عندما تنشب أزمة من أزمات المنطقة التي لا تنتهي فإنه في العادة تثار كثير من الأسئلة المعقدة التي لا تجد إجابة أبدا؛ وفي العادة فإن المعلقين العرب يحبون الإجابة علي الأسئلة الخاصة بالولاياتالمتحدة وإسرائيل ربما لأن المعلومات متاحة، وربما لأن الإجابات سابقة التجهيز، ولكن النادر أن أحدا يسأل أسئلة تخص الجانب العربي من الأزمة لأن ذلك ربما يفتح الباب للفرقة والخلاف كما أن فيه بعضاً من التشكيك، أو هكذا يقال. ومع ذلك كله فإن الأسئلة تبقي علي حالها معلقة وملحة ليس لأنها صعبة وإنما لأن الإجابات عليها بالغة الصعوبة. ومن الأسئلة التي تلح علي ذهني بقوة شديدة هو ذلك السؤال الخاص بالإلحاح العربي الكبير علي ضرورة وقف إطلاق النار في الأزمة اللبنانية، بل إن البعض يأخذ المسألة خطوة أكبر إلي الأمام ويعتبر أن عدم وقف إطلاق النار هو مؤامرة أمريكية عظمي علي الأمة العربية حتي أنها لم تترك مؤسسة مثل مجلس الأمن وغيرها من المؤسسات الدولية دون لي ذراع دول كبري لكي تؤجل وقف إطلاق النار. ووجه التساؤل في هذه القضية وأن حزب الله نفسه الذي يقود الجانب العربي من المقاومة قد أعلن بوضوح كامل أنه منتصر في الحرب، وأنه لقن إسرائيل، ولا يزال يلقنها، دروسا لن تنساها. وكل ذلك وقوي حزب الله الأساسية لا تزال علي حالها ولا يزال لديها في الجعبة مفاجآت عظمي سوف تظهر في الأوقات المناسبة لأن الحزب اختار وقت ومكان المعركة. وقد شاركت جميع الفضائيات العربية والصحف العربية حزب الله هذا التقدير للنصر الذي مرغ إسرائيل في الوحل وجعلها تتراجع من سقف إلي سقف أكثر هبوطا وهي الإشارة التي ما بعدها إشارة علي نصر الحزب المبين. ولكن، إذا كان الحال كذلك، وراية العرب مرفوعة ومنتصرة، فلماذا يطالب كل العرب واللبنانيين وحتي حزب الله بوقف إطلاق النار، ولماذا لا تستمر تلك المسيرة المنتصرة حتي تصل إلي نهايتها المنطقية وتجبر إسرائيل ليس فقط علي إطلاق الأسري اللبنانيين وتحرير مزارع شبعا وإنما تحرير فلسطين هي الأخري؟!. والسؤال الثاني متصل بالسؤال الأول لأن موضوعه هو وقف إطلاق النار لأن التركيز العربي يجري عن حق علي الولاياتالمتحدة وموقفها من المسألة والذي سار حتي الآن علي رفض وقف إطلاق النار حتي تتوفر شروط أهمها تحقيق إسرائيل لانتصار ساحق علي حزب الله. هنا فإن السؤال ليس لماذا فعلت الولاياتالمتحدة ذلك، وإنما لماذا انصاع العالم لها؟ ولماذا لم نر وضعا دوليا احتجاجيا علي الحرب من قبل دول وليس مجرد مظاهرات يجري مثلها علي كثير من القضايا العالمية؟. ومن الجائز تماما أن تنصاع دول فقيرة أو ضعيفة للولايات المتحدة نتيجة لإغراءات الدولة العظمي في العالم أو نتيجة لضغوطها، ولكن لماذا تنصاع دول مثل ألمانيا واليابان الأقوياء اقتصاديا جدا لها وهما اللذان يقدمان معونات لأمريكا بأشكال متنوعة، ولماذا تسكت بريطانيا وهي تمتلك القنابل الذرية، ولماذا كان صوت الصين وروسيا خافتا ولا يزيد عن تسجيل مواقف يصحبها شروط تخص نهاية حزب الله وإعادة الجنديين الإسرائيليين، ولماذا لا يسمع أحد صوت الهند، ولماذا تأخذ فرنسا النووية مواقف دعائية زاعقة، ولكنها من الناحية العملية أقرب للولايات المتحدة مما يظن الكثيرون؟. وببساطة لماذا يقف العالم الحقيقي - أي الذي لديه القوة والتأثير- ضدنا في هذه الأزمة ؟. السؤال الثالث مزعج إلي حد كبير، ويمكن طرحه ببساطة علي الوجه التالي: لماذا تؤدي عملية تحرير الأرض العربية إلي احتلال مزيد من الأراضي العربية أيضا ؟. وتفصيل ذلك أنه عندما قامت منظمة حماس وحزب الله بخطف الجنود الإسرائيليين في عمليات عسكرية باسلة قيل - ضمن ما قيل - أن ذلك كان من أجل تحرير الأراضي العربية المحتلة في فلسطين ولبنان. وكان قد قيل لنا من قبل إن المنظمة والحزب يمثلان نوعية جديدة من التنظيمات السياسية العربية التي تعرف للأمور مقامها، وتحسب للظروف حساباتها، وهما لا يدعان لإسرائيل تحديد المكان والزمان للمعركة، وإنما هما بحكمتهما العسكرية والسياسية يقرران مثل هذا الأمر. وإلي هنا فإن الحديث جميل ورائع، فلا يوجد ما هو أقرب إلي القلب العربي من وجود منظمات تختلف عما عرفناه من حكومات لا تعرف لا في السياسة ولا في الحرب؛ ولكن لماذا عند ترجمة كل ذلك علي الأرض تزيد مساحة الأرض العربية المحتلة ولا تنقص. وفي وقت من الأوقات كانت غزة قد تحررت بشكل كامل، وأكثر من ذلك قامت إسرائيل بتفكيك المستوطنات، وقيل ساعتها إن ذلك بسبب نضال حماس ومعها جماعة الجهاد الإسلامي، فلماذا يكون استمرار ذات الجهاد سببا في إعادة احتلال غزة ؟. وبنفس الطريقة تحرر الجنوب اللبناني بشكل كامل حتي الحدود الدولية التي تعرفها الأممالمتحدة، وكان ذلك - كما قيل - بسبب نضال حزب الله، فلماذا يكون استمرار هذا النضال سببا في احتلال جنوب لبنان مرة أخري، وإعطاء إسرائيل الحرية في احتلال أجواء كل لبنان؟. ولكن السؤال الرابع الذي لا ينفك يقلقني فهو لماذا لم يقم حزب الله بإعداد الجنوب اللبناني للحرب القادمة، فحزب الله يعرف بلا شك حالة النذالة الإسرائيلية، ولا يمكن بالطبع إعطاء الحزب دروسا في الوحشية الإسرائيلية والإجرام الإسرائيلي والبربرية الصهيونية، ولذا كان منطقيا أن يكون الرد الإسرائيلي علي اختطاف الجنود مشابها لما حدث في غزة قبل أسابيع. ومن الثابت أن حزب الله له قدرة فائقة علي التنظيم والقيادة والتحضير للحرب حتي إن إسرائيل عجزت تماما عن اختراقه، وضرب صواريخه علي مدي ثلاثة أسابيع من القتال. هنا فإن السؤال هو إذا كان ذلك كذلك فلماذا لم يعد الحزب الجنوب للمعركة القادمة فلم تبن ملاجيء ولا قام أحد بتخزين طعام أو مياه، ولماذا سمح للجنوبيين اللبنانيين ببناء مساكن وصلت إلي حد السلك الشائك علي الحدود مع إسرائيل، ولماذا لم ترسل رسالة إلي المؤسسات والشركات والفنادق اللبنانية بأنه لا داعي للتوسع في استجلاب السائحين هذا الصيف لأن الساعة قد حانت لتحرير الأسري اللبنانيين؟. والسؤال الخامس لا يقل إزعاجا لأنه يخص قضية طالما اختلف عليها الناس، فالأخوة من الإسلاميين في العموم لا يكفون عن القول أن لديهم من التفسير والتقدير ما يحسم كل القضايا الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية في حياتنا. ولكن ما جري في هذه الأزمة كان أغرب من الخيال، فاستنادا إلي الأحكام الشرعية، والأقوال الفقهية، والأحاديث المرعية، فقد صدرت الفتاوي التي تطلب مساندة حزب الله في المعركة، والفتاوي المضادة التي قالت بعدم جواز المساندة. وربما كان ذلك جائزا في أحوال ملتبسة، ولكن الحالة الآن واضحة لا ريب فيها بين معسكر الشر، حيث توجد إسرائيل وأمريكا ومن سانداهما، ومعسكر الخير حيث يوجد حزب الله ومن والاه. فلماذا اختلط الأمر والتبس هذه المرة كما حدث في مرات سابقة، وهل يكون من الأفضل للمسلمين أن يكونوا أعلم بشئون دنياهم بدلا من هذه الفتنة التي تخلط الدين بالدنيا؟ السؤال السادس صعب ومحرج، ولكن لا خير فينا ما لم نطرح الأسئلة، ولا خير في الجماعة إذا لم تبحث عن إجابات، وكما قيل فإنه لا حياء في العلم. والسؤال هو لماذا كان رد الفعل مختلفا علي الأعمال الوحشية البربرية الإجرامية التي يندي لها جبين البشرية وسوف تكون وصمة عار علي جبين إسرائيل وأمريكا إلي الأبد عما كان عليه الحال في أعمال مماثلة أخري في المنطقة؟. فما شاهدناه من وحشية في لبنان وتوجتها مذبحة قانا البشعة ليس جديدا بالمرة علي المنطقة، ومن يراجع تاريخنا فسوف يجد فيها أن أكثر من مليونين قد ذبحا في جنوب السودان، وقام صدام حسين بمذابح جماعية ضد الأكراد وصل بعضها إلي عشرات الألوف من البشر، وتبادل الشيعة والسنة المذابح الجماعية التي قدرت ببضعة ألوف في أفغانستان، ومن يقلب في التاريخ اللبناني فسوف يجد مذبحة تل الزعتر التي قامت بها سوريا هذه أسئلة ستة لا تغطي كل الأسئلة والتساؤلات، ولكنها مطروحة بإلحاح علي الجميع، وما لم نجد إجابات عليها، فربما سوف تستمر إسرائيل في ارتكاب جرائمها إلي الأبد !.