بروتوكول رباعي لمبادرة "ازرع" لدعم صغار المزارعين وتحقيق الأمن الغذائي    انخفاض سعر الذهب اليوم في مصر ببداية تعاملات الأربعاء    أسعار البيض اليوم الأربعاء بالأسواق (موقع رسمي)    بعد كاليفورنيا.. تكساس تنشر الحرس الوطني الأمريكي    السعودية تعلن إطلاق موسم العمرة وبدء إصدار تأشيرات معتمري الخارج    "فازوا علينا من قبل".. لاعب بالميراس يوضح سبب صعوبة مباراة الأهلي في كأس العالم للأندية    بيان جديد من السكة الحديد بشأن "مُخرب القطار الروسي": ضبطه وإحالته للنيابة    محافظ الغربية يؤكد: لا تهاون في استرداد حق الدولة    بين احتلال البلدان وقمع السكان الأصليين.. تاريخ الحرس الوطني الأمريكي المستخدم لقمع مظاهرات لوس أنجلوس    روسيا تهدد أوكرانيا بالسيطرة على مزيد من الأراضي إذا لم توافق على شروطها    محافظ الدقهلية في جولة صباحية مفاجئة بالمركز التكنولوجي بحي غرب المنصورة | تفاصيل    قبل مواجهة الأهلي.. سبب استبدال ميسي في مباراة الأرجنتين وكولومبيا    منتخب كوستاريكا يفوز على ترينداد وتوباجو في تصفيات أمريكا الشمالية المؤهلة للمونديال    الصفقة الرابعة.. مانشستر سيتي يتعاقد مع تيجاني ريندرز    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأربعاء    محافظ بني سويف يتفقد جاهزية اللجان واستراحات المراقبين استعدادا لامتحانات الثانوية العامة    السيطرة على حريق بشارع البصل شرقي الإسكندرية    الأرصاد تحذر من استمرار ارتفاع درجات الحرارة حتى الإثنين المقبل    مصرع تاجرين مخدرات وضبط آخرين بحوزتهم مواد ب64 مليون جنيه خلال مداهمة بؤر إجرامية بأسيوط والمنيا    حبس بلطجي مزَّق جسد موظف بسلاح أبيض في حلوان    القصة الكاملة لزواج قاصر من مصاب بمتلازمة داون في الشرقية    يحيى الفخراني يكشف عن درس تعلمه من عبدالحليم حافظ في كواليس المسرح القومي    فيلم سيكو سيكو الأكثر مشاهدة على إحدى المنصات والثالث في شباك التذاكر    تعرف على آخر تطورات مبادرة عودة الكتاتيب تنفيذًا لتوجيهات الرئيس السيسي    متحدث الحكومة: معدلات الإصابة بالجذام في مصر الأدنى عالميًا    عالم خالٍ من الأسلحة النووية    وزير المالية: حجم الدين الخارجي لأجهزة الموازنة انخفض بقيمة 2 مليار دولار خلال 10 أشهر    «فتح» تدعو الإتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوات حاسمة ضد المخططات الإسرائيلية    تنسيق الجامعات 2025، كل ما تريد معرفته عن كلية علوم التغذية بحلوان    كأس العالم للأندية| تشيلسي يتصدر القيمة التسويقية للمجموعة الرابعة    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في الشرقية وأسوان    ماجد الكدواني ضيف معتز التوني في "فضفضت أوي" الليلة    زاهي حواس يروج للسياحة على «FOX TV» ويدعو الشعب الأمريكي لزيارة مصر    الأوراق المطلوبة للحصول على مساعدات مالية من بيت الزكاة والصدقات    مجددًا.. إسرائيل تفتح النار على منتظري المساعدات وسط غزة    25 شهيدا برصاص قوات الاحتلال قرب مركز توزيع المساعدات وسط قطاع غزة    أبو مسلم: أنا قلق من المدرسة الأمريكية الجنوبية.. وإنتر ميامي فريق عادي    القوات الروسية تتقدم في سومي وتهاجم خاركيف بالمسيرات    بعد إجرائه عملية جراحية وتدهور حالته الصحية.. محمد ثروت يطالب بالدعاء لابن تامر حسني    جريتا ثونبرج تصل السويد وسط استقبال بالأعلام الفلسطينية والتصفيق الحار    يتحدث نيابة عن نفسه.. الخارجية الأمريكية ترفض تصريحات سفيرها لدى إسرائيل بشأن الدولة الفلسطينية    تراجع جديد يلامس 500 جنيه.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 11-6-2025    إصابة 3 بطلقات نارية في مشاجرة بسبب النزاع على قطعة أرض بسوهاج    غرق طالب أثناء استحمامه فى ترعة بسوهاج    الدولار ب49.52 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 11-6-2025    هل شريكك من بينهم؟ 3 أبراج الأكثر خيانة    دعاء الفجر.. أدعية تفتح أبواب الأمل والرزق فى وقت البركة    رئيس جامعة دمنهور: «صيدلة البحيرة» أول كلية تحصل على اعتماد مؤسسي وبرامجي في مصر    عن "اللحظة الدستورية" المقيدة بمطالب الشعب الثائر    تقارير: فيرتز على أعتاب ليفربول مقابل 150 مليون يورو    محمود وفا حكما لمباراة نهائى كأس عاصمة مصر بين سيراميكا والبنك الأهلى    بعض الأشخاص سيحاولون استفزازك.. حظ برج القوس اليوم 11 يونيو    المذاكرة وحدها لا تكفي.. أهم الفيتامينات لطلاب الثانوية العامة قبل الامتحانات ومصادرها    بطريقة آمنة وطبيعية.. خطوات فعالة للتخلص من الناموس    مُخترق درع «الإيدز»: نجحت في كشف حيلة الفيروس الخبيثة    "الأوقاف" تعلن أسماء الفائزين في مسابقة الصوت الندي 2025    أستاذ اقتصاديات الصحة: نسبة تحور "كورونا" ارتفعت عالميًا إلى 10%    زواج عريس متلازمة داون بفتاة يُثير غضب رواد التواصل الاجتماعي.. و"الإفتاء": عقد القران صحيح (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخصخصة في العلاقات السياسية الدولية
نشر في نهضة مصر يوم 20 - 05 - 2007

" الخصخصة" تضرب في اتجاه آخر يثير نوعا من الارتباك، أو عدم التصديق، بأن العالم علي وشك أن يتغير، فهناك شئ ما يتطور بسرعة في إدارة العلاقات الخارجية بين دول العالم، في ظل تساؤل بلا إجابة محددة حول ما إذا كان هذا التطور قد وصل، أو يمكن أن يصل، إلي ساحة الشرق الأوسط أم لا؟، فلايزال الوقت مبكرا لكي يتم الحديث بصورة جادة بهذا الشأن.
إن كلمة "الخصخصة" تعتبر منذ وقت طويل واحدة من المصطلحات الشائعة في المنطقة، لكن نطاق تأثيرها قد اقتصر في العادة علي المجال الإقتصادي، مرتبطة بسياسة تحويل القطاع العام إلي قطاع خاص، في إطار التحول إلي اقتصاديات السوق لكن خارج المنطقة، تجاوزت الخصخصة كل الحدود لتصل إلي قطاعات شديدة الحساسية، بمعايير الإقليم، وهي السياسات الخارجية والسياسات العسكرية.
إن مشكلة مفهوم الخصخصة مع المنطقة العربية، تتسم بتعقيدات لاأول لها ولاآخر، فهو ليس من المفاهيم ذات الشعبية في أوساط الرأي العام أو قطاع كبير من المثقفين، إذ انه قد ارتبط في الأذهان بعملية تبدو وكأنها شديدة السلبية، يتم من خلالها بيع أصول الدولة وممتلكات الشعب، المعروفة كوديا باسم " القطاع العام" إلي مجموعة من رجال الأعمال الذين يفترض وفق الثقافة الشعبية والخبرة العملية أحيانا أنهم لايراعون الأبعاد الاجتماعية ، أو بيعها في حالة أخري لمستثمرين أجانب جاءوا من مكان ما، عادة مايحمل معه تهمة أخري وهي" الاشتباه في الاختراق"، وبالتالي فإن المسألة مرفوضة.
المثير في الأمر هو أنه بينما يتصور قطاع من الرأي العام والمثقفين اليساريين في العادة، انهم هم الذين يعارضون سياسات الخصخصة، وأنهم هم الذين يفرضون حالة من الضغط تؤدي إلي " فرملتها"، فإن الحقيقة هي أن بيروقراطية الدولة نفسها هي التي تعارضها بصورة أعنف، وهي التي توقفها بصورة أكثر فعالية، فهم المالكون الفعليون أو "القيمون" علي أصول الدولة، وهم المستفيدون رقم واحد من وجودها في " الفراغ العام"، وهم الذين سيكونون أول من يتم الاستغناء عنهم، والمساس بمواقعهم في حالة انتقال الملكية، إلي من سيديرونها بعيدا عن سياسة " الخاصة الملكية".
المشكلة هي أنه بينما لايزال الجدل يدور حول الخصخصة الداخلية ( بعد أن تم الاتفاق علي أنها خصخصة وليست خوصصة أو تخصيصا)، فإن مسألة الخصخصة قد انطلقت علي المستوي الدولي نحو مجالات لم يكن يخطر علي البال أن تصل إليها، وهي مجالات السياسة الخارجية وتشكيلات الجيوش، وهي أمور عادة مايتم التعامل معها بمنطق أنها " شئون سيادية" من تلك النوعية التي لاتمس، أو لم يكن من المتصور إطلاقا أن تمس، في دول لاتزال حديثة الاستقلال، ولم تتمتع لفترة طويلة بسيادتها.
هنا تبدأ التعقيدات، فالتعبيرات العملية لمفهوم السيادة تتعلق بأنه كانت هناك دائما وزارات يطلق عليها اسم "الوزارات السيادية" التي ترتبط النشاطات التي تمارسها بالوظائف الأساسية للدولة، والتي لا تتنازل عنها لأي طرف آخر، ويمثل المساس بها مساسا بالسيادة بمفاهيمها التقليدية، كالدفاع والخارجية والداخلية والإعلام، وفي بعض الدول النفط وأحيانا المالية.
لقد مست الخصخصة بالفعل قطاعات واسعة داخل الدول العربية منذ فترة طويلة، كالإعلام بالذات والاقتصاد تحديدا، وإن كانت بعض الدول قد حرصت علي استمرار سيطرتها حتي علي القطاعات المخصخصة بوسائل أخري، أشهرها رأسمالية الدولة، لكن يبدو أن الخصخصة كما تمت الإشارة في البداية - تتحرك نحو مساحة جديدة.
إن الوقائع الخاصة بخصخصة السياسة الخارجية " دوليا" علي سبيل المثال ليست جديدة علي الإطلاق، فهي تستند علي تطور بدأ في الظهور منذ فترات طويلة، شهدت ظهور كيانات مؤثرة علي سياسات الدول كشركة الهند الشرقية، إذ كان مفهوما أن الدولة لم تعد هي اللاعب الوحيد في العلاقات الدولية، وأن لاعبين جددا يطلق عليهم عادة "الفاعلين غير الرسميين"، الذين هم ليسوا دولا، قد بدأوا يمارسون تأثيرا في العلاقات الدولية.
كانت الأمثلة التقليدية لذلك هي الشركات الكبري متعددة الجنسيات، التي مارست ضغوطا أدت إلي انقلابات عسكرية أو تحولات سياسية في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، فكثيرا ماتتم الإشارة إلي أن شركات أمريكية عاملة في مجال النفط والاتصالات والأغذية، كانت تقف خلف انقلاب سلفادور الليندي في شيلي، أو الإطاحة بحكومة محمد مصدق في إيران. وكثيرا ماكانت عبارة " ان مصلحة شركة فورد هي مصلحة الولايات المتحدة" تتردد في كتابات كثيرة للدلالة علي تلك العلاقة المعقدة بين المصالح الاقتصادية والتوجهات الخارجية.
لكن الأمور وصلت في الوقت الحالي إلي مستويات أصبحت فيها تلك الكيانات غير الحكومية فاعلا رئيسيا في إدارة علاقات الدول، علي نحو أثار تحديات تتعلق بكيفية إدارة العلاقة بينها وبين الدول، سواء كان الأمر يتعلق بدولها ذاتها أو الدول الأخري التي تتعرض لتأثيراتها، ولا يتعلق الأمر هذه المرة بالشركات الكبري أو المجتمع المدني أو المنظمات الدولية أو الكنيسة الكاثوليكية أو جماعات المصالح، وإنما بفئات جديدة غير مألوفة نسبيا، كالشركات العسكرية الخاصة، أو شركات الاستشارات السياسية، أو المؤسسات الخيرية العالمية، أو حتي محامي التعويضات أمام المحاكم الأمريكية.
إن التطورات الدولية في المرحلة الحالية تشير إلي أن هناك جيوشا من اللاعبين من غير الدول يتحركون في كل اتجاه، وتوجد مسافة بينهم وبين الحكومات، ووصل الأمر إلي السياسات العسكرية، فقد أصبحت الشركات العسكرية الخاصة والمتعاقدون المدنيون تمثل مكونا رئيسيا في كثير من الجيوش الغربية، خاصة الجيش الأمريكي، الذي يتعامل مع الأمور بمنطق خاص أقرب ل " بيزنس الدفاع" الذي يعتمد علي فكرة أن فرد الجيش هو المقاتل، بينما يمكن أن توكل كل المهام الأخري بما في ذلك حراسة المنشآت، والوحدات ذاتها، إلي شركات خاصة، وهو مالم يتم تصوره من قبل، ويخلق مشاكل عملية بالفعل، إلي درجة أن التقييم السائد في المنطقة لما يحدث من جانب تلك الجيوش هو أنها تعتمد علي المرتزقة الذين هم الشركات العسكرية الخاصة.
إن القصة طويلة للغاية، ويمكن أن تؤدي إلي صدمات فكرية إذا تم شرحها أو جرت مقارنات بشأنها، فالمسألة أعقد نسبيا مما تبدو عليه، كما أن مناقشتها بجدية يمكن أن تكون أبعد مايكون عن تلك التقديرات الأخلاقية، ففكرة الجيش في المنطقة العربية، تتعلق بمعان وطنية ترتبط بالشرف والدفاع عن الوطن، وهناك مسافات طويلة تفصل بين التوجهات الوطنية والتوجهات العملية السائدة لدي بعض جيوش العالم.
علي أي حال، فإنه علي الرغم من أن هناك ذلك التوجه الذي يسمي " خصخصة" علي تلك المستويات الحساسة، فإن ثمة اتفاقا عاما علي أن الدول تظل رغم ذلك قوية، في العالم الغربي، الذي سار في هذا الاتجاه، فقد لا تكون هي بالضرورة اللاعب الذي يمارس المباراة، إلا أنها هي التي تضع قواعد اللعبة، كما أنها تتسم بالصرامة عادة في تطبيق تلك القواعد علي "الفرق الزائرة"، فيما يتعلق بالدفاع، رغم أن الأمور تتسم بالسيولة تجاه جماعات المصالح الداخلية التي تحاول التأثير في السياسات الخارجية للدول.
إن النتيجة الأساسية، هي أنه مهما كان مدي قبول الدول العربية لتلك الحقائق، فإن مثل تلك التوجهات تفرض تعقيدات تواجهها تلك الدول فعليا في تعاملها مع السياسات الخارجية للدول الأخري بشكلها الحالي، كما أنها تلقي الضوء علي القيود المتصاعدة التي تواجهها أفكارها التقليدية حول السيادة في تعاملها مع " الفاعلين غير الحكوميين" الذين تتصاعد أدوارهم داخل كل الدول العربية، ويمارسون تأثيرا بالفعل علي توجهات الدول الأخري تجاهها، فالقضية تستحق الاهتمام، حتي لو كنا نعتقد أنها تتعلق ب " لوبيهات" أو مرتزقة، إلي أن نتفق فيما بعد علي أنها " خصخصة" وليس تخصيصا أو خوصصة دولية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.