جنبلاط محاضرة تميزت بصراحتها البالغة حول التحديات التي تواجه لبنان اليوم، وتقييمه للنفوذ "المدمر والدموي" الذي لا تزال سوريا تمارسه ضد بلده المحاصر بالمشكلات. وصف جنبلاط كيف استدعي الرئيس السوري بشار الأسد في 26 أغسطس 2004 رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري إلي دمشق، وطلب منه أن يسعي للحصول علي موافقة البرلمان اللبناني علي تمديد ولاية الرئيس أميل لحود الموالي لسوريا. وحسب جنبلاط فإن الأسد قال للحريري: "إن إميل لحود هو أنا... وإذا ما كان هناك أحد في لبنان يريد إخراجي منه فإنني سوف أهدم لبنان... هيا اذهب وجدد التفويض". وكانت النصيحة التي قدمها جنبلاط للحريري هي قبول الطلب السوري، وهو ما حدث بالفعل وتم تمديد ولاية لحود لثلاث سنوات إضافية، وتم تجنب حدوث أزمة كانت وشيكة". وبعد ذلك تم اغتيال الحريري في الرابع عشر من فبراير 2005 بواسطة سيارة مفخخة، وهو ما أدي إلي خروج المعارضة اللبنانية للوجود السوري في البلاد لساحة العلنية. ففي الرابع عشر من مارس 2005 خرجت تظاهرات ضخمة في بيروت كانت إيذاناً بانطلاق ما عرف باسم "ثورة الأرز" التي أدت في النهاية إلي خروج السوريين وإنهاء احتلالهم العسكري الرسمي للبنان. إلا أن ذلك الخروج لم ينه العنف الذي يتعرض له المناوئون لسوريا في لبنان، حيث واصلت سوريا كما يقول جنبلاط سياسة هدم لبنان من خلال اغتيال أربعة من أبرز المعارضين السياسيين وقادة الرأي العام؛ هم جبران تويني، بيير الجميل، سمير قصير، ووليد عيدو. بيد أن لبنان لن يختفي بدون قتال... لماذا؟ لأن البلاد ستكون غير قابلة للحكم من الناحية الواقعية. وفي مثل هذه الظروف، فإن إعادة تسليح الميليشيات المناوئة لسوريا سوف تستمر، لاسيما أنه لا يوجد احتمال لإقدام "حزب الله" علي التخلي عن سلاحه، كما أن كل الشروط اللازمة لاندلاع حرب أهلية جديدة ستكون متوافرة أيضاً. وهذه الحرب لو اندلعت، سيكون من السهل أن تنجر إليها سوريا وإسرائيل معاً. وإذا ما حدث هذا وبدأت الصواريخ التي زودت بها إيران "حزب الله" في التساقط علي قوات الأممالمتحدة في لبنان، أو علي إسرائيل، فإن تصعيد الصراع سوف يكون أمراً لا مفر منه في ذلك الوقت، خصوصاً أن الإسرائيليين غير مستعدين لتحمل نتائج إخفاق آخر في مواجهتهم مع "حزب الله"، كما حدث في الحرب التي اندلعت في صيف عام 2006. فعلي الرغم من مرور ما يزيد عن عام ونصف العام علي تلك الحرب، فإن الإسرائيليين لم يستطيعوا أن ينسوا الأخطاء التي ارتكبوها خلال تلك الحرب. وإصرار إسرائيل علي عدم الإخفاق مجدداً يشير إلي أنها تنوي اتباع استراتيجية أكثر جرأة واقتحاماً يمكنها أن تنقل المواجهة مع الحزب إلي شمال نهر الليطاني. وفي مثل هذه الحالة، ومع الدعم وإعادة الدعم الذي سيتلقاه "حزب الله" من سوريا وإيران، فإن القتال يمكن أن يمتد تالياً إلي سوريا، كما يمكن استدراج إيران إلي حلبته. ومثل هذه الحرب لو اندلعت، فإنها ستقدم لإدارة بوش حجة أخري تبرر بها استخدام القوة ضد إيران، باعتبارها الوسيلة الوحيدة لإقناع الملالي بالحد من دعمهم لمنظمات مثل "حزب الله" و"الجهاد الإسلامي" و"حماس"، وتأجيل برنامجها النووي للأغراض العسكرية. وإذا ما أخذنا في اعتبارنا حدة الجدل الدائر في واشنطن حول إيران، وإحجام العديدين عن الموافقة علي استخدام القوة ضدها بسبب الوضع المأساوي في العراق أو بسبب الموضوع النووي، فإن الاحتمال الأكبر هو أن يتحول موضوع الحرب الأوسع نطاقاً إلي وسيلة لتحقيق الإجماع بين إدارة بوش وبين "الديمقراطيين".