من هو الأمريكي.. وما هو مفتاح الهوية الأمريكية؟ إن الإجابة عن هذين السؤالين يمكن أن تكون صعبة، بل ويمكن أن تكون وحشية، ولكن هذا هو شكل الإجابة علي الأسئلة المتعلقة بهويتنا التي اكتسبناها بدمائنا. وفي كل مرة تخرج فيها أمريكا إلي العالم من خلال مغامرة أو حماقة فإنه عادة ما تكون هناك حاجة للإجابة علي هذا السؤال مجدداً. وعندما يريد أنصار العولمة والحدود المفتوحة إحضار العالم كله هنا إلي أمريكا، دون احترام للثقافة والتقاليد الأمريكية فإن الحاجة إلي الإجابة علي هذا السؤال تظهر من جديد وربما بإلحاح أكبر من المرات السابقة. لقد تم تذكير الأمريكيين بشكل قاس بأمريكيتهم في الحادي عشر من سبتمبر عندما تعرضت أمتهم بأكملها للهجوم. إننا لا زلنا نذكر تلك اللحظات عندما اتحد الأمريكيون جميعاً تحت وطأة الكارثة ووقف كل واحد منهم ليعلن باعتزاز: أنا أمريكي. وفي الحقيقة أنه كان يجري تذكيرنا دوماً بأن هويتنا قد نشأت من خلال الصراع والحرب حتي ما قبل الحادي عشر من سبتمبر. فالأمريكي بمجرد أن يحصل علي الجنسية فإنه يلتزم بالولاء لأمريكا أولاً، والإخلاص لخدمتها وخوض الحرب من أجلها حتي لو كانت تلك الحرب ضد وطنه الأصلي. وهذه الفكرة هي موضوع فيلم جديد اسمه "باث فايندر" وترجمته الرائد أو المستكشف، وهو فيلم مليء بمناظر القتل والدماء والوحشية. هذا الفيلم يوضح أن التاريخ الأمريكي كان تاريخاً دموياً، وأن الحرب كانت هي البوتقة التي تكونت فيها الوطنية مثلما حدث في الحربين العالميتين الأولي والثانية علي سبيل المثال. ففي تلك الحربين كان الأمريكيون من أصل ألماني يشعرون بوخزات الضمير لأن العدو في الحربين تصادف أنه كان وطنهم القديم. بيد أن ذلك لم يمنع أن يقود أمريكا في الحربين قائدان من أصل ألماني هما الجنرال "جون بيرشينج" والقائد الأعلي لقوات الحلفاء "دوايت أيزنهاور" نجحا في تحقيق الانتصار علي القيصر الألماني في الحرب العالمية الأولي، وعلي الفوهرر الألماني في الثانية. بيد أنه يلزم التأكيد هنا أن حروبنا لم تكن كلها حروباً مقوية للهوية الأمريكية مثل الحربين العالميتين الأولي والثانية، وإنما كانت هناك حروب من نوعية أخري، ومنها حرب العراق علي سبيل المثال. فهذه الحرب ليست حرباً مقوية لهوية الأمريكيين وإنما هي حرب ممزقة لقلوبهم لأن قادتهم تبنوا اقتراحاً غبياً مؤداه أن الناس هناك في ذلك البلد العراق كانوا ينتظروننا لأنهم كانوا يتحينون الفرصة كي يكونوا مثلنا. والأنكي من ذلك هو أن إدارة بوش فاقمت فيما بعد من ذلك الخطر من خلال التظاهر -إلي أن أصبح مثل ذلك التظاهر سخيفاً- بأن الحرب الأهلية المندلعة في العراق لا تختلف عن المناوشات التي ميزت جمهوريتنا الوليدة في القرن الثامن عشر. لذلك فإن ما يتعين علي أمريكا أن تقوم به في الوقت الراهن هو أن تعيد توحيد صفوفها، وأن تعمل علي الخروج من العراق بشرف وعلي تجديد العزم علي الدفاع عن أرضنا ضد الإرهابيين القتلة وضد الساسة الأغبياء المتعولمين الذين ينادون بالحدود المفتوحة مما يهدد بتحويل أمريكا إلي شيء آخر غير أمريكا التي نعرفها، والتي لا نملك غيرها، والتي من حسن حظنا أنها تمثل كل ما نريده.